مقالات الرأي

عبد الصمد الصالح..الدرس التركي: الحصة 157

النموذج التركي بلا شك نموذج فريد في منطقةتحتاج الكثير من الدروس الديمقراطية والتنموية، وهي لا تكف عن ذلك لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
الدرس هذه المرة، والذي يحمل الرقم 157، وهو مجرد تركيب بسيط لتاريخ الانقلاب الفاشل، 7-15 يتشكل من عدد من القواعد الأساسية التي تحتاجها نخبنا السياسية والاقتصادية والمجتمعية إن هي أرادت القيام بأدوراهاالمفترض فيها أن تقوم بها في بلد ديمقراطي، وسأجمل هنا بعض النقاط التي لاحظتها من خلال متابعتي للحدث، ولا أزعم أنها صائبة بالمطلق، وأجزم أن هناك دروسا كثيرة غيرها:
– القاعدة الأولى في “درس الانقلاب”، هي أن حجر الزاوية في الديمقراطية هي معارضة وطنية واعية بدورها ومتحفزة للتحلي بروح عالية من الانتماء للعلم الوطني في أحلك الظروف. وشخصيا لم تفاجئني مواقف الشعب التركي أو منتخبيه أو حكومته ورئيسه ولا جهاز مخابراته، بقدر ما فاجأني موقفا أكبر حزبين معارضين في البلاد، واللذان انحازا فورا وبلا تردد إلى الشرعية، في اللحظة التي كان فيها الانقلاب “ينجح” ويكاد يسقط غريمها اللدود الذي يحشرها في الزاوية منذ 14 عاما.
– القاعدة الثانية هي أن وعي الشعب بأن الوطن وطنه والعلم علمه والجيش جيشه ومكلف فقط بمهمة واحدة هي الدفاع عن حدوده وأرضه وسمائه وبحاره، ولا حق له إطلاقا في التدخل في الشأن السياسي أو المجتمعي بأي صورة كانت. ولعل أكثر الصور تعبيرا عن ذلك هي تلك التي يظهر فيها مواطن ينتزع بندقية من يد جندي صارخا في وجهه، ولسان حاله يقول، هذا السلاح قوت عيالي وتلك اللباس التي ترتديها عرق جبيني وراتبك رفاهيتي التي أتخلى عن جزء منها لكي أدفع لك لتقوم بحماية الوطن، أما وقد اخترت الخيانة فأعطني ذاك السلاح لأقوم أنا بالمهمة، واذهب أنت إلى الجحيم.
– القاعدة الثالثة تقول أن ما مكن الأتراك من حماية ديمقراطيتهم بهذا الشكل، بعد أقل من 20 عاما من آخر انقلاب أطاح برئيس وزراء منتخب، هو اختيارهم الديمقراطي الحر، وتقويتهم للمؤسسات المنتخبة بالشكل الكافي لتمكينها من تقليم أظافر العسكر، وإعادتهم إلى أماكنهم الطبيعية في الثكنات، ولم يكن ذلك ليتم إلا عبر التصويت المكثف في كل محطة انتخابية، بدءا من تلك المحطة التي تلت الانقلاب العسكري على نجم الدين أربكان وحكومته، والتي كان اليائسون والتيئيسيون يقولون حينها أنها انتخابات عبثية وستأتي بحكومة ذات صلاحيات صورية وأن الحاكم الحقيقي هو الجيش، وكل من يخرج عن سلطته سيتم دحره والانقلاب عليه. صورة نحتاج لأن نتوقف عندها بعناية، لأنها تعنينا أكثر من غيرنا.
– القاعدة الرابعة لاحظتها في الهتاف الذي ملأ أرجاء تركيا في تلك الليلة السوداء، “باسم الله يا الله الله أكبر”، شعار ظننته في البداية تعبيرا عن حساسية إسلامية لدي فئة من المجتمع التركي، قبل أن يتضح لي لاحقا أنه شعار قومي لدى الأتراك، يرفعه إسلاميوهم وعلمانيوهم، باعتباره شعارا جامعا يعبر عن الهوية التركية، وقد سمعته ممن يحملون أحزاب المعارضة العلمانية، على قلة من حملوا الأعلام الحزبية يومها. إن هاته القاعدة تؤكد أن اعتزاز أمة بهويتها يمثل دعامة لنهضتها وتقدمها.
– القاعدة الخامسة تقترب في المعنى من سابقتها، وتتجلى ارتباط الأتراك بعلمهم الوطني، الذي حضر بقوة منذ أولى لحظات مواجهة الانقلاب، وأصبح يغطي كل الشوارع والساحات والبشر والسيارات، ملهبا حماس المواطنين في تلك اللحظة التاريخية، ودعونا نعترف أن ارتباطنا بالعلم الوطني على العموم لا يرقى إلى ذلك المستوى، لأننا تربيتنا الوطنية الباردة التي نتلقاها في المدارس وعبر وسائل الإعلام لا تحفز على ذلك كثيرا، وهنا أقف عند نقطة طالما حيرتني، وتتعلق بمنع حمل الأعلام الوطنية في التجمعات الانتخابية، عكس ما أشاهده في كل انتخابات العالم، لما له من أثر في تحفيز الشعب على الخروج لتقرير مصير هذا الوطن عبر صناديق الاقتراع، بل إن القانون يجرم مجرد استعمال لوني العلم الأحمر والأخضر في الدعاية الانتخابية ويعاقب على ذلك بإسقاط اللوائح الانتخابية.
إن حضور العلم الوطني في حياتنا العامة سيساهم في تقديري في تعزيز استيعاب دور المجتمع في نهضة بلاده وتنميتها بما ينعكس على الفرد أيضا.

لا شك أن هناك استنتاجات أخرى تتعلق بهاته المحطة المهمة في التاريخ المعاصر للمنطقة، والتي يحصل الشرف لجيلي في معايشتها.
ماذا عنكم؟ ما هي ملاحظاتكم؟

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق