سياسة

مؤتمر العدالة والتنمية: الرسائل والتحديات

عبد العلي حامي الدين

سيذكر التاريخ أن مفتاح نجاح المؤتمر الثامن لحزب العدالة والتنمية كان بيد الأستاذ عبد الإله بنكيران الذي أنهى الجدل القانوني والسياسي حول موضوع الولاية الثالثة في آخر لحظة، عندما توجه إلى المؤتمرين بضرورة إغلاق النقاش حول هذا الموضوع والتوجه إلى المستقبل لاختيار قيادة جديدة.

ينبغي أيضا الاعتراف بأن المؤتمرين عبروا على درجة عالية من النضج والإحساس بالمسؤولية، وأسهموا بدورهم في نجاح الحزب في امتحان التداول على القيادة في ظروف سياسية صعبة، جاءت في أعقاب مسلسل من التراجعات تم تسجيلها بشكل واضح قبيل الانتخابات التشريعية وكادت تعصف بنزاهة الانتخابات، بالإضافة إلى مسلسل البلوكاج الذي أفشل مهمة الأستاذ عبد الإله بنكيران في تشكيل حكومته وانتهاء بقرار الإعفاء وما تبعه من تشكيل لحكومة تضم ستة أحزاب سياسية ضدا على الإرادة الأصلية للحزب الأول.

هذا المسار التراجعي خلف نوعا من الإحباط داخل الحزب وداخل المجتمع أيضا، وهو المسؤول بدرجة أساسية على حدة النقاش الذي عرفه الحزب قبل المؤتمر وأثناءه أيضا.. هنا لابد من التنويه بجودة النقاش السياسي الذي عرفه المؤتمر أثناء عملية التداول التي دامت حوالي ستة ساعات متواصلة انتهت بانتخاب الدكتور سعدالدين العثماني بأغلبية 51,8% من أصوات المؤتمرين وهو رقم ناطق بالكثير من الدلالات والرسائل.. صحيح أن فارق 1.4٪‏ من الأصوات كانت كافية لترجيح كفة العثماني داخل حزب ديموقراطي حر، مستقل في قراراته الداخلية، عبر فيه المؤتمرون بكل حرية عن انتظاراتهم من قائد المرحلة الجديدة، لكنها كانت غنية بالرسائل والدلالات:

أولا، رغم تسجيل فارق بسيط فإن الجميع سلم بنتائج العملية ولم يطعن فيها أحد، وهو ما يعني أن الحزب حافظ على وحدته التنظيمية خلال هذه المرحلة بعدما كان البعض يتوقع انشقاق الحزب واهتزاز صفوفه بفعل ما تعرض له من ضربات متواصلة، أصعبها إعفاء زعيمه وأمينه العام من رئاسة الحكومة..

ثانيا، إن القبول بالنتائج وعدم تسجيل أي طعن جدي فيها، يعني ترسخ الممارسة الديموقراطية في ثقافة الحزب وفِي وعي مناضليه، وهذا امتحان مهم لتأكيد القناعة الديموقراطية العميقة داخل الحزب باعتبارها قيمة ثقافية وفكرية وليست فقط آلية لتدبير الاختلافات الداخلية..خصوصا وأن حجم الخلاف الذي سجل خلال المرحلة السابقة لم يكن بسيطا كما يعتقد البعض..

ثالثا، بقدر ما سجل المؤتمرون رغبتهم في دعم تجربة الحزب في الحكومة، فإن الكثيرين منهم لايبدو مقتنعا بالطريقة التي تشكلت بها، وسجل عدم رضاه على حجم التنازلات التي قدمها الحزب في هذا المسار، ولذلك يبدو حرصهم أيضا على تقوية حزبهم، وهو ما يزيد من تعميق مهمة الحزب وقيادته في المرحلة القادمة..

رابعا، في هذا المسار الذي كشف عن هشاشة المناخ الديموقراطي في البلاد، وجه المؤتمرون رسالة واضحة بضرورة تقوية الأداة الحزبية والحرص على استقلاليتها وعدم الاستسلام للقواعد الضمنية التي تحكم العلاقات بين النسق السياسي بالمغربي بالأحزاب السياسية، هناك وعي كامل بأن مكانة الحزب في الحياة السياسية اليوم تجعله في قاطرة النضال من أجل الديموقراطية وليس من حقه التطبيع مع بعض الممارسات التي أنهكت أحزابا سياسية وطنية عريقة وهشمتها من الداخل، ولذلك كاد المؤتمرون أن يتخذوا قرارا استراتيجيا بالفصل بين قيادة الحزب وقيادة الحكومة، بغرض إحداث رجة واضحة داخل الحياة السياسية، ولكنهم مالوا باحتياط شديد لمنح فرصة جديدة لرئيس الحكومة خصوصا وأن رغبة المؤتمرين لم تكن هي إضعاف موقع الحزب داخل حكومة ائتلافية غير متجانسة، ولكنهم يريدون الحفاظ على رأسمالهم وعدم التفريط به بأي وجه من الوجوه..

خامسا، هي رسالة واضحة إلى السيد رئيس الحكومة وهي أن حزبه الذي يقدر سابقته وتاريخه النضالي، ليس مستعدا للتوقيع له على بياض ولم يمنحه تفويضا مطلقا، وإنما هو تفويض مشروط بالاستمرار في مسار الإصلاح الحقيقي الذي من أجله جاء الحزب وهو سبب كينونته أصلا..

أمام هذه الرسائل، تبدو الأولويات الداخلية والخارجية واضحة، فعلى المستوى الداخلي لابد من العمل على معالجة مخلفات المرحلة السابقة وتداعياتها على الحزب وهو ما وعد الأمين العام بمعالجته في إطار حوار داخلي عميق، وهو حوار ضروري لتجديد رسالة الحزب خلال هذه المرحلة وتعزيز وحدته التصورية وتقوية مؤسساته الداخلية والحفاظ على رسالته الإصلاحية بما يعزز مكانته في الحياة الحزبية كأمل لجميع المواطنين والمواطنات الذي وضعوا ثقتهم في مشروعه الإصلاحي. أما على المستوى الخارجي، فلابد من إعادة الاعتبار للمكانة المؤسساتية لمنصب رئيس الحكومة وإعطائها المضمون السياسي الذي أراده المغاربة الذين صوتوا على دستور 2011، وتحمل المسؤولية في توضيح الإكراهات والعقبات المؤسساتية والحديث إلى المغاربة بلغة الوضوح والصدق والصراحة.

لابد من الانتباه أيضا، إلى أن النجاح السياسي المعتبر للمؤتمر الأخير لحزب العدالة والتنمية، هو عامل مساعد لتقوية الأداء الحكومي في اتجاه الاستمرار في الإصلاحات الاجتماعية والإسراع باتخاذ القرارات التي ينبغي أن يلمسها المواطن في حياته اليومية..

مع متمنياتي بالتوفيق للدكتور سعد الدين العثماني وفريقه الجديد..

 

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق