سلايدر الرئيسيةسياسة

مختص يبرز أسباب ودوافع العزوف الانتخابي بالمغرب.. ويدعو لاعتماد التسجيل التلقائي (حوار)

نشهد في العقود الأخيرة تدني متوالي لنسب مشاركة المواطنين في الانتخابات سواء التشريعية أو الترابية، ولا يجادل أحد في غياب الثقة في السياسيين لدى شريحة واسعة من المجتمع، نظرا لتجذر مجموعة من السلوكيات “البرغماتية” ضيقة الأفق في الممارسة الحزبية، ما انعكس سلبا على تخليق الحياة السياسية وبالتالي فقدان الثقة في مؤسساتها، ممارسيها، بل والجدوى منها في بعض الأحيان.

وتحمل ظاهرة العزوف السياسي عامة والعزوف عن المشاركة في الانتخابات خاصة دلالات خطيرة وعميقة، تجعلنا نسائل بواقعية وعقلانية عن الأسباب والدوافع، السياقات والمؤثرات، وأيضا آليات الإصلاح والتقويم.

ويسعدنا أن نستضيف في مناقشة هذا الموضوع، الدكتور عادل الزكزوتي، أستاذ باحث في الشأن الانتخابي وعضو المكتب التنفيذي للمرصد المغربي لحقوق الناخب، للإدلاء بآرائه وتوضيحاته في ملامسة الظاهرة.

حاورته: أمل عكاشة

ـ بداية، يعرف الجميع أن العزوف الانتخابي يعود لأسباب ودواعي متعددة، تجمعت وتراكمت لتعطي واقعنا الحالي، في نظركم ما أبرز الأسباب التي ساهمت في ذلك؟

تحية طيبة لكم ولزوار موقع شمالي.

حقيقة موضوع العزوف الانتخابي من أبرز الظواهر التي تستوقف الباحث والمهتم بالشأن السياسي والانتخابي في بلادنا. ولا بد هنا أن ألفت الانتباه إلى دقة سؤالكم حول الظاهرة في شموليتها وليس في ارتباطها بالواقع المغربي بشكل خاص. فظاهرة العزوف الانتخابي ظاهرة عالمية خيمت على الممارسة السياسية في العقود الأخيرة وهو ما تؤكده المعطيات والأرقام الصادمة في هذا الباب ولعل أول حزب في العالم هو حزب العازفين عن المشاركة في العمليات الانتخابية سواء من خلال مقاطعة عملية التصويت، أي عدم المشاركة في التصويت، أو من خلال التصويت الفارغ أو الأبيض أي الذهاب لمكاتب التصويت والتصويت بورقة فارغة دون اختيار مترشح.

أما بالنسبة للأسباب فهي متعددة ومتداخلة ويصعب الجزم بأن هذا العنصر أو ذاك هو الذي أسس لهذه الظاهرة، لكن رغم ذلك يمكننا الحديث عن بعض العناصر التي تشكل في نظري السبب الرئيس في تفاقم هذه الثقافة (وأقول ثقافة بعد أن أصبحت هذه السلوكات مواقف تحتاج الدراسة والتمحيص).

أول هذه الأسباب هو عنصر الثقة (أو غياب الثقة على الأصح) الذي أصبح ديدنا في حياتنا اليومية، هذه الآفة أصبحت تسائلنا جميعا بداية من علاقتنا مع الجيران إلى علاقاتنا داخل الحي السكني (الحومة) إلى علاقاتنا التجارية مع البقال وسائق سيارة الأجرة.. ووصولا إلى الفعل والفاعل السياسي. ويجب ألا ننسى أن الممارسة الانتخابية زكت هذا الغياب لسنوات وسنوات بحيث أن الجميع يتذكر كيف أن الناخبين كانوا يختارون مثلا الحزب الأحمر ويصدمون بعد أيام قلائل بتحمل الحزب الأخضر لمسؤولية تسيير المجلس المنتخب (جماعة أو جهة أو غيرها).

السبب الثاني يكمن في مدى انعكاس المشاركة الانتخابية على الواقع المعيش للمواطن / الناخب وكأن المواطن يطرح السؤال: ماذا سأستفيد من اختيار هذا المترشح أو ذاك مادامت النتيجة واحدة. فما دام المحيط الأول للناخب (الشارع العمومي، الأحياء السكنية، المدينة، وسائل المواصلات..) لا يعرف طفرة نوعية تبرز دور المؤسسات والمجالس المنتخبة في تحسين معيشه وتنمية المجال يصعب إقناعه بالتوجه لمكاتب التصويت.

كما نعتبر في المرصد أن الترسانة القانونية الحالية لا تساعد على الخروج من هذا النفق المظلم بحيث أن اعتماد التسجيل الشخصي في اللوائح الانتخابية بدل التسجيل التلقائي الذي نادينا به في أكثر من مناسبة يعتبر عقبة في وجه المواطنين الراغبين في المشاركة في العملية الانتخابية، إذ يتعين عليهم التنقل مرتين إلى مكاتب السلطة المحلية: المرة الأولى للتسجيل والمرة الثانية للإدلاء بصوتهم بمناسبة الاقتراع (رغم تسجيلنا لأهمية التسجيل الإلكتروني الذي شجع أعدادا كثيرة من المواطنين على التسجيل إلا أنه يبقى إجراء محدودا لعدة اعتبارات أهمها ضعف البنية التحتية) وبالتالي الأنسب هو تذليل هذه العقبات من خلال اعتماد التسجيل التلقائي باعتماد قاعدة المعطيات الخاصة بالبطاقة الوطنية.

ـ حاول المشرع اعتماد بعض الآليات لتخصيص مقاعد للنساء والشباب والمغاربة المقيمين في الخارج من أجل إشراكهم في الشأن السياسي، في اعتقادكم هل صبت هذه التعديلات في اتجاه بناء الثقة أم كانت لها توابع أخرى؟

في الواقع المشرع لم يخصص لحدود الآن مقاعد للمغاربة المقيمين خارج أرض الوطن وهذا سؤال ربما تتاح مناسبة أخرى لمناقشته. بل يمكن أن ينطبق الأمر ذاته على حصيص الشباب الذكور بعد تعديل المقتضيات التي كانت تضمن لهم ثلاثين مقعدا على الأقل بمجلس النواب.

أما بخصوص المقاعد المخصصة للنساء فنحن نعتبر في المرصد أن هذه الإجراءات لا يجب أن ترافق المرأة طيلة الحياة الانتخابية بل نعتبرها قوسا يجب أن يُغلق كما فُتح سنة 2002. لا يختلف اثنان أن هذه الإجراءات أعطت نفسا جديدا وسلطت الضوء على فئة عريضة من المجتمع المغربي كانت تعاني ألوانا من الإقصاء لكن لا أعتقد أنها تساهم في بناء الثقة كما جاء في سؤالك بل ساهمت أساسا في إدماج وإشراك هذا المكوِّن.

هذه المقتضيات تبين أنها لها تبعات وانعكاسات سلبية على الممارسة السياسية وظهور نوع جديد من الإقصاء. فبعد أن كانت المرأة الحزبية تعاني التهميش داخل دواليب حزبها السياسي من لدن جبهة داخلية يصعب اختراقها ومنافستها في دوائرها الانتخابية، أصبحت اليوم لا تجرؤ على منافسة نفس الجبهة بحكم أن ملعبها الانتخابي (إن صح التعبير) هو اللوائح النسائية حصراً وهو ما يتناقض مع روح وفلسفة القوانين في هذا الباب.

ـ نشهد اعترافات من هيئات رسيمة وطنية بفشل الحكومات المتوالية والمدبرين للشأن العام عامة في بناء جسور الثقة بين العمل السياسي والمواطن، من خلال تجاربكم واحتكاككم بالمواطن، ما مدخلات إصلاح هذا الوضع؟

ربما قد أختلف معك في هذه الخلاصة إذا ما قدمت بشكل مجرد ومنفصل. لأنه كما قلت في السابق هناك عوامل يجب قراءتها بشكل شمولي وأفقي، فأن نقول مثلا أن حكومة ما في تاريخ المغرب هي سبب تحطيم جسر الثقة أمر غير سليم، فكما أن الثقة تبنى بالتراكم والمعاملة الأولى فالثانية فالثالثة، كذلك فقدان الثقة يأتي بالتراكم وبنفس الخطوات، والدليل على ذلك أنه لا يمكن تحديد تاريخ معين ونقول بتاريخ كذا فقدنا الثقة في المؤسسات المنتخبة. لكن هذا لا يعفي الفاعل العمومي من المسؤولية فيما وصل إليه منسوب الثقة.

لكن تبقى أهم المدخلات في نظري هي الانخراط في تعاقد مجتمعي جديد، وخصوصا أن بلادنا حددت في الأيام القليلة الماضية الخطوط العريضة للاختيارات الاستراتيجية الكبرى من خلال التقرير الذي قدمه رئيس لجنة التنموي الجديد لجلالة الملك. هذه الاختيارات تمر لا محالة من باب كبير اسمه محاربة الفقر والقضاء على الأمية.

ـ ما المجهودات التي تبذلونها في المرصد الوطني لحقوق الناخب من أجل خلق مفاهيم جديدة في تعاطي المواطن مع السياسة في أفق بناء الثقة وتكريسها؟

كما تعلمون فالمرصد الوطني لحقوق الناخب جمعية مدنية مستقلة، ولعل الاسم يوحي أن الشغل الشاغل للمرصد هو الدفاع عن علاقة الناخب بالمنتخبين وكذا بالمؤسسات الدستورية المنتخبة، ولا يقتصر هدف المرصد على الدفاع عن الحقوق السياسية فقط، وعيا منا بتلازم الحق السياسي مع الحق في حياة كريمة وبالتالي مع الحق الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والبيئي. ولتحقيق هذا الهدف يستثمر المرصد كل فرصة سانحة للترافع عن التعديلات التي يجب إدخالها على الترسانة القانونية للانتخابات (وله عدة إصدارات في هذا الباب) من أجل تحقيق عدالة تمثيلية كفيلة بإعادة الوهج للعمل السياسي في بلادنا، فالمواطن المغربي مسيَّس بالفطرة ولعل التجربة الفاشلة تلو التجربة الفاشلة هي التي ولّدت نوعا من الإحباط النفسي أو عدم الاهتمام.

كما يساهم المرصد في خلق النقاش العمومي من خلال الندوات والدورات التكوينية الموضوعية والتي ينظمها طيلة السنة والتي لم يمنع تفشي وباء كورونا من استمرارها.

إضافة إلى أن المرصد الوطني لحقوق الناخب يقوم بالملاحظة الانتخابية المستقلة والمحايدة منذ تأسيسه سنة 2009 وهي مناسبة للوقوف على واقع الممارسة الانتخابية فعليا بحيث تشكل فرصة لإعداد تقرير يؤرخ للمحطات الانتخابية ورفع توصيات إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان وإلى الرأي العام الوطني والفاعل السياسي بصفة خاصة.

الوسوم

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق