سياسة

عبد الخالق الغربي يكتب.. رأس مال حزب العدالة والتنمية

لقد كانت – بالفعل- الهزة  التي تعرض لها حزب العدالة والتنمية بعد إعفاء الأستاذ عبد الإله بن كيران من رئاسة الحكومة،زلزالا سياسيا حقيقيا ، لا زلنا نعيش ارتداداته القوية . ويبدو أن سُلَّم (الفايسبوك ) ينبئ بأن هذه الارتدادات مستمرة إلى غاية انعقاد المؤتمر الوطني نهاية السنة الجارية ، ولن نتمكن من إحصاء (الخسائر) المادية والمعنوية والبشرية لهذا الزلزال إلا بعد الموعد السالف الذكر ، بل قد تكون -لا قدر الله-هذه المحطة أقوى ارتدادات هذا الزلزال، فينجم عنها التحاق  الحزب بغيره  الذين سبقوه ،ويستفيق المغاربة على أكبر كذبة عاشوها بعد الاستقلال ،ألا وهي إمكانية إصلاح ما لحق هذا الوطن من أعطاب.

إن علماءنا الأفذاذ ،عندما أفرغوا جهودا مضنية في رصد كليات الدين، لم يكن ذلك ترفا منهم ولا استهتارا بما قدموه من تضحيات ، وإنما كان همهم رسم معالم الطريق التي يجب تلمسها حين تدلهمُّ الأمور، وتختلط على السالك السبل ، ذلك أن في الجزئيات والتفاصيل يكمن الشيطان كما يقال ، وتبقى معالم وكليات أي مشروع هي مستمسكات ما زاغ عنها أصحابه، أو تنكب عن جادتها القائمون عليه، إلا وكان مصيره بوار وخسران، ونهايته تصدع وسقوط وانهيار.

لقد التقى أبناء العدالة والتنمية حول مبادئ ومنطلقات ، انقادوا لها فحفظت سفينتهم في محطات عصيبة . قدرت القيادة مسؤولية مصلحة الوطن فانتصرت على الذات، وخيبت ظنون المتربصين الصائدين للزلات . واقتنع الأعضاء بقوة المبادئ وجدواها ،فانضبط الجميع لها ،وتغلغل المشروع  في المجتمع فتجدرت معالمه وكلياته،  تبشيرا بالأمل في المستقبل ،وثقة في إمكانية التغيير، إذا خلصت النيات، وقويت الإرادات، ووَضُحَت المنهجيات ،وسادت القوانين والقرارات .

هذا إذن هو سر ما حققه العدالة والتنمية  فيما سلف من إنجازات وتراكمات ، فلا زيد ولا عمرو كان بإمكانه أن يحقق ما تحقق لولا قوة هذه الكليات ومتانة تلك المعالم .لقد ساهم حزب العدالة والتنمية في تحقيق إنجازات قيمة للوطن، خلال مدة تواجده بالساحة السياسية ،ارتفع منسوب الوعي السياسي لدى المغاربة ، واسترجعوا بعضا من الكرامة المفقودة ،واستفادت بعض الفئات المحرومة استفادات متواضعة و محدودة ، لكن كل ذلك لا يرقى بأن يكون تفسيرا لهذه الشعبية الجارفة التي ما فتئ الحزب يراكمها محطة بعد أخرى، بالرغم من كيد الكائدين ،وإن كان كيدهم لتزول منه الجبال . فهل ببضع دريهمات قدمت لأمهات مكلومات مقهورات  لا يكفيهن لشراء خبز حاف لأبنائهن ،أو ببقشيش زهيد قدم لطالب لا يغنيه عن الاستنجاد بأسرته مهما كانت غارقة في الفاقة والعوز؟؟؟ هل هذه الإنجازات المتواضعة  وغيرها – وهو بالمناسبة قليل- هي التي دفعت الناخب المغربي ليمكن حزب العدالة والتنمية من الهيمنة على كل الحواضر المغربية الكبرى ،بل إن البوادي هي الأخرى مسها ما مس أهل المدن من تعلق بحزب العدالة والتنمية ؟؟هل ما حققته حكومة بن كيران للمغاربة من إنجازات هو الذي دفعهم للتصدي وبشكل بطولي  لمسيرة ( ولد زروال ) ؟ والصمود الأسطوري في وجه ماكينة حصاد وداخليته، وجرار إلياس وزبانيته ؟ قبل وأثناء استحقاقات 7أكتوبر 2016،

من الحكمة والتبصر إذن ،البحث عن الإنجازات الحقيقية التي جعلت القلوب تتعلق بهذا الحزب، وتزداد الثقة به يوما بعد يوم ،إن الإنجاز الحقيقي لحزب العدالة والتنمية ولشركائه أفرادا وهيآت ،هو اقتناع فئة عريضة من المجتمع بأن لا سبيل إلى الخروج من دوامة الانحراف إلا بالاستقامة ، وأن الانضباط للمبادئ والمنطلقات هو امتحان عملي به تختبر الأهداف و الغايات ،وسمة فارقة للتمييز بين التضحيات و المزايدات و معيار ذهبي به يقاس صفاء الذات ونبل الغايات ..لقد كان الإيمان بهذه  المعالم والكليات هو سبب تلك النجاحات الباهرة ،والإنجازات المعتبرة ، فالحذر الحذر من البحث عن سبب أو أسباب أخرى، لأن في ذلك انحراف عن الطريق ،وإيذان بالنكوص والسقوط في فخاخ وحبائل المتربصين ،فلا أسعد لهم ولا أفيد من أن تختلط الأمور بعد أن كتب لها قدر معتبر من الوضوح والتمايز .

إن المتحمسين اليوم للتجديد للأستاذ عبد الإله بن كيرا ن رغما عن المساطر -وإن تم تغيرها- حجبت عنهم قوة عبد الإله بن كيران، وإنجازات عبد الإله بن كيران،و صدق عبد الإله بن كيران، ومظلومية عبد الإله بن كيران، وإكراهات السياق الذي أعفي فيه عبد الإله بن كيران، كل ذلك حجب عنهم رؤية ما هو أعظم وأجل من شخص عبد الإله بن كيران ، إنها المعالم والكليات التي صاغت شخصية عبد الإله بن كيران وجمعت القلوب حول عبد الإله بن كيران  .

إن هذه المعالم والكليات  ينبغي أن تظل حاكمة مهما كان الراهن ضاغطا ،والنازل مربكا ، ضابطة لوجهة الإبحار مهما اشتدت العواصف والرياح ، أن تكون المناورة على مستوى التفاصيل والجزئيات والمستجدات، فهذا عين العقل وهو تجسيد للمرونة ، وفهم للواقع ،وتدبير حكيم للشأن -عاما كان أو خاصا- ، أما تجاوز المعالم والكليات وهدمها مهما كانت المبررات،  فلن تكون  نتيجته سوى الانهيار  والسقوط إن عاجلا أو آجلا .

إن قوة التشريعات تكمن في مدى انضباط الجميع لها واحترامها والخضوع لها ، ومن الخصائص  المسلم بها للقاعدة القانونية أنها عامة أي موجهة للجميع ، أما ما شُرِع وما سُنَّ ليوافق مواصفات زيد أو خصائص عمرو فليس من القانون في شيء وإنما هو توسل  بالقاعدة القانونية لتحقيق أهداف أقل ما يقال عنها أنها مجردة من صفة الشرعية، مهما تعددت التأويلات وفصلت الحيثيات .لأن في ذلك ضرب للمعالم والكليات وإيذان بالتخلي عنها والتنكر لها .

لقد تعلق المغاربة بحزب العدالة والتنمية لما لمسوه في أعضائه من ( المعقول ) حسب بساطة ودقة  التعبير عند الأستاذ عبد الإله بن كيران  ، فهذا هو رأس مالهم ومتى فرطوا فيه كان مصيرهم مصير كل تاجر يفرط في رأس المال .

لقد كان عبد الإله بن كيران زعيما فذا وعلما وسم هذا الوطن بصدقه ورؤيته الثاقبة ، ومهما قلنا في ذكر مزاياه ، أو سكتنا عن بعض مثالبه كسائر البشر فإن الحقيقة التي يجب أن يتقبلها الجميع ،هي أن رأس مال الحزب ليس هو عبد الإله بن كيران ولا سعد الدين العثماني ولا غيرهما من القادة الأفذاذ وإنما رأس مال الحزب هي القيم التي آمن بها هؤلاء وبشروا بها وعملوا على تجديرها في المجتمع ، ألا فليحرص الجميع على رأس المال الحقيقي لحزب العدالة والتنمية.

 

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق