ثقافة وفنطنجة أصيلة

ندوة تبرز الإهتمام الكبير لفنانين عالميين بمدينة طنجة

ناقش ثلة من الأساتذة الجامعيين و الكتاب والمؤرخين والنقاد الأدبيين، العلاقات بين الفنان التشكيلي أوجين دولاكروا والمؤلفين، وذلك خلال الجلسة الرابعة للندوة الدولية “اللوحة المغربية لأوجين دولاكروا من 1832 إلى 1863” والمنعقدة بالرباط برئاسة المحافظة العامة بمتحف اللوفر، السيدة دومينيك دوفنت ريو.

وفي كلمة حول موضوع “الفنان التشكيلي بنجامين كونستون والمغرب، على خطى دولاكروا أو بحثا عن الذات؟” أبرز مدير متحف أوغستين بتولوز أكسيل هيميري، أن جون جوزيف كونستون، المعروف ببنجامين كونستون (1845-1902) حل بالمغرب في ثلاث مناسبات، حيث شكل له مصدر إلهام رئيسي خلال السنوات العشر التي كان خلالها تشكيليا مستشرقا.

وقال السيد هيميري إنه على الرغم من الإعجاب الكبير لبنجامين كونستون الكبير بديلاكروا، فإن أسلوبه ذو طبيعة مختلفة. في الواقع فهو ، “يضع رسوما تقريبية قبل رسم لوحاته، لكنه يرسم أحيانا على الفور”. ومع ذلك ، هناك صلات واضحة بين أوجين ديلاكروا وبنجامين كونستون، وبخلاف أساليب الرسم، فإن جودة الكتابة الموجودة في مذكرات سفرهم هي التي تتبث ذلك.

وبخصوص مدينة طنجة، يقول بنيامين كونستون ” طنجة ليست مدينة، إنها متحف” . ويرى مدير متحف تولوز، أن دولاكروا كان بإمكانه كتابة نفس الشيء، وهو ما يعكس إعجابهما معا بالمدينة.

كما أشار هيميري إلى اهتمام بنجامين كونستون بنمط الحياة بطنجة، وبأكشاك الحرفيين والأزقة، مبرزا ذكريات السفر إلى المغرب، والإقامات الطويلة في المدينة وكذا الرحلة إلى مراكش، والعالقة في أذهانه حيث تشهد على إحساس جميل وقدرات هامة على الكتابة.

ومن أجل تأكيد آرائه، قدم السيد هيميري بعض لوحات بنجامين كونستون، المستوحاة من المغرب وطنجة والشرق، مثل: المشرق المتخيل ، طائر النحام الوردي أو المفضلة لدى الأمير.

من جانبه، أوضح عميد كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بالجامعة الأورومتوسطية بفاس، السيد عبد الرحمان تينكول، عند تطرقه لمنظور النقاد لأوجين دولاكروا، أن الفنان التشكيلي” ترك لنا عملا هائلا لا زالت تتم إعادة زيارته والتفكير فيه، لأنه لن تتم الإحاطة أبد ا بألغازه المتعددة وأبعاده المعقدة. وأضاف أن أعماله لا زالت مدهشة ومبهرة على الرغم من التحولات العديدة التي عرفها الفن من القرن التاسع عشر إلى اليوم ، “قبل أن يقول بأن دولاكروا ساهم في التعريف بجمال بلادنا.

وأكد الاستاذ الجامعي أن الأعمال العديدة للفنان تبرز رغبة متجددة في فهم التفاصيل الدقيقة لفنه، مثلما يظهر ذلك في أعماله المكتوبة أو رسوماته أو حتى منحوتاته ورسوماته الحجرية.

إن نقاد ديلاكروا كثيرون ويركزون على جوانب عديدة من حياة الفنان التشكيلي

كما أشاد تينكول بكتاب “رسالة إلى ديلاكروا” للكاتب المغربي الطاهر بنجلون، والذي سمح اليوم بتدوين أعمال هذا العبقري الفرنسي ضمن الذاكرة المغربية.

ففي مؤلفه، كتب الطاهر بنجلون: “أتصور أنك في بداية سنة 1832 ، شاب أنيق ومتحفظ، تغادر ورشتك في شارع فوس سان جرمان، تارك ا وراءك ضوء ا مقيد ا، تحجبه سماء رمادية، ضوء قصير وضئيل يعتاد عليه الباريسيون في نهاية المطاف. تغادر هذا الحي وتجد نفسك أياما بعد ذلك وقد غمرك ضوء ساطع للغاية، بل وشديد لدرجة تشعر معها بالصدمة، فأنت في البحر المتوسط وأمام المحيط الأطلسي “.

وفي سياق آخر وفي مداخلته المتعلقة بـ “توضيح محتمل للارتباطات: ديلاكروا والمغرب” ، ركز بيير برونيل الأستاذ الفخري للأدب المقارن في جامعة السوربون والمتخصص في كل من كلوديل وفيرلين ورامبو وبودلير، بشكل رئيسي على العلاقة بين بودلير وديلاكروا ، وكذلك اللوحات المستوحاة من ديلاكروا خلال إقامته في المغرب والتي تفاعل معها بودلير البالغ من العمر حينها 25 سنة بدوره (وخاصة في صالون 1845 وبشكل أكبر حول العلاقات بين الرسم والأدب).

وحسب المتخصص ، فبودلير و ديلاكروا ، يريان الطبيعة “معمارا للألوان” ، وخاصة في منطقة طنجة. هذا التصور متنوع وعميق ، ويمكن أن يمثل المجال القروي، ولكن حتى المدينة أو المنازل التي عادة ما تكون خضراء وطبيعية للغاية. يبدو تكوين الطبيعة متوافقا مع الهندسة المعمارية.

وقال السيد برونيل، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن “المغرب كان بالنسبة لدولاكروا مصدر إلهام استثنائي ومصدرا للثراء اللامحدود. أنا مندهش للغاية من هذه الطريقة الشخصية والعاطفية التي اكتشف بها المغرب. كان في وظيفة رسمية في المغرب، لكن هذا كان أقل ماكان في تجربته”.

وأضاف “المناظر الطبيعية والسماء والطبيعة والجانب الخلاب… فضلا عن ذلك، في اللوحة التي تمثل السلطان، على سبيل المثال، للسماء أهمية كبيرة، ناهيك عن الحصان !”.

من جانبه، أكد دانييل بيرجيس، الكاتب في مجال الفنون والناقد الأدبي والفنان الرسام، في مداخلته “من المرئي إلى المقروء: استشراق دولاكروا في كتابات بودلير”، أن “بودلير كان بالتأكيد أفضل ناقد معاصر لدولاكروا، وفي الوقت نفسه صديقا حميما ومعجبا بالرسام”.

وبالنسبة لهذا الناقد الأدبي، فإن “أمرين غريبين” يلتقيان : عمل دولاكروا، الذي سيستمر في إغناء أعماله في تمثيل للمشاهد الشرقية أو الحيوانات البرية؛ وآخر لبودلير، الذي يحمل علامة الشرق، بوصف دولاكروا للمرأة الشرقية. أحدهم شعري وأعيد اكتشافه على نحو واسع، والآخر بصري وحساس مستمد من مصادر الرحلة إلى المغرب.

وأشار إلى أن “هذا الملتقى هو أيضا نقطة تقاطع الرأي والقول، وربط الأدب والرسم في قرن حيث سحر الك تاب، مضيفا أن تأثير بودلير على دولاكروا يعمل على “نقل الفن” الأدبي إلى شرح الاستشراق المصور المستمد من التجربة المغربية”.

من جانبه، أكد بيير وات أستاذ تاريخ الفن المعاصر بجامعة بانثيون سوربون والناقد الفني، في مداخلته حول “بودلير في مواجهة شرق دولاكروا”، أن “دولاكروا استغرق وقتا طويلا لقبول وتقدير حضور بودلير، فهو لم يشارك في هذه القراءة السقيمة لأعماله”، مشيرا إلى أن دولاكروا سجل في مذكراته تعليقات غير بعيدة عن انتقاد بودلير.

وفسر السيد وات هذا الخلاف الذي ي ظهر اختلافا حقيقيا في ما يتعلق بمعنى كلمة “المشرق”، حيث أنه بين ما يراه – الرسام – وما يحلم به، لا تزال هناك فجوة سيتم محاولة دراستها لإظهار أن هناك قراءات للرومانسية التي تلتقي دون أن تكون منسجمة.

وتشكل هذه الندوة موعدا مميزا للتبادل والتفكير في إطار منظومة من النظرات المتقاطعة، قصد فهم الفنان وزمنه على نحو أفضل. وتقترح، في إطار مقاربة متعددة التخصصات، جعل الجمهور يكتشف أعمال وشخصية أوجين دولاكروا، وذلك في لحظة جوهرية من تاريخ المغرب.

الوسوم

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق