مقالات الرأي

مغرب المستقبل ، ومستقبل المغرب

رشيد الركراك :

 متصرف بوزارة الداخلية ملحق بجماعة العرائش

الكاتب العام لجمعية الأطر الإدارية والتقنية بجماعة العرائش

بعد مرور أكثر من عقدين من الزمن على إعتلاء جلالة الملك  محمد السادس نصره الله وأيده لعرش أسلافه الميامين، لا يمكن لأي مغربي أو أجنبي أن يتنكر للمشاريع الإقتصادية والإصلاحات الحقوقية والسياسية والقانونية والتشريعية والإدارية الكبرى التي  أطلقها عاهل البلاد، وبدأت نتائجها تظهر على  أرض الواقع الأمر الذي جعل المغرب مؤهلا أكثر من أي وقت مضى لريادة القارة السمراء والمنطقة المغاربية، لقد بدت رغبة العاهل المغربي واضحة  في تحقيق مشروع مجتمعي يقوم على إنخراط المغرب في مناخ تعمه الديمقراطية والحداثة منذ 23 يوليو 1999، و كشف  جلالته في هذا الصدد عن رؤية ومبادرات جريئة لإعادة هيكلة المجتمع من خلال إعادة الإعتبار لدور الأسرة وتكريمه المرأة ومنحها كافة الفرص للإنخراط في العمل السياسي وتحمل كبرى المسؤوليات في الدولة ،وتكريس ثقافة حقوق الإنسان وثقافة المواطنة وسياسة القرب والمشاركة المواطنة وتحديث الإدارة وعصرنتها ، وإصلاح القضاء وترسيخ التضامن الاجتماعي .

إن محمد السادس وبعد واحد وعشرون سنة من جلوسه على كرسي العرش يكون قد جعل من المغرب واحد من البلدان القلائل في العالم العربي والقارة الإفريقية التي تخطو بخطى ثابتة نحو التنمية المستدامة وذلك من خلال  تركيزه على بناء إقتصاد عصري وحديث، مع العمل على الإنفتاح بشكل متدرج ومدروس على القارة الإفريقية،دون أن يغفل تقوية العلاقات التجارية مع الاتحاد الأوربي وآسيا وأمريكا و توفير المناخ الملائم لجلب الإستثمارات الأجنبية للمغرب من خلال تشييده لمشاريع عملاقة في مجال الطاقة والصناعات الميكانيكية والإلكترونية ، وقد ظهر ذلك جليا من خلال خلق أقطاب صناعية جديدة  وذكية ذات مواصفات عصرية بكل من طنجة  الدار البيضاء والقنيطرة ، غير أنه موازاة مع  المجهود الإقتصادي  الكبير لعاهل البلاد  الذي تم بدله على مدى  أكثر من عقدين من الزمن لا تزال بعض الفوارق الإجتماعية تمثل شرخا عميقا داخل الوطن بالرغم من كل الجهود المبذولة لتحقيق التنمية، فما هي يا ترى أسباب عدم إقلاع المغرب خصوصا على المستوى الاجتماعي ؟ وما هي العوائق الحقيقية التي تحول دون تحقيق تنمية شمولية بالرغم من كل الجهود المبدولة؟

لقد أقر المغرب رسميا بفشل منظومته التنموية السابقة وإقتنع الجميع بعجز السياسات العمومية المتبعة من طرف الحكومات التي تناوبت على السلطة طيلة العقدين الأخيرين على الحصول على نسبة نمو معقولة كفيلة بتشغيل العاطلين، وبخلق الثروة وتوزيعها في إطار قواعد الإنصاف، والعدل، والتوازن، وتوفير العيش و السكن اللائقين للجميع سواء بالعالم القروي أو الحضري .

إن سبب فشل النموذج التنموي لا يمكن تشخيصه في دراسة أو مقال، وعموما فاللجنة التي شكلها جلالة الملك والني يترأسها السيد شكيب بنموسى  مازالت تقوم بأشغالها والجميع ينتظر تشخيصها للأعطاب السابقة وتوصياتها للإقلاع السليم،  غير أن أهم أسباب الفشل للنموذج الحالي من وجهة نظري المتواضعة هي غياب الإهتمام لدى الدولة بالطبقة الوسطى، وعدم وجود أي تصور عمودي لصناع القرار لجعل هذه الطبقة طبقة مواطنة لها تطلعات تاريخية في بناء وطن يسع للجميع حيث أصبحت هذه الطبقة غارقة في هموم الكلفة الاجتماعية وتفاصيل تدبير المعيشة اليومية مما جعلها تبتعد يوما تلو الآخر عن الخوص في السياسات العمومية والإبتعاد عنها لفائدة قلة قليلة من أصحاب المال والأعمال اللذين وجدوا الباب مفتوحا على مصراعيه لولوج عالم السياسة ومن خلالها تدبير الشأن العام ، كما أن الدولة فشلت  بشكل أو بآخر في منح الأولوية  للتربية من خلال تخلفها عن زرع القيم النبيلة للناشئة  سواء داخل الأسرة  أو المدرسة أو المجال العام مما جعل  المغرب ينتج إن صح التعبير فئة مهمة من الشباب تعد بحق عائق أمام التنمية شباب بدون روح ولا رؤية مستقبلية ولا طموح ،لأجل ذلك لا بد من تعزيز فرص الشباب داخل المجتمع من خلال خلق فرص الشغل وتعزيز ثقتهم في وطنهم وإعداد برامج مواطنة خصيصا لهم وفق مبدأ رئيسي يقوم على الاستثمار في تنمية المهارات وتقوية الكفاءات والثقة في النفس وهذا الأمر لن يتحقق إلا بإصلاح المدرسة العمومية والمناهج التعليمية وخلق فضاءات متعددة الإختصاصات موجهة للشباب في كل القرى والمدن وتعزيز الفرص العادلة لمشاركة الشباب إناثا وذكورا في تدبير الشأن المحلي وولوج سبل تدبير الشأن العام دون الحاجة لدعم من هذا أو وساطة من ذاك .

إن الإنسان هو الذي  يصنع تاريخه ونفس الإنسان  هو من سيصنع طبعا طريق مستقبله ، فالمستقبل القريب لا يمكن أن يكون أحسن حالا من الماضي إذا لم نقم جميعا  بصنع غذنا كما نحلم به جميعا ، ولعل أجمل حلم هو أن نعيش في ديموقراطية حقيقية يتشارك فيها جميع المغاربة في تشييد تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة وبالتالي إخضاع كل البرامج للاختيار الديموقراطي ومحاسبة كل ممارس للسلطة في الجوانب المسؤول عنها.

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق