مقالات الرأي

عبد الخالق الغربي: الحذر الحذر !!واليقظة اليقظة !!

الأحداث الدامية التي رافقت احتجاج (الأساتذة المتدربين ) أحداث لا يجوز أن تمر دون تأمل العقلاء ، ودون الاجتهاد في فهمها وتقدير أبعادها وآثارها .

مواجهة شريحة مثقفة، متعلمة، متبصرة، مسالمة( بغض النظر عن مشروعية مطالبها من عدمها ) بالضرب والعنف والتجريح أمر مستغرب حقيقة ،خصوصا عندما نقارن الحدث بأحداث كانت أكثر تهديدا للأمن العام ولم يلجأ فيها لهذا العنف وهذا الطيش ( أحداث 20 فبراير ، مظاهرات طنجة حول موضوع أمنديس ….)

ومما يزيد من غرابة الحدث ، إعصارالتشويه الذي اكتسح وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي والذي يروم محو صورة تشكلت في الذهن الجمعي للمغاربة .

لن أخوض في التفاصيل القانونية لأسباب المشكلة لأنني لا أرى فائدة من ذلك ، إذ من المفروض أن نعمل على تقوية  المؤسسات و على تثبيت دولة الحق والقانون ، وأن نقطع مع الانطباعات  المتسرعة أو التماهي مع هذا الطرف أو ذاك ،خصوصا في مثل هذه القضايا التي تشغل  قطاعا واسعا من الرأي العام بل إنها شغلت بالفعل كل الرأي العام الوطني ، فهذا الأمر ينبغي في تقديري رفعه إلى القضاء ليفصل فيه ، سيما وأن الأساتذة المتدربين ينطلقون من قناعة مفادها أن المرسومين موضوع النزاع مخالفين لقوانين سابقة لهما بل ومعارضين لنصوص دستورية كما يرون، ولا أرى مخرجا لهذا الأمر أفضل من رفعه أمام المحكمة الإدارية لتقول كلمتها فيه.

في الدول التي تحترم نفسها لا يلجأ الأمن إلى مثل هذا العنف إلا بعد أن يستنفد كل الطرق لدفع خطر واضح  يتهدد أمن البلاد ، فأي خطر يمكن أن يصدر عن أساتذة متدربين خرجوا إلى الشارع لإعلان رفضهم لمرسومين وزاريين؟؟ هذه فئة متعلمة واعية تقدر خطواتها جيدا ،وأقصى ما تفكر فيه هو الضغط المعنوي من أجل الحصول على ما تراه  حقا مشروعا لها.

لذلك وجب فتح تحقيق حول ملابسات هذا الاستعمال غير المبرر للعنف وهذا الاعتداء الأرعن على مواطنين مسالمين من أجل  تحديد المسؤوليات فيما  وقع، ومن تم ترتيب العقوبات المناسبة على من يستحق العقاب.

لكن في الوقت نفسه وجب التنبيه على أن الأحداث حتى وإن استبعدنا منطق المؤامرة في افتعالها ، وعزونا أسبابها إلى تهور من أصدر القرار ، أوإلى عدم تقدير مآلات  مثل هذه الأفعال المتهورة ،فإن ما أعقبها  من هجمة شرسة وغير مفهومة لا أقول على الحكومة أو على حزب العدالة والتنمية، بل هو إعصار موجه إلى  آمال شعب بكامله، غايته مسح ما استقر في النفوس من رغبة في الإصلاح وإيمان بإمكانية تحقيقه .

للأسف صاب هذا الإعصار الكثير من الناس دون أن ينتبهوا لخطورته، خصوصا وأن توظيف تلك المشاهد البشعة لأستاذات وأساتذة شجت رؤوسهم بعصي رجال الأمن ،أذكى روح التضامن مع الضحايا وهذا أمر مطلوب ومؤشر دال على الوعي  والصلاح الأصيلين  في هذا الشعب ، لكن توجيه مثل هذه التهمة الساذجة والسخيفة للحكومة هو المستغرب حقا .

إن النظر المتأني  هو الكفيل بتشكيل الرؤية الواضحة السديدة ، فمن يتصور أن رجلا مثل بن كيران قد يعطي الأمر بضرب الأساتذة المتدربين؟؟هذا أمر لا يستسيغه العقل ، ذلك أن الرجل ببساطة من الشعب ،يحس بمعاناة أبناء الشعب ولا يمكنه أن يقدم على مثل هذا الفعل. وحتى بالمنطق السياسوي البرغماتي، فعبد الإله بن كيران سياسي محنك يعرف ما يفعل، فكيف يتخذ قرارا مماثلا في سنة انتخابية هو أحوج فيها لاستمالة الناخبين بدلا من ضربهم والاعتداء عليهم .

التعاطف مع الأساتذة المتدربين المعنفين أمر مطلوب ومشروع ، لكن الوقوع في شرك المتربصين والانسياق في حملة المشككين والمغرضين أمر لا يليق بمن جرب أساليب المتحكمين والمستبدين.

لنحذر هذه الألاعيب ، ولنخيب ـ كما فعلنا دائما ـ رجاء المفسدين الذين لن يستسلموا بسهولة، ولن يتخلوا عما تمتعوا به من نفوذ وثروة لعقود، ولن تعوزهم الوسائل لصرف الناس عن هذا الإصرار في دعم الإصلاح  خصوصا بعد الرسالة القوية التي مررها لهم الشعب المغربي في انتخابات شتنبر الماضي ، لكن خططهم الدنيئة ومكرهم بالليل والنهار لن يفلح في إيقاف عجلة الإصلاح ، إلا إذا أصاب إعصارهم قلوبنا وأبصارنا أو غفلنا عن مكرهم فسلمناهم عقولنا ليستحمرونا  ، فالحذر الحذر، واليقظة اليقظة ، إنها ترنحات التحكم والإفساد إذ قربت نهايتهما.

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق