آخر

قلم الصحفي ينقش الحقيقة،والقانون يقيد رحلة البحث عنها

خديجة الشرقاوي

  • صحفية
  • باحثة،دكتوراه،الصحافة والإعلام الحديث،جامعة ابن طفيل،المملكة المغربية

 في الديمقراطية يكون هناك دائما افتراق بين الحكومة والشعب،ولكن الصحافة تعمل على تقريب هذا     الافتراق.

تاريخيا، كانت الصحافة تعتبر ركيزة أساسية في مكافحة الفساد والظلم وتعزيز الشفافية والعدالة في المجتمعات.فعندما يتمتع الصحفيين بحرية الحصول على المعلومات، يمكنهم توثيق الحقائق وكشف الفساد والتجاوزات، مما يعزز الشفافية ويضمن مساءلة السلطات لذا، يعتبر حق الحصول على المعلومات للصحافيين ليس فقط حقا فرديا بل يعتبر أيضا حقا جماعيا للمجتمع بأسره.

ومع تطور التكنولوجيا وانتشار وسائل الإعلام الرقمية،أصبح الوصول إلى المعلومات والحصول عليها أكثر سهولة،ولكن في الوقت نفسه،يواجه الصحفيين جملة من العراقيل الإدارية أو القانونية أو الأمنية، لذلك ناضل رجال الإعلام وبخاصة في البلدان المتقدمة ديمقراطيا من أجل الاعتراف القانوني لحق الصحفي في الوصول إلى مصادر المعلومات والحصول عليها، وحمايته أثناء ممارسة مهمته، وبعد الاجتهاد القانوني توصلت العديد من البلدان إلى ما يضمن هذا الحق، بدء من القانون الدولي لحقوق الإنسان والمواثيق الإقليمية والقوانين الوطنية، ويمكننا هنا أن نستعرض مكانة هذا الموضوع في أهم القوانين  المغربية، وهو ما يقودنا لمعرفة الوضعية القانونية للصحفي المهني في سعيه من أجل الوصول إلى مصادر المعلومات والحصول عليها.

 

  • حق الصحفي في الحصول على المعلومات وفق التشريع المغربي

انطلاقا من كون المملكة المغربية أكدت تشبثها بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا ومن إقرارها بجعل الاتفاقيات الدولية كما صادقت عليها تسمو فور نشرها على التشريعات الوطنية وقف ما تضمنه دستور المملكة.

وتأسيسا على كون الحق في الحصول على المعلومة من الحقوق التي كرستها جل المواثيق الأممية، فقد نص الفصل 27 من الدستور المغربي على” حق المواطنين في الوصول إلى المعلومات الموجودة في حوزة الإدارة العمومية والمؤسسات المنتخبة والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام.”

واعتبارا لطبيعة ممارسة مهنة الصحافة، التي تعتمد على المعلومات لإنتاج الخبر، فإن ذات القانون رقم 31.13  قد منح بابا لتسهيل الحصول على المعلومات لفائدة الصحفي)ضمن مجموع المواطنات والمواطنين(،من خلال باب تدابير النشر الاستباقي )الباب الثالث من القانون رقم  31.13 بمواده الأربعة (، التي فيها إلزامية للإدارات العمومية والمؤسسات المنتخبة والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام، بنشر استباقي للمعلومات التي بحوزتها كما يسمح به الدستور والقانون، دون إغفال شروط الباب الثاني من القانون رقم 31.13 ، بالنسبة للصحفي الممارس بالمغرب، المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات، المتضمن للاستثناءات التي تمنع الصحفي والمقاولة الإعلامية، تحت طائلة القانون، من نشر المعلومات المتعلقة بها. وتعتبر مواد هذا الباب واحدة من أكثر المواد التي سجلت نقاشا عند الرأي العام الجمعوي والحقوقي والصحفي بالمغرب، على خلفية تفسيرات اعتبرتها مقيدة لحق ممارسة الحق في الحصول على المعلومات.

فالمشرع المغربي اتجه إلى توسيع دائرة الاستثناءات الواردة على حق الصحفي في الحصول المعلومات سواء في قانون الصحافة88.13 أو قانون الحق في الحصول على المعلومات31.13 بصفته مواطنا،إلى أقصى حد ممكن، كأخذه للمعلومة في إطار الآجال المحددة للحصول على المعلومة في ظل قانون 33.13 لن تفيده في مجال عمله،بقدر ما ستفيد الصحافة الاستقصائية.

ولما كان مدار الممارسة الصحفية بالنسبة للصحفي قائم على البحث عن الخبر من مصادر متعددة،وأن الاستثمار في الزمن بالنسبة للصحفي وللمقاولة الإعلامية قائم على طبيعة المادة الصحفية الخبرية المنجزة،مما يفرض على الممارس للمهنة سرعة الحصول على المعلومات المكملة للخبر والتي تسند عناصر مصداقيته قبل النشر،تأتي “مصادر المعلومات العمومية” التي مفروض أن توفرها له الإدارة والمؤسسات والهيئات ذات الصلة قانونا بممارسة الحق في الحصول على المعلومات.

مما يجعلنا نقر أن قانون الحصول على المعلومات في المغرب جاء مخيبا للآمال،وما هو إلا قانون شكلي لاستجيب لتطلعات وحاجيات المجتمع ككل،وأن السرية أضحت فيه أضحت فيه هي القاعدة والعلانية هي الاستثناء،وبعبارة أخرى فإن هذا القانون يميل إلى الحظر أكثر منه إلى الإباحة…

إذ يأتي القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر، الذي ينص في المادة 6 منه على أنه :”يحق للصحافيات وللصحافيين ولهيئات ومؤسسات الصحافة الولوج إلى مصادر الخبر والحصول على المعلومات من مختلف المصادر، باستثناء المعلومات التي تكتسي طابع السرية وتلك التي تم تقييد الحق في الحصول عليها طبقا لأحكام الفقرة الثانية من الفصل 27 من الدستور” تلتزم الإدارة العمومية والمؤسسات المنتخبة والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام بتمكين الصحافي من الحصول على المعلومات وفق ا لآجال المقررة قانونا تحت طائلة تطبيق الجزاءات المنصوص عليها في التشريع الجاري به العمل” .

من خلال منطوق المادة السادسة من قانون الصحافة والنشر يتبين لنا أن قانون 88.13 كان واضحا في ترسيم شكل الحصول على المعلومات العمومية، استنادا على نص الدستور وأيضا القوانين المنظمة للحق في الحصول على المعلومات، التي هي محددة، بالنسبة للصحفي وللمقاولة الإعلامية .

 

  • إعادة النظر في النصوص القانونية التي تتعارض مع الحق في الحصول على المعلومات

من أجل ملائمة النصوص التشريعية والتنظيمية مع قانون الحق في الحصول على المعلومات،ينبغي على المشرع المغربي مراجعتها وإعادة النظر فيها،ومن بين هذه النصوص،نجد الفصل 18 من قانون الوظيفة العمومية الذي ينص :”بقطع النظر عن القواعد المقررة في القانون الجنائي فيما يخص السر المهني، فإن كل موظف يكون ملزما بكتم سر المهنة في كل ما يخص الأعمال والأخبار التي يعلمها أثناء تأدية مهامه أو بمناسبة مزاولتها، ويمنع كذلك منعا كليا اختلاس أوراق المصلحة ومستنداتها أو تبلغيها للغير بصفة مخالفة للنظام.وفيما عدا الأحوال المنصوص عليها في القواعد الجاري بها العمل، فإن سلطة الوزير الذي ينتمي إليه الموظف يمكنها وحدها أن تحرر هذا الموظف من لزوم كتمان السر أو ترفع عنه المنع المقرر أعلاه”.                              والملاحظ من هذا الفصل في فقرته الأولى ،أنه يمنع على الموظف إفشاء السر المهني،حيثي نبغي عليه التكتم على المعلومات التي ترى الإدارة  التي يشتغل فيها بأنها تكتسي طابعا سريا.

     وعلى العموم،فقد بالغ المشرع في هذا الفصل في مسألة كتمان السر المهني،وهذا يشكل تعارضا بينه وبين قانون الحق في الحصول على المعلومات،ولذلك ينبغي على المشرع أن يعيد النظر في قانون الوظيفة العمومية حتى يتلاءم مع قانون الحق في الحصول على المعلومة بغية حماية الموظف العمومي الذي يقوم بفضح عمليات الفساد التي تقع داخل الإدارات العمومية من أية عقوبات،سواء كانت إدارية أو قانونية،خاصة أن المشرع أقر قانونا يوفر الحماية القانونية للضحايا والشهود والخبراء والمبلغين فيما يخص جريمة الرشوة والاختلاس واستغلال النفوذ.

إلى جانب الفصل 18 من قانون الوظيفة العمومية، نجد الفصلان 187و446 من القانون الجنائي المغربي،نجد الفصل 187 يوضح المعلومات التي تعتبر من أسرار الدفاع الوطني في تطبيق هذا القانون:         -المعلومات العسكرية أو الدبلوماسية أو الاقتصادية أو الصناعية التي توجب طبيعتها أن لا يطلع عليها إلا الأشخاص المختصون بالمحافظة عليها، وتستلزم مصلحة الدفاع الوطني أن تبقى مكتومة السر بالنسبة إلى شخص آخر.

-الأشياء والأدوات والرسوم والتصميمات والخرائط والنسخ والصور الفوتوغرافية أو أي صور أخرى أو أي وثائق كيفما كانت،التي توجب طبيعتها أن لا يضطلع عليها إلا الأشخاص المختصون باستعمالها أو المحافظة عليها وأن تبقى مكتومة السر بالنسبة إلى أي شخص آخر لكونها يمكن أن تؤدي إلى كشف معلومات من أحد الأنواع المبينة في الفقرة السابقة.

-المعلومات العسكرية من أي طبيعة كانت التي لم تنشر من طرف الحكومة ولا تدخل ضمن ما سبق والتي تم منع نشرها أو إذاعتها أو إفشاؤها أو أخذ صور منها إما بظهير أو بمرسوم متخذ في مجلس الوزراء.

-المعلومات المتعلقة إما بالإجراءات المتخذة للكشف عن الفاعلين أو المشاركين في جنايات أو جنح ضد أمن الدولة الخارجي أو القبض عليهم،وإما بسير المتابعات والتحقيقات وإما بالمناقشات أمام محكمة الموضوع”.    ويضيف الفصل 446 من القانون نفسه أن:”الأطباء والجراحون وملاحظو الصحة،وكذلك الصيادلة والمولدات وكل شخص يعتبر من الأمناء على الأسرار،بحكم مهنته أو وظيفته،الدائمة أو المؤقتة،إذا أفشى سرا أودع إليه،وذلك في غير الأحوال التي يجيز له فيها القانون أو يوجب عليه فيها التبليغ عنه،يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من ألف ومائتين إلى عشرين ألف درهم…”.

وبذلك أضحت نصوص قانون الحق في الحصول على المعلومات.، تتقاطع معه حقوق أخرى عبر عنها المشرع بمفهوم الاستثناءات والتي يعد على رأسها الالتزام بالسر المهني، مما يجعلُنا نقول بأنّ قانون الحق في الحصول على المعلومات في المغرب جاء مخيبا للآمال،وما هو إلا قانون شكلي لا يستجيب لتطلعات وحاجيات المجتمع، وأنّ السرية أضحت فيه هي القاعدة، والعلانية هي الاستثناء.

وفي اعتقادنا أن المشرع المغربي لابد له أن يعمل على وضع آليات مناسبة في القوانين المنظمة لمهنة الصحفي تكفل حقه في الحصول على المعلومات وحماية مصادرها وليس فقط ترديد النصوص القانونية. وإجراء تعديلات في قانون الصحافة والنشر وقانون الحق في الحصول على المعلومة مع ما يتوافق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.

 

 

 

 

  • ضرورة انفتاح الإدارة على الإعلام والصحافة

لا يمكن الحديث عن شفافية ووضوح الإدارة إذا لم تكن منفتحة على الإعلام والصحافة،من خلال اطلاعهم على مختلف المعلومات والوثائق التي تستخدمها في تدبير الشأن العام، باستثناء ما يكتسي منها طابعا سريا من وجهة نظر القانون،فالانفتاح يخضعها للمساءلة والمحاسبة بشكل كبير من قبل الإعلام الحر والنزيه،ويساهم في تعزيز الديمقراطية التشاركية التي لا يمكن لها أن تتحقق إلا في ظل انفتاح الإدارة على الإعلام والصحافة،وإمداد الصحفي بمختلف المعلومات التي يحتاجها،حتى يكون على بينة بالشؤون السياسية،والاجتماعية،الاقتصادية،الثقافية،والبيئية لإدارته،وحتى يتسنى له بذلك المشاركة في إعداد وتتبع السياسات العمومية وتقييمها ومراقبتها  بشكل أفضل، إلا أن الإدارة المغربية تطغى عليها السرية، وبالتالي يصعب عليها فرض الانفتاح على موظفيها إذا لم تتغير لديهم هذه الثقافة المتأصلة داخلهم،ويصعب عليها كذلك استيعاب قانون الحق في الحصول على المعلومات،فإقراره غير كاف إذا لم تقم الإدارة باستيعابه أولا،ثم تطبيقه ثانيا.

وختاما، إن العمل الصحفي في الحقيقة هو أولا وأخيرا رسالة إنسانية يؤديها الصحفي بأمانة وحقه في الحصول على المعلومات من مصادرها ونشرها هو بمثابة وظيفة من وظائف تلك الرسالة،والخبر يعذ الوظيفة الأولى والوحيدة والأساسية التي تقوم عليها الصحافة،وبذلك لا يمكن تصور قيام صحافة حرة بغير حرية تدفق المعلومات والأخبار،وكذلك لا توجد صحافة حرة إذا وجد الصحفيون-خصوصا-والمواطنون-عموما-أنفسهم مقيدين في سعيهم للحصول على المعلومات كاملة وفي الوقت المناسب.

وإن حرية تداول المعلومات تختلف من دولة إلى أخرى فهي ترتبط ارتباطا وثيقا بمدى ديمقراطية نظام الحكم ومدى احترامه لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، فنجد في الدول الديمقراطية المعلومات حقا للحاكم والمحكوم وقلة القيود المفروضة على ممارسة العمل الصحفي،في حين نجد في الدول الأقل ديمقراطية وتطورا احتكار الدول للمعلومات والتحكم في تداولها وفرض قيود عليها من خلال وضع مجموعة من القوانين واللوائح التي يمليها الواقع السياسي.

إن دسترة الحق في الحصول على المعلومات بالمغرب ،وإقرار قانون تنظيمي يبين شروط ممارسته ،لا يعني أنه أنهى حقبة الإدارة السرية التي مكثت في التطبيق زمنا طويلا،أو أنه فتح باب الإدارة المغلقة وجعلها خاضعة للمساءلة والمحاسبة،فالنص القانوني مهما بلغ من الكمال،فهو يحتاج إلى التفعيل على أرض الواقع،وإلا بقي حبرا على ورق.

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق