كوكتيل

الشباب المتصل بالأنترنت.. قراءة الكتب في مهب الريح ؟

“أعز مكان في الدنى سرج سابح .. وخير جليس في الأنام كتاب” عبارة بديعة رصع بها الجاحظ عمله الماتع ( الحيوان)، الذي تغن ى في ثناياه بمتعة القراءة، وحكمة نفيسة تسلحت بها الأجيال لمكابدة الجلوس إلى الكتب، غير أن التحول عن الكتاب الورقي بات واقعا معاشا يفرضه إدمان النقر على الشاشات.

وفي عالم شديد الارتباط، باتت انعكاسات إدمان وسائل التواصل الاجتماعي على فعل القراءة، خاصة في صفوف الجيل “Z”، المعروف أيضا باسم “المواطنين الرقميين”، تثير الجدل وتبعث على القلق، حيث أضحى من النادر رؤية شاب لا يتصفح الشبكات الاجتماعية طوال الوقت. ولكن بدلا من وصم الشاشات، أليس من المناسب استكشاف هذه المنصات بحكمة والنفاذ إلى خصائصها المشجعة للقراءة لدى ” المواطن الرقمي ” ؟ هذا رأي يشاطره عالم الأنثروبولوجيا والكاتب محمد المعزوز، عضو المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري، الذي يؤكد أن “وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تحول القراءة إلى تجربة مشتركة وتفاعلية”.

وأبرز، في هذا الصدد، الدور الذي تضطلع به نوادي الكتب عبر الإنترنت على منصات مثل “فيسبوك”، أو “ريديت”، التي تسمح للقراء بمشاركة انطباعاتهم والتفاعل مع الإبداعات، على الرغم من بعد المسافات المادية، أو مبادرات مثل “بوك توك” (مجتمع “تيك توك” الفرعي الذي يركز على الأدب)، وذلك لما يستوجبه العمل الإبداعي من تحليله ومناقشة وتفكيك.

هذه القراءة التفاعلية تمر كذلك عبر علامات التصنيف مثل “#Bookstagram “، و”#BooksTwitter”، التي تتيح لعشاق الكتب مشاركة الانتقادات، والمقتطفات، والتوصيات، مما يؤدي إلى إنشاء مجتمع افتراضي من القراء. خفوت وهج القراءة العميقة في حين أن التكنولوجيات الحديثة تفضل التدفق غير المتقطع للمحتوى، فإن تجربة القراءة العميقة تضع ف تحت تأثير الشاشات، حيث يميل القارئ إلى التحرك بأسرع ما يمكن، والقراءة بشكل قطري، أو التجاوز أو التمرير لمحتوى الكتاب دائما في نفس الاتجاه. هنا ت غي ب الروح الإبداعية للكاتب ويقع القارئ في فخ الرتابة.

في هذا الصدد، أكد المعزوز، في حوار مع وكالة المغرب العربي للأنباء، أن “القراءة عبر الإنترنت، والتي غالبا ما تتخللها الإخطارات وغيرها من عوامل التشتيت، يمكن أن تمنع الانغماس الكامل في الكتاب”. ويتابع أن ” التوجه نحو تعدد المهام، الذي تشجعه وسائل التواصل الاجتماعي، قد يحد أيضا من القدرة على الغوص في نصوص طويلة ومعقدة “.

من جانبه، قال رئيس جمعية “أصدقاء علم الاجتماع”، وعضو الجمعية الدولية لعلم الاجتماع، مصطفى اللوزي، إن “القراءة على الوسائط الرقمية لا تشجع على استيعاب جوهر الكتاب من قبل القارئ الذي يخاطر بتشتيت انتباهه بسبب الرسائل الواردة على الجهاز”. في المقابل، تثبت “Audible “و”Kindle”، والعديد من المنصات الأخرى أن الاتصال الرقمي يمكنه، بفضل تجربة القراءة متعددة الوسائط التي توفرها، إغناء القراءة من خلال تقديم وظائف المزامنة بين الكتب الإلكترونية والكتب الصوتية. القراءة لم تعد مرادفة للمتعة يرى البعض أن الشباب ما زالوا يقرأون، لكن قراءتهم ليست سعيا للاستمتاع في الغالب. قد لا تكون هذه قراءة “مشروعة” بالمعنى الذي ذهب إليه عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو، لكن الممارسة نفسها ما تزال موجودة بين الجيل “Z”.

يعتبر اللوزي أن “الكتاب الورقي متعة فريدة، مليئة بالمشاعر، ولكن يتعين اختيار الكتاب المناسب”. هذا الباحث، الذي شارك في إنشاء العديد من نوادي القراءة في المغرب، ينتقد الرداءة المحيطة التي رافقت تناسل وسائل التواصل الاجتماعي، والتي غالبا ما تعطي الصدارة للكتب الخالية من أي عمق.

لقد غيرت التكنولوجيا الرقمية أيضا الطريقة التي نقرأ بها، فقد أصبحت تسلسلات القراءة لدى الشباب أقصر، وغالبا ما تتعلق بتبادلاتهم المكتوبة على الإنترنت، ما يجعلها مرتبطة على نحو وثيق بالتواصل الاجتماعي. ومع ذلك، فإن قراءة الكتاب، بطبيعتها، نشاط انفرادي، وطويل، وممل، ويؤدي إلى الإغراق في التفكير . القراءة في نهاية المطاف هي مثل ركوب الدراجة… القراءة، مثل ركوب الدراجة، لا يمكن نسيانه بمجرد اكتساب المهارة. تصبح ممارسة للفرد، خاصة إذا حدث الانغماس فيها منذ الطفولة المبكرة. ومن أجل انطلاقة جيدة في مسار التعلق بالكتب، يوصي السيد اللوزي بحسن اختيار الكتاب، خاصة عندما يتعلق الأمر بالانغماس الأول.

وتعمل الروايات بشكل عام على تنشيط الذاكرة والخيال وتجعل القراءة ممتعة للقارئ المبتدئ. وذكر، لهذا الغرض، مجموعة من المؤلفين من مدارس أدبية مختلفة، مثل غابرييل جارسيا ماركيز، ونجيب محفوظ، والطيب صالح، ومحمد زفزاف، وباتريك موديانو، وإرنست همنغواي، وميخائيل بولجاكوف.

وأكد أن تنمية شغف القراءة يستلزم “القراءة في كل مكان وفي كل وقت، ففعل القراءة في حد ذاته يعزله. تشرد روحه إلى سماوات أخرى، وتغتني، وتتوسع..صحيح أن كل نقرة هي فرصة للغوص في عالم الكلمات اللامتناهي، إلا أن غنى الكتاب يظل لا مثيل له “. ماذا لو وجد الشباب في هذه الموجة الرقمية العارمة قارب نجاة يعيدهم إلى بر القراءة الآمن ؟

الوسوم

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق