مقالات الرأي

انتخابات الثامن شتنبر 2021.. هل كنا أمام أربع انتخابات، أم أمام انتخابات جماعية مكررة أربعة مرات؟

ذ. جمال هبوز

إطار في التوجيه التربوي و فاعل جمعوي  وسياسي

الكل تابع باهتمام كبير انتخابات الثامن من شتنبر 2021 و تابع نتائجها الغريبة العجيبة و التي ما يزال المحللون يبحثون لها عن تفسيرات منطقية غير متسرعة بعيدة عن تحليل النكافات، تحليل الأحكام المسبقة، المريح نفسيا في إطار ميكانيزمات الدفاع اللاشعورية لسيجموند فرويد، كما تابع المواطنين كذلك باستغراب الكم الهائل الذي طال القوانين الانتخابية بدءا من التقطيع الانتخابي بتقليص عدد الجماعات التي كانت تعرف التصويت باللائحة و توسيع نمط الاقتراع الفردي( 40 مدينة) وحذف العتبة ولائحة الشباب وجعل التصويت على اللائحة البرلمانية للنساء جهويا بذل وطنيا واعتماد القاسم الانتخابي، والجمع بين أربعة انتخابات في انتخابات واحدة وذلك لأول مرة في تاريخ المغرب و السماح لأول مرة التصويت بنسخة من بطاقة التعريف الوطنية و السماح لأول مرة بنقل الناخبين الى مكاتب التصويت بتلميح مباشر لشراء الأصوات من طرف أحزاب الأعيان و المال الفاسد و غيرها من التعديلات المدروسة في مختبرات الغرف المظلمة.

لقد تنافس عمليا حول هذه الانتخابات حوالي 30 حزبا على 395 مقعدا برلمانيا بحوالي 6 آلاف و815 مرشحا، في حين تنافس على قوائم انتخابات مجالس البلديات والجهات حوالي 157 ألفا و569 مرشحا مقابل 130 ألف 925 في انتخابات 2015 أي بزيادة تقارب 27 الف مترشح و قد كانت هذه الملاحظة واضحة جدا للعيان حيث لاحظ الجميع كثرة المرشحين و كيف ان اغلب الأحزاب خصوصا الأحزاب المحسوبة على الإدارة حاولت تغطية كل الدوائر تقريبا و لو بمرشحين دون المستوى و يستحيل عليهم الظفر بالمقعد، و سيأتي الوقت لفهم المغزى من ذلك فيما بعد.

فإذا كانت الانتخابات البرلمانية ل 2016 عرفت لأول مرة بالمغرب تصدر نفس الحزب المترئس للحكومة، أي العدالة و التنمية، الانتخابات التشريعية مع إضافة ازيد من % 30 من الأصوات الجديدة في سابقة من نوعها، فان انتخابات 2021 عرفت كذلك ولأول مرة هبوط الحزب المترئس للحكومة برقم قياسي من 125 إلى 13 برلمانيا و فقدانه لأكثر من 90% من مقاعده البرلمانية مرة واحدة، نتيجة لم يكن يتوقعها لا اكبر المتشائمين و لا أكثر المتفائلين في المغرب، فالكل كان يتوقع ان تتراجع قوة حزب العدالة و التنمية جراء 10 سنوات من التدبير و هو امر عادي جدا في عالم السياسة، لكن ليس الى هذه الدرجة المخيفة.

فالكل كان كذلك على يقين أن هناك عمل خفي يحاك في الغرف المظلمة من اجل تحجيم قوة العدالة والتنمية و دفعه الى عدم تصدر المشهد السياسي للمرة الثالثة على التوالي في إطار التوازنات السياسية ، لكن ربما حتى من كان يهندس لما يجري لم يكن يضع في الحسبان سيناريو 13 مقعد، فهذا الهبوط المخيف، سيفسر تحت علامات استفهام و بان هناك تدخل و عبث بالعملية السياسية، عكس سيناريو الهبوط التدريجي ب 50 او 40 مقعد فكان سيكون سيناريو سلس وسيفسر بشكل عادي انه كان عقابا سياسيا من طرف المواطنين لحزب كان يترأس الحكومة خيب انتظاراتهم و كان سيكون سيناريو أفضل بكثير للدولة و مؤسساتها من السيناريو الحالي المخيف فعلا، و بالتالي

وبهذا السيناريو المخيف أعيد إحياء مقولة أن المخزن و الدولة هو المتحكم في المشهد السياسي و أن الانتخابات ماهي الا مسرحية هزلية لا طائل منها و ان أسطوانة التغيير من الداخل قد سقطت و بالتالي فلا حل للتغيير الا كما قلنا لكم سابقا : الشارع و لا شيء غير الشارع و هذا ما تحاول الدولة جاهدة من خلال إعلامها محاربته منذ عقود خلت.

يحاول الكثيرون تفسير نتيجة ما جرى على انها عقاب سياسي واعي ضد حزب العدالة و التنمية، لكن مخرجات التصويت لا تسعف كثيرا إثبات هذه الفرضية خصوصا و ان من تصدر المشهد السياسي هو حزب الأحرار المشارك في الحكومة المعروف بكونه حزب الدولة و حزب الباطرونا و رجال الأعمال و الذي كان حليفا حكوميا للبيجدي يسير وزارات وازنة في الحكومة و الذي ينتظر رئيسه السيد عزيز اخنوش تقرير ثان لمجلس المنافسة بعد أن تم تجميد التقرير الأول الذي تم فيه تغريم شركة اخنوش ب %8 من قيمة المعاملات بشبهة التلاعب بسوق المحروقات و الاغتناء على ظهر الفقراء، و الذي نظمت ضده و ضد شركاته مقاطعة شعبية كبيرة ما زالت أثارها بادية الى اليوم.

فلو كان تصويتا عقابيا واعيا كما يقال، فالأغلب أن هذه الأصوات كانت ستتجه الى أحزاب من المعارضة على الأقل أو أحزاب مناضلين لا أحزاب أعيان كحزب فدرالية اليسار او حزب الاشتراكي الموحد او او او، لكن أن تذهب الأصوات اتجاه حزب الأحرار فمعناه أن هناك تفسير اخر للأمر بعيد عن نظرية التصويت العقابي و خصوصا ان جل من كان ينتقد سياسة البيجدي على مواقع التواصل الاجتماعي اما مقاطعون للتصويت بالمرة و إما ممن كانت انتظاراتهم من حزب العدالة و التنمية اكبر بكثير من الحصيلة التي قدمها، و بالتالي فقد بالمرة قناعة الإصلاح من الداخل فقاطع العملية تحت حجة لا يوجد بديل افضل و ان لا دور لصوته في الاصلاح.

الأكيد أن حزب العدالة والتنمية قد فقد الكثير من قوته و بريقه في الخمس سنوات الاخيرة، فلأول مرة تقريبا بدأ يفقد حتى دعم أنصاره و كتلته الناخبة داخل المجتمع، و فقد حتى دعم جناحه الدعوي حركة التوحيد و الإصلاح القريبة منه سياسيا بسبب عدم رضاهم على طريقة تعامله مع القضايا الهوياتية و اللغوية خصوصا كقضية التناوب اللغوي و قضية تطبيع الدولة مع الكيان الصهيوني، سواء أ كانت قرارات حكومية يتحمل مسؤوليتها ام قرارات تفوق سلطته الحكومية بالكامل.

فرغم الإنجازات الحكومية التي توثقها الأرقام مقارنة مع الحكومات السابقة ومقارنة مع باقي دول الجوار ومقارنة مع الدول المشابهة لنا اقتصاديا، فقد كانت انتظارات المواطنين اكبر بكثير من المنجز، زاد الطين بلة الأداء السياسي للحكومة الذي كان ضعيفا جدا، حكومة بدون كاريزما سياسية، بوزراء بصيغة موظفين في الدولة، خصوصا مع القرارات المتوالية التي كانت تفرضها جائحة كورونا و التي لم تكن مقنعة للكثيرين.

لكن في المقابل هل كل ما سلف كاف لتفسير ما وقع من هبوط مخيف في أسهم حزب العدالة و التنمية في هذه الانتخابات؟، أم أن هناك متغير أساسي آخر مختلف عن آخر انتخابات أعطى هذه النتائج؟، فما الذي جرى فعلا؟

في الحقيقة فكل من كان بالميدان إبان الحملة الانتخابية وجاب فيافي المغرب و تواصل مع المواطنين بشكل مباشر حول الاستحقاقات الانتخابية و طريقة الانتخاب سيفهم كيف كان يجد المواطنون صعوبة كبيرة في استيعاب كيفية انتخاب رمز حزب او شخص في الانتخابات الجماعية و انتخاب رمز لحزب أخر في الانتخابات الجهوية او البرلمانية، لذلك كانت أسهل طريقة تفتقت إليها حملات الأحزاب السياسية هي إقناع المواطنين بوضع علامة على رمز الحزب أربعة مرات و الخروج من كل التعقيدات و التيه حتى لا يقع أي خطأ، خصوصا عندما يأتي الطلب من المرشح المحلي ابن الدوار و ابن الحي للانتخابات الجماعية، اما في حالة لم يكن أي مرشح للحزب بالدائرة الجماعية فكان إقناع المواطن بوضع علامة على رمز حزب أخر في الانتخابات الجهوية أو البرلمانية، شبيه بدروس الفيزياء النووية.

فإذا كان الاختيار في الانتخابات الجماعية يكون في الغالب تصويت على الأشخاص أكثر مما هو تصويت على الأحزاب بسبب القرابة و الصداقة و الحي و النسب و القبيلة ووو، فالتصويت في الغالب في الانتخابات البرلمانية كان في الغالب يكون سياسيا، أي تصويت للأحزاب أكثر مما هو تصويت للأشخاص حيث يكون التنافس بين وكلاء أحزاب لا تربطهم في الغالب اية علاقة قرابة او صداقة بينهم و بين المنتخبين فيكون الاختيار آنذاك إما سياسيا عن طريق اختيار الحزب و اما عن طريق الاختيار بين سمعة و كفاءة وكلاء اللوائح الحزبية فيكون الاختيار في الغالب لصاحب الكفاءة و السمعة الطيبة ، ما لم يتدخل سلطان المال السياسي و بيع الضمائر، و بالتالي و بطريقة غير مباشرة تصويت على الأحزاب.

ان المتتبع لهذه الانتخابات الأخيرة و خصوصا من كانوا يشرفون على عمليات فرز الأصوات، سيلاحظون بدون شك انه في انتخابات الثامن من شتنبر 2021، كنا امام انتخابات جماعية مكررة اربع مرات، حيث تقريبا تجد نفس عدد الأصوات الممنوحة للشخص في الانتخابات الجماعية مكرر في خانة الانتخابات الجهوية و البرلمانية بشقيها المحلي و الجهوي و ذلك راجع لصعوبة و استيعاب طريقة الانتخاب، و مخافة الخطأ و التصويت لغير المرشح المحلي المراد، لذلك و بطريقة اتوماتيكية كان يستفيد المرشح للبرلمان من أصوات المرشحين للانتخابات الجماعية أبناء الحي و أبناء الدوار و أبناء العمومة مهما كانت كفاءته و سمعته ما عدى في حالة المصوتين من الفئة المثقفة الواعية.

لذلك فقد جاءت نتائج الانتخابات التشريعية مطابقة تماما 100% لنتائج الانتخابات الجماعية و لنسبة تغطية الأحزاب للانتخابات الجماعية ذو الطابع المحلي، فكلما غطى الحزب دوائر أكثر حصل على أصوات اكثر في الانتخابات الجماعية و بالتالي البرلمانية كما يبين الجدول أسفله، و هو ما يفسر كيف نحج أشخاص في البرلمان غير معروفين بالبثة أمام سياسيين محنكين معروفين بكفاءتهم و شعبيتهم حتى على المستوى الوطني مثل الدكتور بوعيدة بكلميم و الذي كان يتوقع ان يكتسح الانتخابات التشريعية بفارق كبير جدا جدا أمام منافسيه لكن النتائج كانت مغايرة و صادمة لما كان منتظرا بسبب أن التصويت على البرلمان كان في الحقيقة تصويتا على المرشحين للانتخابات الجماعية و فقط.

و كما يبن الجدول أعلاه، فنتائج الانتخابات البرلمانية جاءت بالتمام و الكمال كما سلف الذكر متطابقة مع نسبة التغطية في الانتخابات الجماعية من الرتبة الأولى الى الرتبة الثانية عشر دون أن يتزحزح أي حزب، و ذلك بسبب ان حساب عدد أصوات الانتخابات البرلمانية ما هو في الأخير إلا تجميع أوتوماتيكي و بشكل تراكمي لعدد الأصوات في الدوائر المحلية للانتخابات الجماعية، فكلما غطى الحزب اكبر عدد من الدوائر حصل على عدد اكبر من الأصوات مقارنة مع منافسيه عملا بالمقولة الشعبية قطرة بقطرة تيحمل الواد، و هو ما يفسر كيف استبقت الأحزاب الإدارية الوقت و زكت المرشحين في كل الدوائر تقريبا و هو ما يفسر الضغوطات التي كانت تمارس في جميع أقاليم البلاد من اجل دفع اشخاص بالترشح بأسماء أحزاب بعينها دون الأخرى ووووو،

لذلك فمحاولة تفسير النتائج العجيبة من خلال التزوير ببعض المحاضر أو عدم تسلم بعض المحاضر ، هو تفسير مبسط و سطحي لما وقع، فممكن جدا أن تكون قد وقعت هناك تجاوزات في دوائر ما لكنها تبقى حوادث معزولة و تأثيرها في المحصلة لن يتجاوز حتى %1 من النتائج النهائية.

فالتزوير الجديد لإرادة المواطنين لم يعد يحدث بالطريقة التقليدية المتعارف عليها بل أصبح يتم بشكل ناعم يساير العصر كذلك، عبر تغيير القوانين و تغيير لطرق و نظام التصويت و عبر التشطيب من اللوائح الانتخابية و عبر تهديد المترشحين و توجيهم للترشح باسم أحزاب بعينها تحت يافطة أن الدولة تدعمها مقابل عدم الترشح بأسماء أحزاب أخرى لان الدولة تحاربها و عبر إقناع المرشحين بالفكر البراغماتي بكون المهم هو أن تترشح باسم حزب يساعدك على جلب مشاريع للبلدة و الجماعة فلا فرق بين الأحزاب المهم هو التزكية فقط، و كثير من الأساليب الماكرة التي تهدف في الأخير الى إفراغ العملية السياسية من جوهرها.

الأكيد أن نتائج الانتخابات البرلمانية القادمة، ستكون في الغالب مغايرة للانتخابات الحالية ما لم يتم الجمع بينهما بمكر مرة أخرى بين الانتخابات الجماعية و التشريعية و التي نظريا ستكون متفرقة بسبب اختلاف مدة كل منهما خمس سنوات و ست سنوات ، ما لم يتبين أن هذه النتائج و هذا المخطط يخدم أطرافا في الدولة فأكيد سيتم اللجوء الى تغيير مدة الانتخابات الجماعية من ستة سنوات الى خمس سنوات او العكس تحث مبررات كثيرة و سيتم التصويت عليها كما تم التصويت على القاسم الانتخابي و غيره من القوانين بحجة أنه لا يمكن الوقوف أمام الرموك الذي قد يدهس الجميع، فنصبح أمام انتخابات جماعية مكررة اربع مرات بدون نفس سياسي الغلبة فيها لأحزاب الإدارة و الاعيان.

لذلك و للأسف فكما كنا نقول دائما و نردد فالعزوف السياسي للطبقة المثقفة تحت أي نوع من الذرائع، صب و يصب و سيصب دائما في صالح أحزاب الاعيان و أحزاب شراء الذمم مستغلين في ذلك فقر و عوز المواطنين و عدم وعيهم بما يجري في الغرف المظلمة، و لا مجال للتصدي لألاعيب و مكر هؤلاء جميعا سوى الانخراط و التدافع بشكل واعي باللعبة و التي سيكون الحسم فيها بإذن الله لإرادة المواطنين حتما لا مفر منه.

 

ذ. جمال هبوز

إطار في التوجيه التربوي و فاعل جمعوي  وسياسي

المصادر:

_ تقارير وزارة الداخلية.

_ أرقام و إحصائيات من الموقع الرسمي للانتخابات www.elections.ma

 

 

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق