مقالات الرأي

إلياس الميموني: دنيا الوجع 2

إلياس الميموني

طـالـب بـاحـث

ضغط على يد صغيرة ينتصب إبهامها فوق أصابعها الأربعة الأخرى، المدفونة رؤوسها في بطن كف، مبديا إعجابه بصورتها ثم شيعها بنظرة وغادر حائطها عائدا إلى حائطه بنقرة.

زار قائمة أصدقائه المتصلين يستخبر وجودها بينهم، فألفاها على اتصال، فداهمه سؤال كيف السبيل إلى الوصال؟
ارتأئ ألا يبادرها بالكلام فتجمل بصبر الحصان المعد لمنحدرات الجبال، وانتظرها بذوق الأمير رفيع الخصال، فقد كان درويشي الهوى والغرام.
مرت الدقائق عليه مر الأعوام وهو ينتظر أن تكون البادئة في السلام، لكنها لم تحرك أصبعا من أصابعها، كأنما أصابها الشلل، فظلت نافذة محادثتهما بيضاء حتى كاد يفارق الأمل.
نفذ صبره وزاد شوقه إلى محادثتها، فوضع زر الفأرة على اسمها ونقر نقرة واحدة، فإذا بنافذة المحادثة تنفتح على بياض لفه مثل كفن، وهم أن يبادرها بالسلام لولا أن استشعر في ذلك بعض الوهن.
أجبره كبرياؤها، كما خيل إليه، على التفكير في مغادرة عالمه الأزرق مبكرا على غير عادته، كانت الساعة تشير إلى الثانية صباحا إلا هي، بحسب توقيت خيبته.
وما إن عزم على الرحيل حتى رن في أذنيه صوت وصول رسالة، أعقبه انفتاح نافذة محادثة، باسم دنيا، على كلمة السلام، فأسكرته الفرحة كأنها المدام.
عض على شفتيه وغمز بعينه في غمرة فرحه الأبدي، ورد عليها السلام بأحسن منه، كما أجزل لها الشكر على قبولها طلب الصداقة.
رحبت به بحفاوة وأوضحت له أن قبولها طلب الصداقة أقل واجب، وسألته بلباقة أن يوفر شكره لأمر يستحق الشكر حقا، ثم توجهت إليه بسؤال تقليدي.
-ما اسمك
– بدر، وأنت ما اسمك؟
-اسمك جميل يا بدر، وأنا اسمي دنيا
-اسمك أجمل يا دنيا، كم شمعة أطفأت في هذه الحياة، وكيف تقضين سحابة يومك؟
-أطفأت شمعتي العشرين منذ أربعة أيام، وأقضي بضع ساعات من يومي بجامعة الآداب في الرباط، حيث أتابع دراستي بالسنة الثانية من شعبة الدراسات العربية. ويمر علي معظم الوقت وأنا في مقر إقامتي بالحي الجامعي، منشغلة في الطبخ وغسل الأواني وتنظيف الملابس وترتيب غرفتي.
وأنت يا بدر كم سنة عشتها حتى الآن، وما هي اهتماماتك في دنياك؟
– سأل الله أن يكتب لها النجاح والتوفيق، ثم أجابها قائلا: “أطلقت صرختي الأولى في السادس عشر من ماي لعام تسع وثمانين تسعمائة وألف، وقد حصلت قبل سنة من الآن على الإجازة في شعبة الحقوق بكلية الحقوق بجامعة الدار البيضاء، ولا أزال أنتظر وظيفة شغل تدفئ الجيب البارد وتحقق لي أمنياتي مثل مارد”.
كان المغرب يغلي منذ شهور فوق نار احتجاجات ساخنة اشتعلت لتلتهم الفساد والمفسدين، ولن يخمدها إلا التوزيع العادل للثروات، والقيام بإصلاحات دستورية تحد من صلاحيات الملك.
شكرته على خالص دعائه وتمنت له الحصول على وظيفة شغل في القريب العاجل، قبل أن تسر إليه أنها استشعرت تمام الراحة عند محادثته، وأنه ملأ عليها فراغها القاتل.
زاده اعترافها فرحا على فرح، وسلم في قرارة نفسه بأنها بدأت تبتلع طعمه ابتلاعا، فلم يجد بدا من مبادلتها الشعور بالارتياح وإن كان ذلك تكلفا واصطناعا..يتبع

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق