مقالات الرأي

ما الدلالات السياسية لاختيار سعد الدين العثماني؟

مصطفى بوكرن

لا يمكن أن نفهم دلالة اختيار سعد الدين العثماني إلا بالتذكير ب”أسلوب بنكيران”، ولا يمكن أن نتحدث عنهما معا إلا بالتذكير بطبيعة النظام السياسي المغربي.

يعلم المغاربة جميعا – بعيدا عن نقاش دستور2011- أن الملك يسود ويحكم، أن الملك هو محور الحياة السياسية، هو الرياضي الاول، السياسي الأول، الفنان الاولى، الشاب الأول، المتدين الأول، المستثمر الاول..، فالملكية في المغرب ملكية تنفيذية، تبسط روحها في الواقع والمخيال، منذ قرون، بتقاليدها واعرافها وقيمها ومنطقها ولغتها..

ولذلك، فالنشاط الملكي، مادة أساسية في القنوات العمومية، وخاصة القناة الأولى، التي تعرض تدشينات الملك، ومشاريع الملك، وأوراش الملك، في البر والبحر في السماء والأرض، وقدم نموذجا للملك الذي يعمل بالليل والنار، الملك القريب من المواطن، الملك الذي يركب فرسه، ويزور المناطق البعيد داخل المغرب وخارجه.

ثم إن الملك محمد السادس، يخاطب باستمرار فئة الشاب، ويحاكي أزياءهم الشبابية، ليظهر قريبا منهم، ثم ما يقوم به في كل مناسبة وطنية، لتكريمهم وتوسيمهم، وتكريم كل الفئات، حتى يحافظ على قربه من المجتمع المغربي، آباؤنا حريصون على مشاهدة أخبار الأولى، لسبب واحد هو متابعة النشاط الملكي، بل إن بعض الامهات والآباء، يروقهم رؤية الملك في كامل صورته البورتوكولية، تشعرهم بان المغرب له تاريخ عظيم، فيعتزون بوطنهم وأمتهم المغربية.

صورة الملك، أمام شعبه، صورة أساسية مركزية، أي، الصورة الإعلامية، الوسيط الإعلامي، فهو الحبل السري بين المواطن والمؤسسة الملكية، التي تجعل المواطن يقر باستمرار قائلا:”الله يحفظ سيدنا كيخدم بالليل والنهار”، يدشن المشاريع ويتابع ويحب شعبه ويقترب منه..

*****

ماذا وقع حينما جاء بنكيران؟

بنكيران شخصية تكره البوروتكولات، تكره القوالب والأنماط، لأنها شخصية تبوح بكل شيء، تمارس إنسانيتها في كل أبعادها، ترى بنكيران كأنه “ظاهرة ثقافية” أكثر منها سياسية، فظهر بمظهر”الزعيم”، ولم يظهر بمظهر رجل الدولة، وهنا لنتأمل مقطعا من بلاغ الديوان الملكي الذي أعفى بنكيران من مهام رئاسة الحكومة “وقد أبى جلالة الملك إلا أن يشيد بروح المسؤولية العالية والوطنية الصادقة، التي أبان عنها السيد عبد الإله بنكيران، طيلة الفترة التي تولى خلالها رئاسة الحكومة، بكل كفاءة واقتدار ونكران ذات”، هذا المقطع لم يصف بنكيران “برجل الدولة” عكس باها رحمه الله، الذي وصفه بهذا الوصف، أي أن بنكيران، ظهر بمظهر الزعيم، الذي يطمح إلى أن يرى كل الشعب نفسه فيه.

بنكيران يحكي عن أمه مفتاحة الشامي رحمه الله، وعلاقته بها، فتعجب كل أم بهذه العلاقة الجميلة، بنكيران يحكي عن علاقته بزوجته نبيلة من الخطوبة إلى الآن، فتطمح كل ببنت بهذه القصة الجميلة، بنكيران يحكي عن قصته مع ابنائه، فيعجب الآباء به، بنكيران يبكي يضحك يغني يرقص يحكي الحكايات والنكت، بل يبوح بأشياء لا يستطيع أحد أن يفعلها…، بل جعل من بيته “بلاطا صغيرا” بطقوس معينة، الجلباب والقميص والتسبيح..ثم يقوم بهام يدينية بإلقاء المواعظ في المقابر..

وهو يفعل كل هذا، يظهر بمظهر الزعامة، إذ الزعامة، أن يرى غالبية الناس نفوسهم في الزعيم إلى درجة التماهي، وربط “علاقة نفسية” مع الزعيم، من الطفل الذي بكى في المحمدية إلى العجور التي تسأل عن بنكيران في أزيلال، إذا اصبح بنكيران مصلحا وقائدا روحيا وموجها لشعب كبير، لان ظهر بمنطق رجل الإصلاح لا بمنطق رجل الدولة.

******

من خلال المقارنة بين علاقة الملك بالشعب، وعلاقة بنكيران بالشعب، تجد بطريقة غير مباشرة، وربما لايدركها بنكيران، أنه يتنافس على الرموز اللامادية للسلطة، التي تؤثر في الجمهور.

رجل الدولة، له لباس واحد لغة واحد ..، لكن الملك له أكثر من لباس أكثر من اللغة، بنكيران كسر صورة رجل الدولة، وأصبح يتعدد كما يتعدد الملك في صورته امام الجمهور.

يلبس بذلة، ثم جلبابا، قميص، ثم لا يعقد اجتماعه في رئاسة المجلي الحكومة، بل في البيت، وفي البيت يخلق “بلاطا صغيرا” موازيا، له اعرافه وطقوسه وصوره وأكله ومنطقه.

بالمتابعة الدقيقة، تلاحظ أن هناك تنافس خفي، بين الملك وبنكيران في علاقتهما بالجمهور، لان بنكيران، هدم صورة رجل الدولة النمطي، وأصبح يلعب في ميدان “الملك” باستثماره للرموز اللامادية للسطة، السبحة، الأكثر من اللغة الدينية في بعض السياقات، تكرار صفة الزعيم، الأكثر متابعة على اليوتيوب، الاستطلاعات تؤكد أن بنكيران له شعبية كاسحة.

الملكية، ليست له مشكلة جذرية مع بنكيران، لان الأوراش الكبرى، أسهم فيها بنكيران، بحظ وافر وبكفاءة عالية حتى ول كانت قاسية على المواطنين، الملكية رات في بنكيران أنه ينافسها أساليب التأثير في الجمهور، ولا أدل على ذلك، أن بنكيارن يؤطر في الانتخابات أكثر من 300ألف مواطن، دون تغطية من وسائل الإعلام العمومي، أما لو كانت التغطية، فهذا أمر آخر.

الملكية، تحملت أسلوب بنكيران وشخصه خمس سنوات، ودار المخزن، بكل تاكيد فكرت بطريقة ما ليذهب بنكيران ليستريح قليلا، بطريقة معينة.

نعلم أن المخزن المغربي ليس مخزنا استئصاليا، هو يقوم بعمليات جراحية هادئة، لانه يمتلك النفس الطويل.

ففي حالة بنكيران حول تقريبا غالبية مناضلي الحزب إلى معجبين بما فيهم بعض البرلمانيين “يأخذون معه السيلفي” ثم إن جمهور بنكيران واسع جدا، وفعلا إن بنكيران لعب دورا كبير في فوز البجيدي، مفارقة عجيبة جدا، إجراءات حكومية قاسية، لكنه فاز في الانتخابات، السر في بنكيران نموذج في نظافة اليد وخطاب وشخصية شعبة مذهلة.

******
ما معنى اختيار سعد الدين الثعماني؟

الإجابة واضحة، الدولة لا مشكلة لها مع البجيدي الحزب الذي يشتغل بإتقان لتنفيذ الأوراش الملكية، جاء ليساعد الملكية ويعاونها، الملكية لازالت في حاجة إلى الحزب، في هذه المرحلة، ولا تتحمله أن يخرج إلى المعارضة، تريده أن يستمر، لكن من غير “البلدوزر” بنكيران “الزعيم الفريد”.

اختارت نقيض بنكيران في “الأسلوب”، سعد الدين الثعماني، عالم آخر، في اللغة في التواصل في العلاقات..أبرد من الثلج..له قدرة هائلة على ضبط الانفعالات بشكل عجيب ومثير، لا يبوح يحب الصمت.

إذن الرسالة واضحة، الدولة تريد إنهاء أسلوب رجل اسمه بنكيران في الشأن العام، لأنه لا يريد أن يكون رجل دولة بل يريد أن يكون زعيما سياسيا، والمؤسسة الملكية، لا تقبل هذا النوع من الزعامات، لان في الملك زعيم واحد الملك محمد السادس.

وسعد الدين العثماني تم اختياره بعناية، لأنه لايريد أن يكون زعيما لأنه لا جمهور له، بل هو رجل عمل، سيتقن وظيفته في علاقته مع الملك، وينتهي الأمر.

ثم إن الاختيار، ليس اختيارا موجها للأحزاب التي ستشكل الحكومة، بل هو موجه إلى الداخل الحزبي، فسعد الدين العثماني، عملية جراحية ناجحة بالتنويم المغناطيسي، لكل أبناء البجيدي الذين لن يتجراوا على رفض سعد الدين الثعماني لما له من مكانة، فهو قيمة وقامة دولية ووطنية.

من سيرفض تعيين الملك لسعد الدين الثعماني؟!!

سعد الدين العثماني هو صفحة جديدة لطي أسلوب بنكيران، أما منطق البجيدي في علاقته بالدولة سيستمر وهو منطق محافظ عادي جدا، لا يهدد هوية الدولة، وهو تلميذ نجيب في تنزيل المشاريع والمخططات.

ماذا سيفعل بنكيران بأسلوبه الذي صنعه لسنوات، حتما سيدخله في بيات طويل، وإلا سيصف أفتاتي الذي يشوش على سعد الدين العثماني..ويالها من مفارقة عجيب!!!

ويمكن أن اقول في الأخير:

القصر قال للبيجيدي أخطاتم التمديد لابنكيران في ماي 2016، وهنا أتددخل في شأنكم الحزبي؟!!!

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق