سلايدر الرئيسيةمقالات الرأي

أيهما نختار: حمامة أم جرّار؟!

عبد الإله حمدوشي

في مغربنا السعيد، ومنذ الاستقلال إلى اليوم، اعتدنا أن نشهد عمليات تفريخ أحزاب موالية للسلطة، أو ما يطلق عليها “أحزاب الإدارة” التي نشأت في “مطابخ” ودوائر صناعة القرار.

ونحن اليوم على بعد حوالي السنة من الاستحقاقات الانتخابية المرتقبة عام 2021، نتساءل عن أي حزب من أحزاب “الإدارة” يمكن للأحزاب الوطنية أن تتحالف معه، على ضوء قاعدة اختيار “أخف الضررين”؟!

بالتأكيد، أن حزب العدالة والتنمية، وعلى الرغم من الضربات التي تلقاها بعد حدث “البلوكاج”، لازال يشكل رقما صعبا في المعادلة السياسية بالمغرب، بقاعدة انتخابية كبيرة، وتنظيم قوي، إلا أنه وبالرغم من هذا كله، ملزم اليوم في ظل نظام انتخابي يكرس للتحالفات الهجينة و”بلقنة” السياسة، أن يختار -إذا ما سلمنا بالمؤشرات التي تقول بتصدره الاستحقاقات المقبلة- بين أخف الضررين من أحزاب “الإدارة” المؤثرة: حزب “البام” وحزب “الأحرار”.

فأيهما يختار: الحمامة أم الجرار؟!

أولا، تجدر الإشارة إلى أن بين هذين الأخيرين، فوارق كبيرة، وجب على الأحزاب الوطنية والديمقراطية أن تدركها جيدا قبل أن تفاضل بينهما.

“الحمامة” مثلا، تبدو في ظاهرها وديعة وداعة الطير في أعشاشها، تخفي وراءها قصة حب قديمة بينها وبين السلطة، قائمة على تجميع الأعيان من البوادي والمدن وراء صهر الملك الراحل، لخلق التوازن الضروري مع الأحزاب الوطنية وقتها (الاستقلال والاتحاد الاشتراكي)، لكن بخطاب “متوازن” نسبيا ومختلف عن أحزاب الوفاق آنذاك.. ولذلك لعب حزب “الأحرار” دور المكمل لأغلبية عبد الرحمن اليوسفي خلال مرحلة التناوب.. ويشهد التاريخ لأحمد عصمان أنه وقف في يوم من الأيام ضد قرار حل حزب الاتحاد الاشتراكي.

اليوم، وبعد هبوب رياح شرقية وأخرى غربية، حطت “الحمامة” على كتفي إمبراطورية كبيرة للمال والأعمال في أكبر عملية زواج تمت بين المال والسلطة!

خطورة “الحمامة” الزرقاء التي تأكل من يد “الملياردير” تكمن في شهيتها الكبيرة لالتهام كل ما تجده أمامها من فرص استثمارية، مستغلة قربها من السلطة لاحتكار الاستثمار في القطاعات الاقتصادية الكبرى والاستراتيجية، وهو ما يوفر لها المال السهل كسبه، ناهيك عن تعاطيها مع السياسة بعقلية التاجر، الذي يعتبر أن كل شيء قابل للشراء.. بدءا بأصوات الناخبين، ومرورا بكبريات الماركات التجارية، وبمعظم الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية التي أصبحت فجأة تسبح بحمد “ولد الناس” ولا تنبس بنصف كلمة لانتقاده.. وسبق أن قالها أحدهم ذات يوم: “لا تلعبوا مع الملياردير.. فهو لا يغفر لمن ينتقده.. وهو قادر على شراء كل شيء بالمال”…

لكن، هل يملك هذا الحزب عقيدة سياسية يتكأ عليها؟ هل له أُطر وكفاءات حقيقية؟ هل من أفكار حقيقية لبناء حزب ليبرالي وطني هناك؟

لا هذا ولا ذاك.. لكن المعطى الوحيد المعلوم، وهو أن كل شيء عند مالكي “الحمامة” قابل للشراء والمناولة، وبالتالي، هل يمكن أن نصدق بأن حزب “الأحرار” هو من يشارك في الحكومة؟ أم أن شركة “أفريقيا” و”سهام للتأمين” و”البنك الشعبي” هم الذين ينوبون عن الحزب في تنزيل رؤيته داخل الحكومة؟

“الحمامة”، بهديل لا يستهوي المستمعين، لازالت تمني النفس بتصدر الانتخابات القادمة، لكنها لا تعي أن لها نقطة ضعف كبيرة، هي أنها لا تستطيع أن تنتقل -هكذا فجأة- من 37 مقعد برلماني إلى أكثر من 100، وإلا فإن الشك وعدم الثقة في العملية الانتخابية سيزداد، وستضع الإدارة نفسها في موضع حرج..!

لنمر الآن إلى “الجرار”..

قصة الجرار قصة غريبة غرابة عقلية صانعيه.. بدءا بنشأته التي ارتبطت بفكرة محاولة تجميع المخالفين لحزب العدالة والتنمية حول مشروع موحد لمواجهة الحزب “الإسلامي”، بالإضافة إلى جزء من اليسار، ومجموعة من الأعيان وأصحاب المال والمصالح، وفي ظل قيادة ظِل تشكل نواة خطيرة قريبة من السلطة وقادرة على توظيف الإدارة ومؤسسات الدولة لخدمة مشروعها بدون حدود…

خطورة “البام” تكمن في قدرته على تجميع الأعيان وأصحاب المال بدعم من الإدارة، مرفوقا بـ”بنزين” الأيديولوجيا وخطابات اليسار الراديكالي المعادي للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، والذي استطاع تحريك عجلات الجرار بسرعة قياسية، التهم خلالها أحزابا بكاملها، وتوظيف مؤسسات الدولة لخوض معاركه بشكل خطير، (مثلا: تنظيم مسيرة ولد زروال الشهيرة المحسوبة على البام والتي لازالت تنتظر التحقيق في أسرارها) وتفكيك تحالفات الأحزاب على مستوى المؤسسات المنتخبة، والقيام بعملية التهجير القسري لعدد كبير من الأعيان من أحزابها الأصلية في ظرف قياسي بوسائل متطورة تمزج بين لغة العصا والجزرة. وهو الأمر الذي مكن هذا الكيان الحديث الصنع من تحقيق نتائج كبيرة في مدة وجيزة، إذ تمكن من خطف رئاسة عدد كبير من جهات المملكة من خلال التحكم في التحالفات بمختلف الوسائل، كما كان قاب قوسين من خطف رئاسة الحكومة سنة 2016، لولا لطف الله ورحمته بالشعب المغربي، الذي واجه بشجاعة سيخلدها التاريخ “ماكينات” المال وضغط السلطة ونفوذ الأعيان.

اليوم، بعدما فشل “الجرار” في تحقيق الهدف الذي صنع لأجله، أصبح في حالة ميكانيكية سيئة، بسبب الخلاف الذي نشب بين سائقيه الذين خرجوا يفضحون بعضهم البعض على مرآى ومسمع من العالم. وعلى الرغم مما سمي بـ”المصالحة” بين أطراف الخلاف داخل هذا الحزب، إلا أنه لازال في حاجة ماسة لتجاوز “لعنة” الولادة الأولى، من خلال عملية “تبييض” سياسي أو “تعميد كنسي” يخضع لها، لذلك فهو يراهن بطرق ذكية لتحقيق المراد، مراهنا على سذاجة (نية) حزب العدالة والتنمية، ليقوم بمد رجليه على المغاربة من جديد.

فهل سيقوم “البيجيدي” -الذي عانى الأمرين بسبب مولود السلطة هذا- بهذه الخطيئة التاريخية؟!

كل شيء ممكن ومحتمل!

أما أنا فسأقول كما قال أحدهم: “حينما تخيرني بين السيء والأسوأ.. فإني لا أختار”.. لكنني بالمقابل سأدعو النخب السياسية إلى ضرورة المطالبة بنظام انتخابي جديد يقطع مع “بلقنة” الحقل السياسي ومع التحالفات الهجينة التي أفقدت السياسة معناها النبيل.


اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق