مقالات الرأي

ضوء أحمر: مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس

بقلم د. الشريف الرطيطبي

” وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم” صدق الله العظيم.
تجمع الجغرافيا بين المملكتين المغربية والإسبانية في الشطر الغربي من البحر الابيض المتوسط، ولا تفصل بينهما سوى مسافة لا تتجاوز 14 كلمترا في عرض البحر. وهما بذلك يشكلان بوابتي أفريقيا وأوروبا، ويمثلان معا أرض الغروب الذي يدل عليها إسماهما: “المغرب” و”هسبانيا”.
وبفعل هذه الجغرافيا شهدت العلاقات بينهما – عبر مختلف الحقب التاريخية – درجات من المد والجزر ، وترك كل طرف منهما بصمته على جغرافية وتاريخ الآخر، والتي تتوزع بين ما هو حضاري وثقافي، وما هو حروب ومعارك نعتت فتحا واحتلالا.
وإذا كانت العديد من الجروح قد التأمت مع مرور الزمن فإن اللاشعور في الذاكرة الجماعية لدى كل طرف منهما، وشواهد التاريخ والجغرافيا تبقى لها السطوة على سلوك البلدين شعبا وحكاما، وهو يتجسد في علاقات ترفع شعار”التعاون والشراكة وحسن الجوار”، لكنه في العمق محكوم بالتوجس والحيطة والحذر ! فهل يمكن للمغاربة نسيان تاريخ وحضارة أجدادهم بعد خروجهم قهرا من الفردوس المفقود؟
وفي المقابل هل نسي الإسبان طارق بن زياد واسمه حاضر في حياتهم شامخا شموخ “جبل طارق”؟
وهل نسي العرب فردناند وايزابيلا الكاثوليكية ومحاكم التفتيش ومحنة المورسكيين؟
وهل نسي القشتاليون يوسف بن تاشفين ومعركة الزلاقة؟ وهل يمكن للإسبان التخلص من الأسماء العربية لمعظم مدنهم وقراهم؟
وفي المقابل هل نسي المغاربة محنتهم بعد هزيمة حرب تطوان سنة 1860\1859 واحتلال تطوان وعدم مغادرتها إلا بعد الاتفاق على أداء غرامة مالية ثقيلة؟! وأيضا احتلال شمال البلاد وجنوبه على إثر اقتسام أرضه مع فرنسا ؟
وهل نسي الإسبان عبد الكريم الخطابي وحرب الريف ومعركة أنوال؟
وهل بإمكان الإسبان هدم قصر الحمراء ومسجد قرطبة وصومعة الخيرالدا بإشبيلية، وهي شواهد على حضارة عربية لأكثر من سبعة قرون؟ وفي المقابل هل يمكن استرجاع وشراء الأرض الشاسعة التي توجد فوقها القنصلية الاسبانية بطنحة بحي إيبيريا؟ وهل لا يعلم الإسبان أنهم يحتلون سبتة ومليلية والجزر الجعغرية وأن التاريخ يشهد على ذلك؟
ولن نزيد أمثلة أخرى تجسد حالات الحرب وحالات السلم بيننا وبين جيراننا في الشمال. والخلاصة- كما هي مسطرة تفاصيلها في صفحات التاريخ- هي أننا نكون المنتصرين تارة والمنهزمين تارة أخرى. والتموقع في هذه الجهة أو تلك يكون نتيجة قوة الشوكة أو بسبب ضعفها. ومن هنا طبعت العلاقة بين الطرفين في صراع تاريخي لا هوادة فيه.
ألم يكن الإسبان موضوع سخرية من طرف المغاربة في وقت كانوا ينعتونهم ب “بورقعة” عندما كانت إسبانيا بلدا اوربيا متخلفا؟
وفي المقابل ألم يعاني المهاجرون المغاربة من ويلات العنصرية في إسبانيا، دون المهاجرين من أمريكا اللاتينية وشرق أوربا، وقد بلغ الأمر بهم إلى حرقهم في براكات ألمريا؟ وهل يقبل المغاربة محنة الحصول على الفيزا لقضاء بعض الوقت بهذا البلد الذي أصبح قبلة سياحية عالمية بفضل ما بذله من جهود أعطت أكلها في السياسة والاقتصاد والمجتمع؟ وبالمقابل ألم يتحول المغرب الأقصى في العشرية الأخيرة إلى رقم صعب سياسيا واقتصاديا وعسكريا بغرب البحر الابيض المتوسط وشمال غرب إفريقيا، وأصبحت إسبانيا تخطب وده من أجل ثرواته وخيراته واستعلاماته؟
ومن كل هذا كيف يفسر الموقف الإسباني الحالي مما يجري على الساحة الدولية من تحولات وأحداث تلعب فيها المملكة المغربية دورا أساسيا ووازنا؟ الجواب الأكيد هو التوجس والتخوف واتباع سياسة البحث عن إضعاف هذا الجار ليبقى كما كان لسنين عديدة تابعا لها ولسياستها! لكن الجديد هو أن الأمة المغربية انبعثت مرة أخرى كدولة لها كلمتها في السياسة الدولية كما كانت يوم ما بعد إلحاقها هزيمة تاريخية بإمبراطورية عظمى في القرن 16 في معركة واد المخازن.
وإذا كان التاريخ لا يرحم الضعفاء، فالأقوياء هم من يصنعون أحداثه.
و تبقى السياسة الدبلوماسية وسيلة لتحقيق المصالح. وهي علم وفن أتقنه العديد من سلاطين وملوك المغرب في كل مرة كان يتعرض بلدهم للخطر الخارجي سواء كان مصدره جهة الشرق أو جهة الشمال. واليوم يعيد التاريخ نفسه بتطلع الشعب المغربي بقيادة ملكه إلى أن يلعب دوره المنوط به في منطقة جيو-سياسية من العالم، باعتباره بلدا صاعدا شعاره في مخاطبة الأعداء قبل الأصدقاء هو ” مغرب اليوم ليس هو مغرب الامس”.

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق