مقالات الرأي

ملاحظات على مسطرة التبليغ في ظل مشروع المسطرة المدنية (منتدب قضائي)

                   عمر الهواوي

   منتدب قضائي بمحكمة الاستئناف  بطنجة

هناك شبه إجماع بين مختلف الفعاليات الحقوقية المرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بمؤسسة القضاء ، على إن إشكالية البطء في حل القضايا المعروضة على المحاكم ، ترجع أساسا إلى الإشكاليات التي يطرحها التبليغ، بإعتبار هذا الأخير  يدخل في الجوانب الإجرائية للعملية القضائية  مما يفسر إهتمام المشرع به في مشروع إستعمال الوسائط الإلكترونية في الإجراءات القضائية ، بل إن المشرع في مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية أدخل تعديلات مهمة على الفصول المتعلقة به.

وإذا كان قانون المسطرة المدنية الحالي لم يقدم أي تعريف للتبليغ، وهو نفس الأمر الذي قام به المشرع في مسودة المشروع ، وإنما اكتفى بذكر الإجراءات الواجب سلوكها، فإننا يمكننا أن نعرفه في كونه إعلام الشخص بالإجراء المتخد في حقه أو لفائدته فهو وسيلة تهدف إلى الإشعار بالموضوع ويقوم على فكرة المواجهة لتحقيق مبدأ حق الدفاع ،وقد خصه المشرع بمراقبة محكمة النقض .

وأهمية التبليغ لاتخفى على أحد ، فهو من صميم القواعد الجوهرية للمرافعات لأنه يسعى إلى حفظ الحقوق ، لذلك نجد إن المشرع أفرد له مجموعة من الفصول ، سواء في المسطرة المدنية أو في مدونة التحصيل أو القانون المحدث للمحاكم التجارية.

لأنه ببساطة يهدف إلى تحقيق  أهم مبدأ من مبادئ المحاكمة العادلة كما هي متعارف عليها دوليا،وهو مبدأ التواجهية ،وهو الركيزة الأساسية لأهم حق من حقوق الدفاع .

وموضوع التبليغ وقواعده  سواء في القانون الحالي،أو في مشروع  القانون المنتظر،يطرح العديد من الإشكاليات  ،والفاعل الإداري والقضائي والممارس للإجراءات  التبليغ تعيقه مجموعة من العقبات.

فإذا كان المشرع في قانون المسطرة المدنية الحالي، قد نظم التبليغ في الفصول 37و 38و 39، فإنه عمل في مشروعه الجديد على إلغاء الفصل 37 وتعويضه بفصول جديدة حملت تعديلات كثيرة ،أهمها  تعديلين هامين، حاول من خلالهما المشرع تجاوز العراقيل التي يعرفها التبليغ في المسطرة الحالية ،ومواكبة عملية رقمنة المحاكم ،و إعتماد الإدارة الإلكترونية تماشيا مع مسلسل إصلاح منظومة العدالة ،وحسنا فعل المشرع رغبة منه في تسريع الإجراءات والمساطر، إلا أن هذا أظهر مجموعة من الملاحظات  نجملها كالآتي :

اعتمد المشرع على أسلوب فضفاض في التعبير على مستوى الصياغة التشريعية في عدد من المقتضيات المتعلقة بالتبليغ ،وهو ما سيؤدي لامحالة إلى فتح باب التأويلات، والتأويلات المضادة عند تنزيل مضامين هاته الفصول بالشكل الذي سيؤثر بالتأكيد على سير الإجراءات كقوله مثلا في المادة 37 : يمكن التبليغ بأي وسيلة للتبليغ بما فيها التبليغ الإلكتروني.

فتح إمكانية التبليغ الإلكتروني كعمل مسطري  يجب التعامل معه بحذر  كبير بل يجب أن تتوفر فيه مجموعة من الشروط ،أهمها أن يكون هدا الإجراء قانوني حتى يترتب عنه أثار قانونية،    ونظرا لما للتبليغ من أثار إجرائية مهمة من شأنها أن تمس المركز القانوني لأفراد الدعوى ،بل قد تؤدي إلى الإضرار بحقوقهم ومصالحهم وتؤثرفي الخصومة.

إذا كان التبليغ مبدئيا يعتبر عملية قانونية بين المبلغ إليه ومصلحة التبليغ وكدا بين الخصوم، فإن التبليغ الالكتروني يجب أن يراعي كل هاته الأطراف ،وإذا كان المشرع حسنا فعل بأن فرض على أصحاب المهن القضائية المختلفة من محامين وغيرهم إنشاء حسابات إلكترونية، ونفس الأمر بالنسبة للإدارات العمومية إلا أنه  ترك لباقي الأطراف الحرية في الإدلاء بعناوينهم الإلكترونية ولم يلزمهم بصيغة الإجبار.

إذا كان المشرع منح للتبليغ الإلكتروني نفس الحجية التي أعطاها للتبليغ التقليدي ،فإنه في نفس الوقت أحال مشروع القانون على النصوص التنظيمية لتحديد الكيفيات التقنية لعملية التبليغ الإلكتروني وهدا يطرح إشكال أخر.

المشرع نص على إلزامية تعيين المفوض القضائي والأداء المسبق على أجرته ،وفي نفس الوقت نص على إمكانية التبليغ الإلكتروني وهي عملية مجانية، مما يطرح سؤال بخصوص مآل صوائر التبليغ، أيضا المشرع لم يعرف بعض المصطلحات المهمة لما لها من أهمية وأثار في عملية التبليغ،       كالمنصات الالكترونية الرسمية ،وقاعدة البيانات والحساب الالكتروني، والعنوان الالكتروني .

المشرع لم يشر إلى مسؤولية الشركات الساهرة على الأنترنيت و منصاتها كطرف أساسي في الوسائط الإلكترونية المعتمدة في التقاضي عن بعد، خاصة فيما يتعلق بالسر المهني و القرصنة و جودة الصبيب، أيضا نصت الفقرة الأخيرة من المادة 58 من المشروع على وجوب إعادة إستدعاء الطرف الذي لم تحترم بالنسبة إليه المدة المحددة مابين تاريخ التبليغ واليوم المحدد للحضور إلى الجلسة متى تمسك هذا الأخير بالأجل المذكور، وهو ما يتنافى ومبدأ النجاعة القضائية الذي يعتبر أحد أهداف ميثاق إصلاح منظومة العدالة ،ولذلك نعتقد أنه كان على المشروع أن ينص على وجوب إشعاره بالجلسة المقبلة دون حاجة إلى إستدعائه من جديد لما في ذلك من إهدار للوقت وتمديد لأمد الدعوى دون غاية واضحة.

وأخيرا كانت هذه بعض الإرتسامات العامة الأولية على مشروع القانون فيما يتعلق بمسطرة التبليغ، وهو للأمانة جاء بإيجابيات أيضا من شأنها التسريع والدفع بعملية التقاضي للأمام ، لكن وجب التريث أكتر في إخراج الصيغة الأخيرة من النص إلى الوجود ، حتى  يتم أولا تجهيز المحاكم بالمعدات التقنية اللازمة ، وحتى يتم تانيا إشراك الجميع في إبداء الملاحظات والإقتراحات. على اعتبار أن التبليغ هو عصب عملية التقاضي لما تترتب عنه من آثار بالغة الأهمية في عملية التقاضي .

الوسوم

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق