مقالات الرأي

دروس وهدايا من السماء … فهل من مستفيد ؟

عندما أفشل الوعيُ السياسيُّ المتقدمُ لشريحة هامة من المغاربة مشروعَ “التحكم السياسي” الذي تم تصريفه بواسطة حزب مفبرك ، لم يتم للأسف استيعاب الدرس … ولم تقم الجهات المعنية باستيعاب مغزى نتائج انتخابات 4 شتنبر 2015 ، ولم تفهم على الخصوص معنى حصول حزب العدالة والتنمية على تلك النتائج الكبيرة وغير المسبوقة، بما فيها الحصول على الأغلبية في المدن والحواضر الكبرى في المغرب .
وعندما كان رجال السلطة وأعوانها يجوبون بنشاط دئوب الأزقة و الشوارع ، ويطرقون الأبواب والمحلات في مختلف المدن المغربية كما المداشر والقرى بمناسبة اجراء الانتخابات التشريعية 2016 و يحثون الناس على التصويت لصالح “التراكتور” ويحذرونهم في الوقت نفسه من مغبة مساندة المصباح المغضوب عليه ، كانت هذه السلطة توقع عمليا على عودة الجهاز الاداري لمرحلة سابقة من التأثير المباشر على الناخبين ومنهيةً مرحلة من التحكم السياسي عن طريق صنيعتها السياسية (والمتمثلة في حزب البام ) لصالح عودة “التحكم الاداري” … وامام المقاومة التاريخية التي أبداها الناخبون المغاربة لهذا التوجه وفشل منظومة التدابير التي تم تجريبها لضبط توجهات الناخبين و امام ” التمرميدة” التي تعرضت لها صورة الجهاز (…) اتيحت مرة اخرى لمن يهمه الامر فرصة القيام بقراءة واعية لهذه التحولات الجارية و العميقة والمؤثرة في المزاج العام السياسي ، و منبهةً السلطة بطرق متحضرة وراقية الى مخاطر هذا التوجه بل و محدودية “الوسائل التقليدية ” التي يعتمد عليها … وعمليا كانت نتائج انتخابات السابع من أكتوبر مرة اخرى درسا كبيرا مقدما على طبق من ذهب ، وهدية من السماء للمسؤولين عن هذا التوجه لتدارك الامر و إصلاح الأعطاب المعششة في عقل السلطة والخروج من هذه المرحلة باقل الخسائر التي يمكن ان تلحق بالوطن جراء تفويت الفرصة امام أجياله المستقبلية وحقها في الديمقراطية والتنمية .

غير ان “مرحلة البلوكاج ” أظهرت بجلاء ان قراءة خاطئة اخرى للوضع السياسي هي سيدة الموقف، وان الدرس المستفاد من نتائج التشريعيات سيتم هدره بكل استهانة ، وأننا امام حالة من الإصرار على تجاهل رسائل المجتمع .

و ختاما ، لقد أهدت مسيرة اليوم في مدينة الحسيمة عبر الجموع الحاشدة و المتحضرة و الراقية دروسا بليغة اخرى وفرصا عظيمة لمن يريد بصدق ان يراجع بؤس الخيارات السلطوية القائمة دوما على فرض و تسويق “الحلول” الجاهزة و المفروضة من فوق في استهانة بارادة التحت …

حراك الريف لهو دليل إضافي على بؤس الرهان السلطوي على الاستثمار في تبخيس الفعل السياسي الجاد و المسؤول و صناعة حزب “كبير ” كان يراد له ان يهيكل المشهد العام ويتحكم في مفاصل الدولة والمجتمع لكن المنتج لم يتجاوز صورة الكيان السياسي الهجين الذي لا يصلح لا للوساطة المجتمعية ولا للتأطير ولا للتمثيل الحقيقي ، بقي رغم كل عمليات الدوباج عبارة عن نبتة جدارية لا تصمد امام اقل عوامل الطبيعة تأثيرا .

المغاربة في الغالب الاعم متعقلون و حكماء و ينزعون للسلم و التعبيرات المتحضرة، ويميلون للصبر على الحرمان والفقر والحاجة ، بنفس القدر الذي يتطلعون فيه لاحترام كرامتهم .
ولذلك ليس أمامنا الا الاستجابة لتطلعات هذا الشعب في الحرية والكرامة و الديمقراطية ، ليس أمامنا من خيار آخر غير نهج الشفافية والوضوح و السعي الصادق لتحقيق المساواة و العدالة الاجتماعية بين ابنائه .

هذه دروس … و هدايا يقدمها أبناء هذا الشعب للمسؤولين عن السياسات التي تصنع واقعه اليومي ، يقدمها لنا في كل مرة يعبر فيها عن رأيه من خلال التظاهر او التصويت او مختلف التعبيرات الاخرى المشروعة، هي هدايا تشبه هدايا السماء في صفائها وصدقها ونبل مقاصدها … فهل من مستقبِلٍ لهذه الهدايا؟ فهل من مستفيد من هذه الدروس ؟

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق