مقالات الرأي

قراءة في إطلالة الملثم

لا حديث في وسائل التواصل الاجتماعي ، بل وفي المقاهي والبيوت وفي كل التجمعات إلا عن رجل ملثم يظهر بين الفينة والأخرى على قناة للجزيرة ؛ ليبعث للعالم بأسره بمختلف طبقاته ومستوياته برسائل صريحة وأخرى مشفرة ، فاضحا ومهددا تارة ، ومطمئنا مبشرا تارة أخرى ، فالرجل أصبح رمزا للصمود والتصدي للاحتلال الإسرائيلي . انه أبو عبيدة , مرعب الصهاينة , صاحب الكوفية الفلسطينية… القائد العسكري لكتائب القسام ، الجناح العسكري لحركة حماس, التي تقود اعنف واخطر حرب عرفتها المنطقة , والتي كبدت الجيش الإسرائيلي باعترافه لحد الساعة خسائر فادحة مادية وبشرية. وفي قراءتنا المتواضعة هاته , سنحاول أن نسلط الضوء على إطلالة الرجل وما تحمله من رسائل وأبعاد وإشارات هادفة جديرة بالملاحظة والنقاش .
من ناحية الشكل: يمكن تقسيمها إلى عناوين رئيسية لباس الرجل: كعادة الرجل في كل خرجاته ، ظهر بلباس حربي أنيق غير مكلف ماديا ، يغطي وجهه بكوفية فلسطينية جميلة ، زادته هيبة ووقار ، إذ بالكاد يستطيع العالم أن يعرف عينيه فقط ، ويحمل فوق جبهته شعار التوحيد لا اله الا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم واسم كتائب عز الدين القسام مع رمز علم فلسطين في يديه اليسرى . صوت الرجل : يطل علينا الرجل بصوت جميل جدا بشهادة كل من يسمعه ، ليس بالغليظ ولا بالرقيق ؛ ولا بالجوهري ولا بالخافت ، وبينهما يخرج صوت ملائكي لا يشبه بالجزم والمطلق أصوات أهل الدنيا. حركات الجسد : يجلس بهدوء وثبات قل نظيره ، ويلوح أحيانا بسبابته رافعا يديه إلى الأعلى مهددا أحيانا ، ومبشرا أحيانا أخرى .مما يعطي للمشهد منظرا لم تعهده الجماهير في خطابات السيياسين والمؤثرين وصناع القرار . لغة الرجل : يستعمل لغة عربية سليمة واضحة …يفهما الكبير والصغير، والمثقف والعادي ، مع استحضار واضح للخطاب القرآني والمصطلحات الجهادية ، التي وان استعملت في وقتنا الحاضر في خطابات السياسيين لكنها لبست بقيمة الصدق وإثارة الانتباه التي استعملها صاحب الكوفية . من ناحية الموضوع: حاول الرجل من خلال كلماته آن يبعث رسائل رئيسية إلى من يهمهم الأمر ،كما أن كلمته لم تخلوا من دلالات قيمية كبيرة .
فمن حيث الرسائل الموجهة حاولت جمعها في ثلات رسائل رئيسية : الرسالة الأولى : إلى العدو الصهيوني إذ توعده بلغة ساخرة — الضفادع البشرية — قوية جدا بهزيمة ساحقة مذلة ،مؤكدا أن التهديدات التي يطلقها بالاجتياح البري لن تخيف المقاومة ، بل ستكون علامة فارقة في مسار هاته الحرب ، بل تمنى الحرب البرية مبشرا الجميع بقدرة المقاومة على التصدي لأي هجوم بري محتمل ، منبها على أن الجحيم هو مصير كل من يفكر في اجتياح غزة . الرسالة الثانية: إلى الأنظمة العربية والإسلامية المتخاذلة خاطب الأنظمة العربية بأسلوب تهكمي لا يخلوا من سخرية ، مبينا عجزها وخذلانها ، مؤكدا يأسه منها ومن دفاعها عن الأقصى وعن الدين والرسول الكريم .
مبديا استغرابه أن يصل عجزها وخنوعها وخضوعها إلى أسفل دركات الخزي بالفشل حتى في القيام بالجانب الإنساني البسيط . الرسالة التالثة : إلى كل أحرار الأمة بلغة تستنهض الهمم وتحمل المسؤولية ، دعا كل شرفاء الأمة وكل غيور على هذا الدين والمقدسات، أن يعتبر أن هاته المعركة هي معركته الحقيقية . وبيقين قل نظيره أكد على ان هاته الأحداث ستكون فاصلة بين عهد قد مضى وعهد سيشرق قريبا بالنصر والفتح المبين. وعلى ان القضية الفلسطينية في هاته المرحلة الدقيقة تعول على مجهودات كل حر وشريف بعدما خذلت القضية أنظمة غادرة عاجزة اتبتتث فشلها . أما أبعاد كلمة الرجل، فيمكن حصرها في مايلي : البعد الإنساني : يمكن استحضار البعد الإنساني في كلمة الرجل من خلال تطرقه لموضوع المدنين العزل من أطفال وشيوخ ونساء الذين يتعرضون لأبشع عملية إبادة عرفها التاريخ الحديث .
فاذا كانت أخلاق الحرب والقوانين الدولية واضحة في عدم التعرض للمدنين، بل وتقديم المساعدات الإنسانية لهم ، وفتح الممرات الآمنة . فان كل هاته الخطوط الحمراء تجاوزها الكيان الغاصب ، مبديا استغرابه من عجز الأنظمة العربية حتى في فرض هذا الأمر البسيط . البعد النفسي : طوال كلمة الرجل التي لم تتجاوز ربع ساعة ، ظل يهدد ويتوعد العدو الصهيوني بكلمات قوية ، يعرف العدو وحده قيمتها وتأثيرها وصدقها، بل وقدرته على تنفيذها. ويمكن القول على أن كلمات الرجل هي قنابل في صدر العدو تضعفهم نفسيا ، وهذا ما يفسر حرصه على الظهور بين الفينة والأخرى. من جانب أخر تعتبر كلماته محفزة وداعمة لكل الجماهير الإسلامية المتابعة… فهي تعطيها من القوة المعنوية الشيء الكثير… بل ان الكثير من رواد التواصل الاجتماعي من يعبرون بصراحة عن شوقفهم لخطاباته وكلماته وظهوره البعد السياسي : بدا واضحا من خلال تطرقه لملف الأسرى والمعتقلين ، حيث أكد الرجل على أن حماس مستعدة للتفاوض في الملف بل مستعدة لإخلاء سبيل كل من لديها ، شريطة أن يكون الثمن هو تبيض سجون الاحتلال من كل معتقل فلسطيني .
وقد حرص الرجل على أن يستعمل مصطلح كل فلسطيني ، بغض النظر عن انتمائه وتوجهه السياسي ،وهو الدقيق في كلماته، وهي نقط جديدة تحسب لحركة المقاومة الإسلامية حماس ، التي تدافع عن كل الأسرى بمختلف مشاربهم السياسية بما فيهم مروان البرغوتي المحكوم بالمؤبد والمنافس الرئيسي لخلافة عباس في حركة فتح . هذا جزء من ملاحظاتي على خطاب رجل شغل البشر والحجر في الآونة الأخيرة ، ولفت أنظار العالم بفصاحته وخرجاته ، اكتبها وانأ في منطقة الراحة متكئ على وسادتي ، وأمام جهازي ، مستمتع بوسادتي ،وهو الصامد في خنادق الوغى مدافعا عن شرفي وكرامتي ،…. فان وصلتك كلماتي هاته سيدي فالله اشهد اني احبك في الله ولك مني سيدي كل الحب والتقدير وكثير من الاحترام .
عمر الهواوي
الأحد 29/10/2023 من مدينة طنجة الصامدة والمتضامنة مع الشعب الفلسطيني البطل

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق