مقالات الرأي

بوكرن يكتب.. ماذا يقع لحزب العدالة والتنمية؟

حزب العدالة والتنمية اليوم، يمر بمرحلة تاريخية بالغة التعقيد، لأنه وصل إلى ما ظل يخطط له قبل أربعين سنة، لكن هذا الذي وصل إليه يتعرض إلى اختبار حقيقي وهو في قلب السلطة.
هدف مشروع البجيدي، أن يتعاون مع الملكية ويقدم خدماته لها، ويدافع عنها بالغالي والنفيس، وتعزيز علاقة الثقة، مقابل أن الحركة الإسلامية ينبغي أن تجد لها موقعا في قلب النظام السياسي، كما توجد تيارات أخرى
********
لكي يحقق هذا المشروع هذا الهدف، اشتغل أربعين السنة لكي يصل إليه، لكن لا بد من الرجوع إلى إعادة استرجاع التاريخ، وهذا الاسترجاع هو استرجاع بحسب المتاح بين يدي، لكن ما همني هو الفكرة.
حينما كان الصّراع قويا بين نظام الحسن الثاني واليسار الرادكالي المعارض، لم يستثمر الملك الراحل القبضة القمعية والأمنية فقط، في استئصال المعارضة لحكمه إن كانت سلمية أو عنيفة، بل أحيا “التقاليد”، أي استثمر الإسلام التاريخي في تثبيت نظام الحكم، وشجع بروز الجمعيات الإسلامية كفصيل منقض للتيارات اليسارية التي أخفقت في إدراك طبيعة معركته، فعادت الخصوصية المغربية المتمثلة في الإسلام، فكان الحسن الثاني يواجه خصومها بمقاربة متعددة الأبعاد أمنية وثقافية.
في هذا السياق تأسست الشبيبة الإسلامية في سنة 1969، بقيادة عبد الكريم مطيع، وكان الشبية جمعية قانونية مرخصة لها تشتغل في المساجد والابواب مفتوحة لها، وكانت هذه الجمعية تعقد أنشطتها ولقاءاتها التربوية والفقهية داخل مساجد المملكة المغربية، تحمل هم الدعوة إلى الله وإحياء الصحوة الإسلامية، وإشاعة مظاهر التدين في المجتمع، لكن بعد مقتل عمر بنجلون في سنة 1975، وفرار عبد الكريم مطيع، اختبات الشبيبة الإسلامية تحت الأرض ودخلت مرحلة السرية، وانتشرت بعد ذلك، الفتن والخلافات التنظيمية الداخلية، بين قيادة الخارج وقيادة الداخل.
خرج من صلب الشبيبة الإسلامية الكثير من المجموعات، لكن المجموعة التي تقود حزب العدالة والتنمية حاليا، استطاعت أن تحشد أكبر عدد من الملتحقين بها، بعد انفصالهم تنظيميا عن مطيع في سنة 1981، ثم الانفصال التدريجي، عن أفكار الشبيبة الإسلامية “النظام الملكي طاغوت” “العمل في السرية” “المجتمع المغربي مجتمع جاهلي” “عدم الاعتراف بإمارة المؤمنين”.
*****
المسألة الإسلامية في السياق السياسي المغربي، استثمرها نظام الحسن الثاني لمواجهة اليساريين والإسلاميين معا كما يقول “حسن اوريد”، لكن النظام السياسي في صالحه وجود جمعيات ثقافية ودعوية إسلامية، بشرط عدم انخراطها في الشان الحزبي والسياسي مبكرا.
في سياق هذا التحول، القطيعة التنظيمية والفكرية مع الشبيبة الإسلامية، ينبغي طرح هذا السؤال كم كان سن من قاد هذا التحول؟
ولد عبد الإله بنكيران في سنة 1954، وعبد الله باها في سنة 1954، ومحمد يتيم في سنة 1956، ومحمد الأمين بوخبزة في سنة 1954، وسعد الدين العثماني في سنة 1956، هؤلاء القيادات الخمسة ومعهم عبد العزيز بومارت، قادوا التحول من الشبيبة إلى إطار جديد الذي كان في سنة 1981، وهم في بدايات العشرينات من عمرهم.
قائد هذا التحول عبد الإله بنكيران، سنه كان 25 سنة، وهكذا الشان بالنسبة للباقين، كما لو نتحدث اليوم عن الشباب الذي ولد في أوائل التسعينات من القرن الماضي، بعض لطفاء شباب العدالة والتنمية يقول:”جيل التسعينات عليه أن يصمت” أي من كان سنه في بداية العشرينات عليه أن يتريث، لكن في المقابل استطاع شباب أن يقوموا بتحول هائل في مسار الحركة الإسلامية المغربية.
ويمكن أن نلاحظ أن هذا الرباعي مثلا:”بنكيران، باها، يتيم، سعد الدين العثماني” هم أقران، أي فريق عمل، لا شيخ لهم، لأنهم قطعوا الصلة بالشيخ، وانطلقوا في تاسيس عمل جديد، وهذا السلوك من الناحية النفسية، صعب جدا، إلا لمن يمتلك قدرة على أن يكون قائدا حقيقيا، يستطيع قيادة الناس.
*****
النظام السياسي المغربي، لم يكن معاديا نهائيا للتيار الإسلامي، بشرط أن يكتفي بالنشاط الدعوي التربوي الجمعوي، لان ذلك، في صالحه، بشرط أن يبتعد هذا التيار عن الشأن السياسي والحزبي.
هؤلاء الشباب الذين خرجوا من رحم الشبيبة الإسلامية نقلوا جيلا بكامله، إلى استيعاب الدور المنوط بالحركة الإسلامية في المغرب، فالحركة الإسلامية، لا أهمية لها إن ركزت على الشأن الفردي دون ان تهتم بالشأن العام السياسي، وهذا يتطلب منها أن تعيد النظر في مجموعة من المواقف تجاه الدولة و المجتمع.
لمدة عقد من الزمان طيلة سنوات الثمانينات، والمراجعات تجري على قدم وساق، داخل صفوف أكبر مجموعة خرجت من الشبيبة الإسلامية، والتي قيادتها تقود حزب العدالة والتنمية الآن، من هذه المراجعات، الخروج من السرية إلى العلنية، ويتطلب ذلك، العمل في إطار القانون، وفق القانون المنظم للجمعيات، هذا التحول هو في عمقه اعتراف بالدولة التي كان يكفرها هؤلاء الشباب، فوجدوا أنفسهم في نقاش حامي الوطيس حول الموقف من النظام الملكي، وكان لابنكيران دورا مركزيا في هذه المراجعات، ثم بعد تحديد موقف إيجابيا من النظام الملكي جاء بعد حين الإقرار بإمارة المؤمنين.
النظام السياسي، كلما رأى تحولا ومراجعة لهذا التيار، يقابله بالمرونة مع الحذر، أي أن النظام السياسي متحكم في الوضع ويراقب.
*****
قيادة هذا التيار الذي تحول إلى جمعية اسمها حركة التجديد والإصلاح، في بداية التسعينات كانت اعمارهم بين 34 و35 سنة، في هذه اللحظة يستدعيهم الملك لحضور جامعة الصحوة الإسلامية، وكان لهذا الحضور دلالة سياسي، انفتاح النظام السياسي على الحركات الإسلامية.
إذا كان هؤلاء الشباب قاموا بتحول كبير في الانتقال من السرية إلى العلنية، ومن الصدام مع الدولة إلى الاعتراف بالدولة، في منتصف عقدهم الثالث، فإنهم في منتصف عقددهم الرابع، سيقومون بتحول كبير، أن الفكرة الإسلامية لا ينبغي حصرها في الشأن الفردي بل لابد أن تلج غلى الشأن العام الحزبي والسياسي، وتطلب ذلك تأسيس حزب سياسي.
النظام السياسي، لم يحارب الحركات الإسلامية في فترة إعلانها التربوي والدعوي، لكنه يرفض رفضا قاطعا أي دخول إلى العمل الحزبي والسياسي، ولا يسمح بتأسيس حزب لأي كان، ويخضع الجميع للمراقبة والتتبع والتحكم في المسار.
حينما علم قادة حركة التجديد والإصلاح ان تأسيس الحزب مستحيل، اختار “الانخراط الجماعي” في حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية للدكتور عبد الكريم الخطيب المقرب من القصر، وبدأ التفاوض في الانخراط بداية من سنة 1992 وتكلل كل ذلك بالمؤتمر الاستثنائي في يونيو 1996، اختيار سعد الدين العثماني مديرا للحزب.
ثم جاء بعد ذلك في نفس السنة حدث كبير تمثل في الوحدة بين الإصلاح والتجديد ورابطة المستقبل الإسلامي، استطاع قيادة التجديد والإصلاح في سن الأربعين “حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة”، أن تحقق إنجازين كبيرين، تاسيس حزب سياسي ووحدة حركية دعوية.
******
إذا كان هؤلاء الشباب قادوا التحول من السرية إلى العلنية والاعتراف بالدولة في عقد الثمانينات، فإنه قادوا تحولا من الحركة الإسلامية الدعوية إلى حركة إسلامية لها صوت في المشهد الحزبي والسياسي، ولكن كل ذلك، تحت مراقبة النظام السياسي، وهذه التحولات جاء في سياق العشرين سنة الاخيرة من حياة الحسن الثاني، لما يتطلب ذلك من تأمين انتقال الحكم واستقرار النظام السياسي.
في زمن الملك الجديد محمد السادس بداية من سنة 1999، سيلج حزب العدالة والتنمية المشهد الحزبي والسياسي بتدرج متحكم فيه من طرف النظام السياسي المغربي، وقادة البيجيدي يدروكون ذلك، لكنهم يقاومون بمقدار حسب إمكانياتهم.
إذا كان الحسن الثاني لم يستأصل هذا التيار الإصلاحي، وظل يراقبه ويتابع وينفتح عليه، فإن في زمن الملك محمد السادس وقعت انتكاسة كبيرة، مع أحداث 16 ماي 2003، تمت مواجهة البجيدي مواجهة قاسية، وطرح علانية حل حزب العدالة والتنمية في الأجهزة الامينة وفي المشهد السياسي عبر عن ذلك القيادي الاتحادي محمد اليازغي.
أصبح البجيدي مهددا في وجوده كحزب السياسي، اختار الهدوء وعدم التصعيد، بعد حضورا سياسي كبيرا في المشهد الوطني خاصة سنة 2000، في مسيرة الدار البيضاء حول الخطة الوطنية لإدماج المراة في التنمية.
طيلة عقد من الزمان، من 2003 إلى2011 تقريبا، كان البيجيدي يواجه تيارا استئصاليا داخل الدولة لم يكن في زمن الحسن الثاني، لكن جاء مع زمن محمد السادس، هذا التيار الاستئصالي تعامل مع “الإسلام السياسي” تعاملا أمنيا قمعيا.
لكن مع ذلك، ظل الحضور الانتخابي البيجيدي يتطور، لكنه يفرمل من طرف الدولة، من 09 في سنة 1997 إلى 42 سنة 2002 إلى 46 سنة 2007، غير أن البجيدي يظل خارج الأغلبية الحكومية ويختار المعارضة.
******
إذا كان تاريخ حزب العدالة والتنمية هو تاريخ المراجعات لإثبات حسن النية مع الدولة، من السرية إلى العلنية، ومن الصدام مع الدولة إلى الاعتراف بالدولة، ومن عدم اعتراف الحركات الإسلامية بشرعية الانتخابات، إلى تأسيس حزب والمشاركة في الانتخابات، فإن هذا المسار قوبل في بداية عهد محمد السادس مواجهة أمنية عنيفة، عكس ما كان عليه العهد في زمن الحسن الثاني.
في بداية العقد الثاني من القرن واحد العشرين، وقع تطور مفاجئ في العالم العربي، رياح الربيع الديمقراطي، كان من نتائج ذلك، الضغط على النظام السياسي، بإجراء انتخابات ديمقراطية، جاء على إثره حزب العدالة والتنمية في المرتبة الأولى، ليحرم حزب الأصالة والمعاصرة، الذي كانت المرتبة الأولى محجوزة له، لو القدر الديمقراطي.
إن هذا الانفتاح ليس انفتاحا بسبب تطورات داخلية في قلب النظام السياسي، بل هو انفتاح بسبب ضغط خارجي، وإذا ما زال الضغط الخارجي، ستعود حليمة إلى عادتها القديمة.
دفع العدالة والتنمية إلى المعارضة بتدرج، دون إسراع، ثم تهميشه، لأن زمن الملك محمد السادس في تعامله مع الإسلاميين الإصلاحيين وليس هو زمن الحسن الثاني، الملاحظ أن في زمن محمد السادس القبضة الامينة حاضرة بقوة في التعامل مع الإسلاميين، مع إظهار نوع من المرونة، لكن الحسن الثاني كان منفتحا دون أن يلجأ إلى العصا
*****
القيادة الحالية في حزب العدالة والتنمية سنها فوق الستين، قامت بمراجعات على كل المستويات، في زمن الحسن الثاني كانت هذه المراجعات تحضى بالانفتاح، لكن في زمن محمد السادس ووجهت بالقبضة الامنية والسماح للبيجدي بالمشاركة والإدماج تحت التحكم والمراقبة
لكن ما عرفه الحزب في 2011، ليس بسبب التحول من داخل النظام السياسي بل هو استجابة لتحولات خارجية، إذن فهذا “ٌقوس وسيغلق” ليعود زمن التحكم بقوة ولما لا الاعتقالات والضربات الأمنية، مع فتح الهامش للمشاركة الانتخابية والسياسية.
لأن العدالة والتنمية، إن لم يصبح أداة للمخزن، أي حينما يقول له أخرج للمعارضة يخرج، أدخل للأغلبية يدخل، فهو يشكل عقبة أمامه، أي أن استقلالية البجيدي مشكلة.
وهنا يتضح أن النظام السياسي ليست له مشكلة مع المرجعية أو أن تكون صالحا مستقيما، بل مشكلته أن تكون مستقلا وتدافع على القرار الحزبي.
****
الإسلاميون الإصلاحيون لمدة اربعين سنة وهو يراجعون أنفسهم ويقدمون نقدا ذاتيا لتجربتهم منذ 1981 ، ويحاولون ان يكونوا مؤمنين بالثوابت الوطنية ويدافعون عنها، لكن الدولة تشك في ذلك، ولا يزال الشك، عليك أن تثبت أنك بدون إرادة مستقلة، بدون قرار مستقل.
المعركة الحالية هي معركة استراتجية، لا علاقة لها بالمرجعيات بل لها علاقة بهوية الحزب السياسي وبأساس وجوده أن يكون مستقلا.
إذا انهزم الحزب في معركة “الاستقلالية” يمكن أن نعلن نهاية دورة كاملة مدتها ما يقارب الخمسين سنة، لما يسمى “الإسلاميون الإصلاحيون”
وهكذا هي دورة الأحزاب في المغرب، إذا تحولت إلى أدوات انتهت! كن يمينيا يساريا إسلاميا ليبراليا، إن تشبث باستقلالية قرارك الحزبي تصبح مزعجا!
******
في الأخير: بعد هذه التجربة طويلة، كانه بدأ يتضح، فكرة التعاون مع الملكية وإدخال تيار من الإسلاميين إلى قلب النظام السياسي، كانها بدأت تتهاوى، لان الملكية لكي تكون خادم لها، عليك أن تفقد استقلاليتك المطلقة، وان تزيل من قاموسك الحديث عن الديمقراطية .
ظن الإسلاميون الإصلاحيون أن قبولهم في النظام السياسي يقتضي مراجعات فكرية وتدرج وهدوء وعدم تصعيد، الآن الذي يتضح لكي تكون مرحبا بك وتستمر، افقد استقلاليتك النهائية.
فهل سيفعلونها ليستمروا كما استمر غيرهم، لكنهم بشكل مشوه؟
هذا ما يجري الآن
المسألة لا علاقة لها بالبلوكاج الحكومي ولا بدستور 1 يوليوز ولا بعشرين فبراير 2011، ولا بالمقاعد التي حصل عليه البيجدي 125، المسألة هي:
أيها الإسلاميون الإصلاحيون الذين تريدون خدمة الملكية أثبتوا ذلك، بفقدان استقلاليتك، إن قالت لكم الملكية اخرجوا وإن قالت لكم الملكية في الأغلبية فابقوا، إن لم تفعلوا ذلك، فقد انهار ما خططتم له أكثر من اربعين سنة

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق