سلايدر الرئيسيةمجتمع

مطلب المساواة بين الجنسين: رؤية فقهية متجددة

د. إسماعيل الحفيان  

كلية الآداب والعلوم الإنسانية، بنمسيك- الدار البيضاء

 توطئة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فإن الكلام عن مبدأ المساواة بين الجنسين، قديم قدم الإنسان نفسه، فمنذ أن خرج آدم وحواء إلى هذا الوجود، خرج معهما سؤال التمايز في الخلقة، والمكانة، والوظيفة المنوطة بكل واحد منهما؟ وتفرعت عنه أسئلة أخرى من قبيل البحث في العلل الكامنة وراء هذا التمايز، والنظر في أثره في الحياة، وهل يقتضي ذلك نوع أفضلية بينهما؟ وعلى أي وجه يكون ذلك ويتقرر؟

إنها أسئلة مشروعة لا تزال إلى يوم الناس هذا تتردد بين الدارسين، ينقلها جيل عن جيل، ويتوارثها الخلف عن السلف.

وفي كل دورة حضارية من دورات تاريخنا الإنساني تنشئ لنفسها صورا حادثة من صور التدافع الحضاري، ومظاهر جديدة من مظاهر الصراع الفكري التي تنبئ عن المكانة المعرفية التي وصل إليها المجتمع البشري في أبعادها الثقافية والاجتماعية والتشريعية، مما يبعث على الظن أنها معضلة عصية على الحل، وأنها ستبقى محل سجال ديني وفلسفي مستمر، تتضارب بشأنها الآراء والاتجاهات إلى ما شاء الله.

ومن تأمل تاريخ فكرة المساواة بين الجنسين وما انطوت عليه من اختلاف في الرؤى والتصورات بين الدارسين، وما جرته على المرأة بالخصوص من شدائد ومتاعب باعتبارها الطرف الذي أريد له أن يكون الأضعف في هذه المعادلة؛ وجد أن السمة التي كانت تطغى عليها في الغالب؛ أنها كانت تقع ضحية اللبس وعدم التمييز بين مفهومين اثنين متراكبين متداخلين: مفهوم المساواة من حيث كونها مبدأ إنسانيا أصيلا في الفطرة البشرية، وذلك أن الرجل مهما بلغ من الظلم والتعسف لم ولن يستطيع أن يزيل من شعوره وضميره أن المرأة هي أخته وأمه وبنته؛ أي أنه منها وهي منه. ومفهوم المساواة باعتباره تشريعا قانونيا ملزما يرجع إلى العادات المتوارثة والأعراف السائدة التي يفرضها أولو القوة والسلطة في المجتمع -وهم الرجال في الغالب- وينظر في الالتزامات والحقوق والواجبات بلحاظ الاستعدادات والملكات والقدرات التي يتوفر عليها كل فرد فرد في المجتمع.

من هذا المنطلق يشرع أمام الباحث باب واسع ممتد الأطراف لمقاربة هذا الموضوع من زواياه المختلفة، وعلى رأسها –كما في بحثنا هذا- زاوية الفقه والتشريع، وهي الزاوية التي يفرض على الباحث فيها أن ينظر في كل الأبعاد التاريخية والفلسفية والاجتماعية لكي يستثمر معارفها وإمكاناتها في صياغة رؤية عادلة ومنصفة تنظم العلاقة بين الجنسين.

المساواة في التشريعات غير الإسلامية: معالم وشواهد

في الفكر اليوناني القديم كان أفلاطون في جمهوريته الطبقية “الفاضلة” يتبنى فكرة المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة إذا انحدرا من طبقة اجتماعية واحدة، كما في طبقة الحراس –مثلا-، فقد سوى بينهما تسوية كاملة في التكاليف الحربية والعسكرية. وانتهت به هذه التسوية الظالمة إلى مقولات هدامة وأفكار منحلة، لعل أبرزها وأفحشها ما سيسمى لاحقا بالشيوعية الجنسية المطلقة.

أما أرسطو أبو المنطقية والعقلانية فبالرغم من أنه كان يقر بالفوارق الخلقية والتمايز في الخصائص والمواهب بين الرجل والمرأة، إلا أنه لم يستطع أن يتخلص من رواسب الثقافة اليونانية السائدة، وكان يؤمن في كل كتاباته بأفضلية خلقية وعقلية للرجل على المرأة[1].

وفي التشريعات والرسالات السماوية السابقة، وإن كنا نعتقد أنها في أصلها متضمنة لكثير من قيم الإنصاف والعدل والرحمة والتقدير، إلا أن ما تسلط عليها من تأويل غال وتحريف مبطل أقصى المرأة عن مكانتها الشريفة المستحقة لها، وروج –للأسف- لقيم بئيسة بديلة؛ تحط من قدرها، وتقصيها عن أدوارها المنوطة بها، فأضرت بها ضررا شديدا، وأساءت إليها إساءة بالغة.

ففيما كانت تنسب إلى الرجل صفات الكمال والتميز والاصطفاء، تنسب المرأة في المقابل إلى الانحراف والغواية، وأنها سبب البؤس البشري، وأن قدرها أن تتحمل مسؤولية الغضب الإلاهي الذي حل بالبشر بعد الخطيئة الأولى، وتكون في خدمة الرجل وتحت سلطته لا أن تكون أختا له وعدلا له[2].

وكم كان الأمر بئيسا حينما تلبست هذه الأفكار بلبوس الدين والإرادة الإلهية، ونشرت في الناس على أنها قدر الله وأمره المحتوم الذي قهر به المرأة.

وكم كان الأمر أشد بؤسا حينما غسل دماغ هذه المسكينة لتستقبل هذا التمييز على أنه حكمة وهداية إلهية، وأن سعادتها وخلاصها يكمن في الإيمان بهذه العقيدة الفاسدة، والاستسلام لمقتضياتها الظالمة وقوانينها الجائرة.

ولم يكن الأمر في المسيحية ليختلف كثيرا عن العهد القديم، فقد بقيت المرأة تتحمل نفس النظرة الدونية وتعاني المذلة والهوان.

ولو رحنا نستقرئ مظاهر هذا الازدراء والإهانة وشواهد الظلم والجور في التاريخ الأوروبي الوسيط لطال بنا المقال، يقول الرسول بولس في رسالته إلى أهل أفسس: “أيها النساء اخضعن لرجالكن كما للرب؛ لأن الرجل هو رأس المرأة”[3]، أي أنه يستمد سلطته وسيادته من الرب، وهو الآمر الناهي للمرأة، ولو في غير المعروف.

أما في العصر الحديث، عصر الحداثة والتنوير، فقد اختلفت الدعوات إلى المساواة بين مقولات جذابة المظهر، خبيثة المخبر، ظالمة للمرأة، وهاضمة لحقوقها، وتراوحت في الغالب بين اتجاهات فكرية مختلفة في مصادرها المعرفية ومبادئها الفلسفية.

  • أولها: مرحلة التنظير والتأمل الفلسفي والاجتماعي في طبيعة الصلة بين الرجل والمرأة، وقد باشرها جماعة من فلاسفة عصر الأنوار أمثال جان جاك روسو، وفولتير، وغيرهما.
  • ثانيها: مرحلة التجييش السياسي والتحشيد للقوى النسوية إبان الثورة الفرنسية، وقد ظهر فيها نوع اهتمام بالمرأة وحقوقها، لكنه اكتفى في مراحله الأولى بالدعوات والوعود والنداءات، ولم تظهر له آثار فعلية ملموسة إلا بعد أجيال لاحقة.
  • ثالثها: مرحلة الاستغلال التجاري لجسد المرأة وتجريدها من أنوثتها بل من إنسانيتها من خلال الفن والسينما والإشهار والدعارة.
  • رابعها: مرحلة التوظيف السياسي الحقوقي الذي أصبحت فيه حقوق المرأة كما الإنسان سلاحا إعلاميا وسياسيا يوظف كما يوظف سلاح التطرف والإرهاب وتقرير المصير ضد كل من يحمل أفكارا ناقدة أو معارضة لفلسفة الحداثة وما يدعى بالتنوير سواء كان فردا أو هيئة أو دولة[4].

وفي تقديري أن الفكر الحداثي بغروره وكبريائه المدعى، وتفلته من كل ما هو أخلاق وتراث وهوية؛ أفضى بالبشرية إلى نموذج مجتمعي معاد للقيم الأخلاقية والدينية؛ يقوم على فكرة المساواة الظالمة المطلقة التي أقحمت فيها المرأة إقحاما متعسفا دون النظر إلى خصوصياتها النفسية واستعداداتها الفطرية وأدوارها الاجتماعية الخاصة بها المجبولة عليها.

هذا النموذج هو الذي أوصل البشرية إلى مآسي: المثلية الجنسية، والتحول الجنسي، والتحرش الجنسي، والشيخوخة السكانية، والتفكك الأسري؛ من طلاق، وتخلي عن الآباء والأبناء، وقطع الأرحام، وهلم جرا.

فكرة المساواة في الخطاب الإسلامي: أصولها، وسماتها، وقيمها

بعد هذه النظرة العجلى عن فكرة المساواة في الحضارات السابقة، نعرض الآن فصولا دالة مختارة من الرؤية الإسلامية لفكرة المساواة بين الجنسين.

ما من باحث منصف مطلع على أصول الشريعة الإسلامية، خبير بعلومها ومقاصدها إلا ويقف بأدنى عناء على حقيقة إنسانية راقية، وهي أن الفلسفة العامة التي تنظم العلاقة بين الجنسين في الإسلام تنطوي على جملة من القيم الأخلاقية الرفيعة والمثل الإنسانية النبيلة، قوامها:

  • التكامل لا التقابل.
  • المكارمة لا المشاحاة.
  • التراحم والتساكن لا التباغض والتشاحن.
  • الاجتماع والوحدة لا التباعد والفرقة.

وفي خطابنا الإسلامي الأصيل في القرآن والسنة تأسيس بديع لهذا النموذج الأخلاقي والتشريعي الراقي على نسق فطري طبيعي من غير تكلف في التبرير ولا تصنع في التعليل، وفي ذلك إشارة لطيفة إلى أن هذا هو الناموس الذي طبع الله عليه الخليقة، فهو كما يقول الفقهاء بمثابة الأصل الذي لا يسأل عنه، ولولا الملوثات الفكرية والاجتماعية التي تتعرض لها المجتمعات من طرف صناع الفتن ومُتبعي الأهواء والشهوات لما طرح هذا السؤال أصلا.

في كثير من الآيات يجمع الخطاب القرآني بين الجنسين: الرجل والمرأة في مفهوم واحد، هو مفهوم الزوجية، التي تعني هنا التماثل والتكامل، الذي لولاه لكان هذا الرجل أو تلك المرأة فردا وحيدا، والفرد الذي له في الخليقة زوج، لاشك أنه ناقص بدونه، كامل بوجوده، وفي هذا إشارة أخرى إلى قيم الوحدة والتكامل والأنس والمودة التي تميل بالرجل إلى المرأة، وبالمرأة إلى الرجل. قال تعالى: ﴿وَأَنَّهُۥ ‌خَلَقَ ‌ٱلزَّوۡجَيۡنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلۡأُنثَىٰ﴾ [النجم: 45] وقال: ﴿أَيَحۡسَبُ ٱلۡإِنسَٰنُ أَن يُتۡرَكَ ‌سُدًى  أَلَمۡ يَكُ نُطۡفَةٗ مِّن مَّنِيّٖ يُمۡنَىٰ  ثُمَّ كَانَ عَلَقَةٗ فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ  فَجَعَلَ مِنۡهُ ٱلزَّوۡجَيۡنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلۡأُنثَىٰٓ﴾ [القيامة: 36-39]

وفي آيات أخرى كثيرة ينسب القرآن الرجل والمرأة إلى النفس الواحدة، أي إلى نفس الجوهر الحامل لقوى الحياة والحس والإرادة في الإنسان. وليس بعد هذا الجمع والمزج من درجة أعلى وأدل على المساواة والوحدة بين الجنسين. قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ ‌وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالٗا كَثِيرٗا وَنِسَآءٗۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَٱلۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبٗا﴾. [النساء: 1].

وفي مواضع أخرى كثيرة يذكر القرآن الكريم المرأة والرجل بالأبوة الواحدة التي ينحدران منها، وفي هذا من معاني السماحة والأخوة ما يحمل كل واحد من الجنسين على بذل الإحسان والمعروف لأخيه الإنسان. قال تعالى: ﴿يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ قَدۡ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكُمۡ ‌لِبَاسٗا يُوَٰرِي سَوۡءَٰتِكُمۡ وَرِيشٗاۖ وَلِبَاسُ ٱلتَّقۡوَىٰ ذَٰلِكَ خَيۡرٞۚ ذَٰلِكَ مِنۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ لَعَلَّهُمۡ يَذَّكَّرُونَ﴾ [الأعراف: 26] وقال: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا ‌خَلَقۡنَٰكُم ‌مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٞ﴾ [الحجرات: 13]   وقال أيضا: ﴿وَلَقَدۡ ‌كَرَّمۡنَا بَنِيٓ ءَادَمَ وَحَمَلۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ وَرَزَقۡنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَفَضَّلۡنَٰهُمۡ عَلَىٰ كَثِيرٖ مِّمَّنۡ خَلَقۡنَا تَفۡضِيلٗا﴾ [الإسراء: 70]

وبناء على هذه الأصول يمكن أن نجلي رؤية الإسلام إلى مسألة الصلة بين الرجل والمرأة من خلال قيمتين أخلاقيتين ناظمتين:

القيمة الأولى: قيمة المساواة الكاملة فيما مرجعه إلى صفة الإنسانية وأصول التكاليف الشرعية.

القيمة الثانية: قيمة العدل والتوازن فيما يلحظ فيه وجود فوارق في التكوين الخلقي والنفسي وتمايز في الوظائف الاجتماعية.

وليست القضية قضية مغانم على طرف، ومغارم على طرف آخر كما يتصورها البعض، ولا قضية هيمنة وصراع، كما يريدها بعض آخر. وإنما هي قضية “كل ميسر لما خلق له” وقضية موازين تتكافأ فيها المواهب والاستعدادات مع الحقوق والواجبات بلا ضرر ولا إضرار.

وفي هذا الباب يثور النزاع ويتمايز الصفان: صف الأصالة والدين والمنطق العقلي، وصف الحداثة المزعومة والتنوير المغشوش.

وهكذا سنعرض في الفقرات الآتية للقيمة الأولى عرضا موجزا، وندقق البحث شيئا ما في القيمة الثانية بإيراد الشواهد الدالة عليها والنماذج المؤكدة لحقيقتها:

أولا: في قيمة المساواة الكاملة في الخطاب الشرعي الإسلامي

هذه المساواة لا ينظر فيها الخطاب الشرعي إلى جنس الرجل أو جنس المرأة، ولكن يجمعهما جمعا من غير تفريق ولا تمييز، وذلك في وجوه كثيرة من وجوه المساواة بينهما، ومن ذلك:

  • المساواة الكاملة في أصل الخلق والانتماء البيولوجي، لا فرق بين رجل وامرأة، نفس واحدة، وأب واحد، وأم واحدة، وخلق واحد.
  • مساواة في الحقوق الأساسية: مثل الحق في الحياة، والحق في الحرية، والحق في التفكير، والحق في التعبير، وفي غيرها.
  • المساواة في خطاب الوعد والوعيد: فهو يجري عليهما على نسق واحد؛ يسوي بين ما يخص المؤمنين والمؤمنات، وما يخص الكافرين والكافرات، وما يخص المنافقين والمنافقات، وهلم جرا. قال تعالى: ﴿لِّيُدۡخِلَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنۡهُمۡ سَيِّـَٔاتِهِمۡۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عِندَ ٱللَّهِ فَوۡزًا عَظِيمٗا وَيُعَذِّبَ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ ‌وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ وَٱلۡمُشۡرِكَٰتِ ٱلظَّآنِّينَ بِٱللَّهِ ظَنَّ ٱلسَّوۡءِۚ عَلَيۡهِمۡ دَآئِرَةُ ٱلسَّوۡءِۖ وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ وَلَعَنَهُمۡ وَأَعَدَّ لَهُمۡ جَهَنَّمَۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرٗا﴾ [الفتح: 5-6].
  • المساواة في خطاب الحدود والعقوبات، فعقوبة السارق هي عقوبة السارقة، قال تعالى: ﴿‌وَٱلسَّارِقُ ‌وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقۡطَعُوٓاْ أَيۡدِيَهُمَا جَزَآءَۢ بِمَا كَسَبَا نَكَٰلٗا مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٞ﴾[المائدة: 38]، وكذلك عقوبة الزاني والقاتل وغيرهما، قال سبحانه: ﴿‌ٱلزَّانِيَةُ ‌وَٱلزَّانِي فَٱجۡلِدُواْ كُلَّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا مِاْئَةَ جَلۡدَةٖۖ وَلَا تَأۡخُذۡكُم بِهِمَا رَأۡفَةٞ فِي دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۖ ﴾ [النور: 2].

وربما ميزت المرأة في بعض العقوبات كما في حال الردة عند بعض الفقهاء؛ لأنه لا يتصور منها من البغي بذلك ما يكون في الرجل.

  • المساواة في خطاب التكاليف الشرعية العامة، قال r: “إنما النساء شقائق الرجال”[5]. فليس في الشرع خطاب خاص للرجال وخطاب آخر للنساء، بل الكل واحد، وقد اشتهرت عند الفقهاء القاعدة الشرعية القائلة: “الأصل أن خطاب التكليف يشمل الذكور والإناث إلا ما خص بدليل”. وقد توسع الخطاب القرآني في إبراز هذه المساواة توسعا ظاهرا حتى شمل ذلك قضايا لطيفة دقيقة قد لا يلتفت إليها إلا صاحب بصر وبصيرة، ومن ذلك مسألة النشوز، فإنه كما توجه فيه الخطاب للرجل، توجه فيه كذلك إلى المرأة على قدم المساواة، لأنه متصور منهما، وإن كان في المرأة أظهر، قال تعالى: ﴿وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ ‌نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهۡجُرُوهُنَّ فِي ٱلۡمَضَاجِعِ وَٱضۡرِبُوهُنَّۖ فَإِنۡ أَطَعۡنَكُمۡ فَلَا تَبۡغُواْ عَلَيۡهِنَّ سَبِيلًاۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيّٗا كَبِيرٗا﴾ [النساء: 34]، وقال سبحانه: ﴿وَإِنِ ٱمۡرَأَةٌ خَافَتۡ مِنۢ بَعۡلِهَا ‌نُشُوزًا أَوۡ إِعۡرَاضٗا فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَآ أَن يُصۡلِحَا بَيۡنَهُمَا صُلۡحٗاۚ وَٱلصُّلۡحُ خَيۡرٞۗ ﴾ [النساء: 128].

ومن ذلك: المضارة بالولد، فإن أكثر من يتصور منه ذلك عند الطلاق: المرأة، وذلك لقوة تعلقها بابنها وشدة حبها له، فتخشى أن ينتقل منها إلى أبيه، إلا أنه خاطبهما خطابا واحدا إشارة إلى استوائهما في التكليف، ومبالغة في التحذير من سوء هذا الفعل، قال سبحانه: ﴿لَا ‌تُضَآرَّ وَٰلِدَةُۢ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوۡلُودٞ لَّهُۥ بِوَلَدِهِۦۚ﴾[البقرة: 233].

ومن ذلك أيضا مسألة التشاور في الفصال، وذلك في قوله تعالى: ﴿فَإِنۡ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٖ مِّنۡهُمَا وَتَشَاوُرٖ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَاۗ﴾ [البقرة: 233]، فهذا شأن يرجع إلى المرأة في العادة، إلا أن توجه الخطاب إليهما معا فيه بيان لاشتراكهما في هذا الحق وتحملهما معا مسؤولية ما قد يتمخض عنه.

إن هذه المساواة هي الأصل في العلاقة بين الجنسين، وهي التي تفسر لم الإسلام لم يعرف هذه الثنائية البغضية؟ ولم لم يعان من هذه العقدة البئيسة؟

فعبر التاريخ لم يطرح عندنا سؤال: من الأفضل، المرأة أم الرجل؟ لأنه مستغرب، وهو كما سأل بعض الظرفاء قائلا: هل فصل الصيف خير أم فصل الشتاء؟ وما يدري المسكين أنه لا يكون أحدهما إلا بالآخر، وأنه من دونه لا معنى له ولا نفع فيه.

وفي ثنايا هذه القيمة تظهر الصورة الواضحة للكمال الإنساني الفائق الرائق في الرجل كما في المرأة من غير تمييز ولا تفريق؛

  • كمال في تلقي رسالة الهداية والتكليف بها، وفهمها، وتمثل قيمها، بل الإسهام في الدعوة إليها والتضحية من أجلها.
  • كمال في تحمل المسؤوليات والمشاركة في بناء الأسرة وتكوين المجتمع.

ولست أدعي أن تاريخنا الفقهي كان تاريخا “ملائكيا” طهرانيا لا خلل فيه ولا ظلم ولا تعسف؛ فإنه لا شك أن عندنا أخطاء، وعندنا تقصير وتعسف، لكن كل ذلك كان منشؤه في التطبيقات الفقهية والعادات الاجتماعية، وليس في أصل التشريعات والديانات. وغير خاف أن كلامنا في هذا المقام منصب على مبدأ المساواة في الإسلام، وليس عند المسلمين، والعاقل من إذا رأى غيره يسيء استعمال الدواء لم يجز له أن ينفر من العلاج بالمرة، وإنما يجتهد في استعماله على وجهه الصحيح؛ لأنه دواء جالب للشفاء، وكذلك تعاليم الإسلام وأحكامه، مثل الدواء، لا يستغني عنه مريض.

ثانيا: قيمة العدل والإنصاف: وهي القيمة الثانية التي تنتظم الرؤية الإسلامية للعلاقة بين الرجل والمرأة.

وبها يراعي الإسلام الفوارق بين الجنسين، واختلافهما في الاستعدادات النفسية والعاطفية والوظائف الاجتماعية، وهي التي يريد أنصار التيار الحداثي التشغيب بها، والتنكر لموجباتها ومقتضياتها.

ومن أهم ما يثيرونه من قضايا هذا الباب جملة نقود واعتراضات، نختار منها قولهم:

  • لم دية المرأة على النصف من دية الرجل؟ مع أن المسألة فقه، وليست تشريعا، وفيها قول آخر، وإن كان على خلاف قول المذاهب؟
  • لم شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل؟ مع أن المسألة طويلة الذيل. وفيها فروع قد تفوق فيها شهادة المرأة شهادة الرجل في بعض الأحيان.
  • لم يعدد الرجل، ولا تعدد المرأة؟ وهذا لم يقل به عاقل واحد في تاريخ البشرية سواء من الكافرين أو المسلمين، حتى هذى به اليوم أنصار الحداثة.
  • لم ترث المرأة نصف ما يرث الرجل؟ وهذا سنرجع إليه بعد قليل.
  • لم تكون القوامة للرجل دون المرأة؟ ويتناسون أن هذا من العدل والإنصاف، وأنه تكليف وليس بتفضيل.
  • لم لا تتولى المرأة الولاية العظمى؟

وأغلبهم يتناول هذه القضايا باجتزاء، وتكبر، ويأبى أن ينظر إلى الصورة كاملة، ولا يضم الحقوق إلى الواجبات، ولا المغانم إلى المغارم، ويجعلون الميزان كفة واحدة لا كفتين.

وللأسف فهم لحاجة في النفوس يقفون عند هذا الحد، ولا يستوفون النظر في سائر جوانبه الأخرى، وقد كان مقتضى الموضوعية والإنصاف أن يضيفوا إلى هذه الأسئلة، أسئلة أخرى من جنسها تفسرها وتتممها، مثل قولنا:

  • لم تعفى المرأة من فريضة الجهاد ابتداء؟
  • لماذا لا تشارك في دية العاقلة؟
  • لماذا لا تقتل في الحرب؟
  • لماذا لا تقتل المرأة إذا ارتدت عن الإسلام عند بعض أهل العلم؟
  • لماذا تكون أول من يفدى من الأسرى؟
  • لماذا تعفى من صلاة الجماعة والجمع؟
  • لماذا تجب لها النفقة، ولا تجب عليها؟
  • لماذا تستحق المهر عند الزواج؟
  • ولماذا تستحق عند الطلاق أجرة الرضاع، وأجرة الحضانة، ومتعة الطلاق التي لا يأخذها الرجل في طلاق التمليك ولا في طلاق الشقاق؟
  • لم ولم ولم؟ هذا وغيره عندنا باب واحد، يرجع إلى علل بينة واضحة، وقدرات متفاوتة ومتكاملة في الخلق، ووظائف متمايزة في المجتمع، ولا نرى في ذلك أي ظلم أو تمييز؛ لأن مبناه على العدل والإنصاف، لا المساواة الظالمة التي إما أن تجور على المرأة أو تجور على الرجل.

ولنضرب لذلك مثلا، نعرضه على الدارسين لأجل البحث والمقارنة، نجيب من خلاله عن سؤال: هل تتضمن هذه الأحكام حقيقة قهرا للمرأة وتسلطا عليها، أم هي رحمة بها وعطف عليها؟

سؤال التفاوت في أنصبة المواريث بين الرجل والمرأة: تفسير وتعليل.

وسنكتفي بهذه القضية وحدها، لأنها أم الباب، وما بقي تابع لها في منهج الرد والإبطال، وإذا سقط الأصل تبعه الفرع.

لا يعرف دعاة التحرر والتنوير على النمط الغربي في هذا الباب إلا قوله تعالى: ﴿لِلذَّكَرِ مِثۡلُ ‌حَظِّ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۚ ﴾[النساء: 11]،  يمسكون بهذا الجزء من الآية مسكا متعسفا، منفصلا عن سباقه وسياقه ولحاقه، ولا يقرؤونه في إطار نظامه الاجتماعي المتكامل الذي تتقابل فيه الحقوق والواجبات، وتتكامل فيه الوظائف والأدوار وتراعى فيه الاستعدادات الطبيعية من تركيب نفسي وعاطفي، ومقدرة جسدية، وغير ذلك.

إن الحقيقة العلمية المستقرأة من حالات إرث المرأة في الإسلام أن مرجعها إلى قاعدتين جامعتين:

القاعدة الأولى: الأصل في إرث المرأة الفرض لا التعصيب.

إن إرث المرأة في الإسلام الأصل فيه والأكثر أنه يكون بالفرض لا التعصيب. والفرض هو النصيب المقدر شرعًا لوارث مخصوص، لا يزيد إلا بالرد، ولا ينقص إلا بالعَول[6]، وذلك كالنصف للبنت إذا كانت واحدة، والثمن للزوجة إذا كان له ولد، والربع للزوج إذا لم يكن لها ولد، وهكذا. أما التعصيب فهو ما يحصل عليه العصبة وهم قرابة الهالك من جهة أبيه بعد أصحاب الفروض. والعاصب قد يرث جميع المال إذا انفرد بالتركة، وقد لا يرث شيئا إذا لم يفضل عن أصحاب الفروض شيئا.

ومعلوم أن أصحاب الفروض مقدمون في قسمة التركة، يأخذون حظوظهم قبل غيرهم من العصبة. أي أن حق المرأة مكفول دائما بنصوص قاطعة، لا يدخلها تأويل، ولا يمكن التغيير فيها من أي كان على أي حال، ولو بوصية الهالك نفسه، وأخصهن من النساء لا يحجبون حجب حرمان، كالزوجة والبنت والأم، وهؤلاء هن قرة عين الهالك من الإناث. أما الأخريات كالأخت والجدة وبنت الابن فقد يحجبون في أحوال خاصة.

والفروض المقدرة في القرآن ستة، وهي: السدس، والثلث، والثلثان، والثمن، والربع، والنصف.

وإذا استقرينا ما تستحقه المرأة من هذه الفروض في حالاتها الإرثية، فسنجده يقدر بنسبة (%78). وتبقى نسبة (%12) للرجل.

أما السدس فترث فيه بنسبة (%62)، والثلث (%75)، والثلثان(%100)، والثمن(%100)، والربع(%50)، والنصف(%80).

ولا يخفى أن هذه حظوظ كبيرة، ما علمت أن شريعة من الشرائع أعطتها للمرأة، وهي مضمونة بقوة الشرع، ومكفولة بسلطة القضاء، وهي كذلك مستحقة لها بالنظر لمكانتها الأسرية والاجتماعية، وذلك باعتراف من شقيقها الرجل الذي يلزمه الشرع بتمكينها منها طيبة بذلك نفسه من غير امتعاض ولا اعتراض.

القاعدة الثانية: إرث المرأة بين المعايير الموضوعية والتكاليف الاجتماعية.

إن الحالات التطبيقية المقارنة لإرث المرأة مع الرجل لا تخرج عن أربعة أقسام[7]، وفي كل قسم حالات افتراضية كثيرة، وهي:

  • قسم أول: ترث فيه المرأة مثل الرجل.
  • قسم ثان: ترث فيه أكثر من الرجل.
  • قسم ثالث: ترث فيه المرأة، ولا يرث الرجل شيئا.
  • قسم رابع: ترث فيه المرأة نصف ما يرثه الرجل.

والأقسام الثلاث الأولى من هذه الأقسام تشكل بالحساب الاحتمالي والعد الرياضي لمجموع حالاتها الإرثية ما تقرب نسبته من  (%84)[8]. أما (%16) المتبقية فهي من القسم الرابع الذي ترث فيه المرأة نصف ما يرثه الرجل.

وبهذا يتبين بلا شك أن قسمة المواريث في الشريعة الإسلامية لا ترجع إلى ذكورة ولا إلى أنوثة من حيث هي كذلك، وإنما ترجع إلى معايير أخرى لم ينتبه إليها أولئك المنكرون المعترضون.

وقد حرر هذه المعايير وبينها الدكتور محمد عمارة في مقدمته لكتاب “ميراث المرأة وقضية المساواة” للدكتور صلاح سلطان، وأثبت أنها ترجع إلى معايير موضوعية: اجتماعية واقتصادية، وليست جنسية، وهي:

  • درجة القرابة بين الوارث والمورث، فكلما زادت الصلة زادت القرابة: فالولد دائما مقدم على الإخوة، والابن مقدم على ابن الابن، والأخ يقدم على العم، وهكذا.
  • موقع الجيل الوارث من جيل المورث، فالأجيال التي تستقبل الحياة وتنتظرها أعباء كثيرة يكون نصيبها أكثر، فالبنت ترث أكثر من أمها وأبيها، وابن الابن وبنت الابن يرثان أكثر من الأم والجدة عند الانفراد، والأب يرث والجد لا يرث لأنه محجوب بابنه، وهكذا.
  • العبء المالي الذي يتحمله الوارث، فبقدر ما أناط الشارع بالوارث مسؤوليات مالية كثيرة، يرتب على ذلك نصيبا أكبر من الإرث لتتكافأ المغانم والمغارم، ويكون الضمان على قدر الخراج[9].

ولنعرض الآن شواهد ونماذج واقعية من الحالات الأربع المتقدمة:

  • نماذج وأمثلة من حالات القسم الأول الذي ترث فيه المرأة مثل الرجل
  • ترك أما، وأبا، وبنتين، فالأم لها (6/1) والأب له (6/1) مثل الأم سواء بسواء. أما البنتان فلهما الثلثان.
  • تركت زوجا، وأختا شقيقة، فالزوج له النصف والأخت الشقيقة لها النصف كذلك.
  • ترك ابنا فردا، فتكون له التركة كلها، وكذلك إذا ترك بنتا وكانت منفردة، ترث التركة كلها، نصفها بالفرض ونصفها الآخر بالرد.

2- نماذج وأمثلة من حالات القسم الثاني الذي ترث فيه المرأة أكثر من الرجل.

  • ترك أما، وأبا، وبنتين، فالأم لها (6/1) والأب له (6/1) مثل الأم. أما البنتان فلهما الثلثان. وكل واحدة من البنتين لها (3/1) وهو أكثر من (6/1) الأب، وهو رجل وهما بنتان.
  • ترك أختين لأم، وأما، وزوجة، وأخوين شقيقين، فالأختان لهما (3/1) والأم لها (6/1) والزوجة لها (4/1) والأخوان العاصبان لهما الباقي، وهو يقدر بالربع. وبين واضح من هذه النسب أن كل واحدة من هؤلاء النساء يفوق حظها حظ كل واحد من الإخوة الأشقاء عندما نقابلها به.
  • نماذج من حالات القسم الثالث الذي ترث فيه المرأة ولا يرث فيه الرجل.
  • ترك جدا لأم، وجدة لأم، فالجد لأم لا يرث شيئا؛ لأنه من ذوي الأرحام، وترث الجدة (6/1) فرضا والباقي ردا.
  • ترك أختا شقيقة، وزوجا، وأخا لأب، فالأخت الشقيقة لها(2/1) والزوج له (2/1) والأخ لأب لم يبق له شيء، فلا يرث شيئا، ولو فرضنا الأخ لأب أختا لأب لورثت (6/1) مع الأخت الشقيقة تكملة للثلثين.
  • حالات القسم الرابع الذي ترث فيه المرأة نصف الرجل.

وهذا القسم هو الأقل، وتنحصر حالاته في أربع، ترث فيها المرأة نصف ما يرثه الرجل، وهي:

  • البنت مع الابن إذا انفردا بالتركة.
  • الزوجة ترث الثمن إذا كان لزوجها الهالك ولد، والربع إن لم يكن له ولد، والزوج يرث ضعفها في الحالين معا.
  • الأخت الشقيقة مع أخيها الشقيق، والأخت لأب مع أخيها لأب، للذكر منهما مثل حظ الأنثيين إذا كان إرثهم بالتعصيب.
  • الأب مع الأم عند عدم الولد ولا زوج ولا زوجة، فترث هي الثلث، ويرث هو الباقي بالتعصيب، وهو بالتقدير ضعف نصيب الأم.

وفي حالات هذا القسم يطلب أصحاب الاتجاه الحداثي التعليل، ولا يطلبونه فيما سبق من الحالات السابقة، ونحن وإن كان بإمكاننا أن نعترض على هذا الطلب ونرده، إلا أننا سنقبله منهم، ونتغاضى عن سوء النية، وغياب الموضوعية، ونجيب على ذلك بمثال عملي تطبيقي؟

لنستحضر مثال الابن والبنت ونحاول أن نستعرض نموذجا لأكبر وأهم موازنة مالية ستواجههما في الحياة، وهي المسؤوليات المالية للزواج وتكاليفه المستمرة، ونرى هل المرأة مظلومة في هذه القسمة أم هي مستفيدة منها؟

  • المهر يقدمه الابن. أما البنت فستأخذه وتنتفع به.
  • النفقة على العيال من إطعام وملبس وعلاج سيقدمها الابن. أما البنت فستأخذها.
  • الابن يتحمل مصاريف العرس ووليمته، وتأثيث البيت، والبنت تستمتع بكل ذلك.
  • الابن يتحمل نفقات الجهاد والدفاع عن الوطن بماله ونفسه، ولا شيء على البنت من ذلك.
  • الابن يتحمل دية الخطأ التي تكون على العاقلة، ولا شيء على البنت.
  • الابن سيتحمل كلفة الضيافة، وأضحية العيد، وزكاة الفطر التي يبدلها على بناته وزوجته، ولا شيء من ذلك يفرض على البنت.
  • الابن إذا طلق زوجته مكنها من متعة الطلاق، والبنت هي من ستأخذها، ولا عكس كما في حال الطلاق للشقاق.
  • الابن سيدفع نفقة العدة، وأجرة الرضاع والحضانة، وسكن المحضون، ونفقة الأبناء، ولا شيء على المرأة من ذلك.

فهذه التكاليف وغيرها كثير، تدل كل باحث منصف على أن الإسلام يقدم للبشرية مفهوما متميزا للمساواة، يؤلف بين الجنسين من غير محاباة ولا تمييز، تتكامل فيه الوظائف والأدوار، وتراعى المواهب والاستعدادات، وتتكافأ الحقوق مع الواجبات، بل ربما لو وقعت المشاحاة بين الرجل والمرأة وكشفت الحسابات لكانت المرأة هي صاحبة الكفة الراجحة، وهي لذلك مستحقة وبه حقيقة سواء من جهة الطبع أو من جهة الشرع، ولكان عطاء الرجل أكثر من أخذه، وهذا هو الذي يليق به؛ فإنه لا يكون جديرا بهذا الوصف إلا إذا كان ما يعطي أكثر مما يأخذ، وإلا انتفت عنه صفة الرجولة وفقد معاني النبل والشهامة، وفي هذا يقول الشيخ التاويل -رحمه الله- في تعليقه على الموازنة المتقدمة: “يتبين أن ما تأخذه المرأة من الميراث لا تحتاج إليه إلا في حالة نادرة عندما تكون يتيمة أو تصبح أرملة لا زوج لها ولا أبناء يتحملون نفقتها”.

1- انظر بحث الدكتور مصطفى بنحمزة: “المساواة المؤسسة للامساواة”، نسخة رقمية منشورة بموقع: “مجلة مغرب القانون”، رابط الموقع: www.maroclaw.com

2 – انظر: مبدأ المساواة في الإسلام، فؤاد عبد المنعم أحمد، المكتب العربي الحديث الإسكندرية: 2002م، ص 17 وما بعدها.

3- رسالة بولس إلى أهل أفسس، طبعة القاهرة: 1966، ص318.

4 – راجع ما كتبه الدكتور مصطفى بنحمزة في بحثه السابق.

5 – رواه أبو داود، كتاب الطهارة، باب الرجل يجد البلة في منامه حديث رقم 236.

6 – إعانة الطالب في بداية علم الفرائض، أحمد بن يوسف الأهدل، دار طوق النجاة، 2007، ص23.

7- ميراث المرأة المسلمة، وقضية المساواة، صلاح سلطان، دار نهضة مصر، القاهرة: 1999م، ص10-11.

8 – من درس حسني ألقاه الشيخ محمد سالم ولد عدود بحضرة جلالة الملك الحسن الثاني سنة 1988م.

9 – ميراث المرأة المسلمة، وقضية المساواة، صلاح سلطان، ص 4 وما بعدها.

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق