المضيق الفنيدقسلايدر الرئيسيةسياسة

التفاصيل الكاملة لليلة سوداء على أبواب سبتة

مواجهات عنيفة بين الأمن والمتظاهرين ومتابعة إعلامية مكثفة للإعلام الإسباني

(أيوب حسني-جريدة المساء)

شهدت مدينة الفنيدق، مساء الجمعة الماضي، وبالضبط وسط المدينة بشارع الحسن الثاني، وقفة احتجاجية حاشدة شارك فيها المئات من المواطنين يمثلون شرائح مختلفة من ساكنة المدينة، بينهم شباب وفتيان ونساء، حاولوا إسماع أنينهم الذي امتد لأشهر طويلة حتى ما عادوا يطيقونه. وووجه هذا الشكل الاحتجاجي السلمي والعفوي بتدخل أمني صارم وشديد، تطور بشكل نسبي إلى مشاحنات بين عناصر القوات المساعدة وبعض الشباب الناقم على الوضع، انتهى بتسجيل اعتقالات في صفوف بعضهم، فيما سجلت مصادر طبية إصابات غير خطيرة في الطرفين.

ومرد هذه الاحتجاجات وفق المعطيات التي استقتها “المساء” من السكان مباشرة، هو حال الكساد الذي يسيطر على المدينة الحدودية بسبب إغلاق معبر باب سبتة، حيث دخل نسيجها الاقتصادي المعتمد أساسا على التجارة والسياحة والنقل والخدمات، في حالة ركود مزمن أشبه بالموت البطيء. وأسفرت هذه الأزمة التي استمرت زهاء عام كامل، عن تسجيل ارتفاع صاروخي في معدل البطالة بالمدينة وتراجع خطير في مؤشرات الرواج التجاري جعلت تجارا كانوا بالأمس القريب مستورين وميسوري الحال، يعانون الفاقة والفقر. أما العمال المياومون فقد بلغ بهم البؤس درجات لا تحتمل بعد استنفاذهم جميع مواردهم وبيعهم أثمن ما تحتوي عليه دورهم من أثاث من أجل لقمة العيش.

معبر ذل وخبز

صحيح أن معبر باب سبتة رمز دوماً إلى الذل بسبب إذلاله للمواطن المغربي خاصة المرأة، بعد تحوله إلى “وسيلة نقل” مكتراة تحمل على ظهرها سلع وبضائع توجد في ملكية أباطرة كبار، مقابل مبالغ زهيدة قد تزيد وتنقص حسب مؤشرات السوق. ولم تدخر هيئات حقوقية محلية ودولية جهدا في الدفاع عن كرامة هذه الفئة من ممتهني التهريب المعيشي، فأثمرت نضالاتها بعض الإصلاحات اللوجيستية والتقنية الطفيفة، خاصة من الطرف الإسباني سعت بشكل نسبي، إلى “أنسنة” هذا النشاط غير القانوني لكن المسموح به. غير أن هذا المعبر الذي وصفته أقلام إعلامية وطنية ب”معبر المذلة”، كان له وجه آخر، فقد كان يوفر للآلاف من المواطنين مورد رزق رئيسيا يعيلون به أسرهم ويوفرون منه لأطفالهم ضروريات العيش التي تغنيهم عن السؤال. لذلك، فبقدر المهانة التي يقاسيها ممتهنو التهريب المعيشي سواء من الاكتظاظ أو التدافع أو ثقل حمولة السلع أو المعاملة السيئة والعنصرية أحيانا من عناصر الحرس المدني الإسباني، وبقدر خطر الموت الذي يتعرضون له يوميا نتيجة تدافع المئات حول بوابة تسع بضع أشخاص، فقد كانت للمعبر أهمية سوسيو-اقتصادية جعلته محور الحركة الاقتصادية لمدينة الفنيدق وللمدن المجاورة.

فقر، بطالة وهشاشة

ومع اتخاذ السلطات المغربية، قبل سنة كاملة، قرارا أحاديا يقضي بإغلاق معبر باب سبتة بشكل نهائي أمام نشاط التهريب المعيشي، كانت تدق دون أن تدري آخر مسمار في نعش الاقتصاد المحلي الذي دخل منذ ذلك التاريخ في أزمة حادة مافتئت تتفاقم في ظل غياب فرص العمل عن المنطقة. وأثّرت الأزمة بشدة على الطبقات الكادحة، ولم تسلم منها حتى الطبقة المتوسطة خاصة التجار والحرفيين وأرباب المقاهي والمطاعم. فولّد الوضع الجديد المئات من العاطلين الجدد الذين كانوا بالأمس القريب يعيلون أسرا فصاروا هم وأسرهم عالة على غيرهم. وتحكي شهادات صادمة لمواطنين من قدماء ممتهني التهريب المعيشي ل”المساء” كيف تدهورت أوضاعهم المادية فصاروا لايجدون ما يطعمون أبناءهم وأصبحوا مهددين بالإفراغ من مساكنهم لتراكم مستحقات الكراء، فصار شبح التشرد يطاردهم، بل طال فعلا المئات منهم راميا بعضهم إلى التسول وآخرين إلى الانتحار أو المخاطرة بحياتهم وركوب الموج لبلوغ الضفة الأخرى.

وكورونا تفاقم الوضع…

وما زاد من شدة الأزمة الاجتماعية والاقتصادية بمدينة الفنيدق بعد إغلاق معبر باب سبتة، هو بروز جائحة كورونا التي قطعت الطرقات بين المدن وأغلقت المقاولات وأوقفت حال عدة أنشطة، ما أصاب الاقتصاد المحلي في مقتل.
فالمنطقة تتميز بإمكانياتها الطبيعية الممتازة من شواطئ خلابة وطقس معتدل تجلب إليها عشرات الآلاف من السياح المغاربة الذين يحجون إلى مدن الشمال من كل حدب وصوب بحثا عن الاستجمام على شواطئها المميزة، لكن “كورونا” كان لها رأي آخر، فحرمت القطاع السياحي المحلي من مداخيل هامة جدا متسببة في قطع أرزاق الآلاف من المواطنين الذين يستفيدون من الرواج السياحي بشكل مباشر أو غير مباشر. فكانت كورونا بمثابة الرصاصة الأخيرة التي وأدت آخر آمال ساكنة الفنيدق في إنعاش الاقتصاد المحلي.

موت برائحة رغيف الخبز

وكلما مرت الأيام على ساكنة مدينة الفنيدق الهادئة وهي في أزمتها الاقتصادية الخانقة، كلما ارتفع منسوب اليأس تدريجيا لدى شباب المدينة الذين فقدوا الأمل في عودة الطوابير إلى المعبر الحدودي، فوجه المئات منهم أنظارهم نحو الضفة الأخرى آملين في معجزة تنقذهم من المأساة. وشهدت سواحل المدينة محاولات يومية لركوب البحر نحو شواطئ شمال البحر المتوسط أبطالها فتيان وشبان في مقتبل العمر، غير أن عددا من هذه الرحلات البحرية السوداء عرفت نهايات مأساوية، حيث سجل نشطاء حقوقيون محليون غرق ستة شبان في عرض البحر في محاولة منهم للوصول الى “النعيم” الأوروبي بعدما سئموا من تردي الأوضاع المحلية.

تأخر قطار البدائل

أجمع الفاعلون الحقوقيون الذين التقت بهم “المساء” بمدينة الفنيدق على تأخر قطاع التنمية المستدامة و البديلة التي طرحتها الحكومة لتعويض الآثار المباشرة لقرار توقيف نشاط التهريب المعيشي بمعبر باب سبتة، مشددين على أن الحسم في قرار إغلاق المعبر الحدودي كان الأجدر به أن يتزامن مع الشروع في استغلال المشاريع الاقتصادية البديلة حتى لا يسقط النسيج الاقتصادي المحلي في مرحلة فراغ قاتلة. وتلخصت هذه الدينامية التنموية البديلة في إعطاء انطلاقة أشغال إنجاز منطقة الأنشطة الاقتصادية للفنيدق في شهر يونيو الماضي، والتي ستخصص للتجارة والصناعات التحويلية الخفيفة، ويتعلق الأمر بأشغال إنجاز شطر أول يمتد على 10 هكتارات من مشروع ينتظر أن يمتد على مساحة إجمالية تناهز 90 هكتارا.

وتهدف منطقة الأنشطة الاقتصادية للفنيدق، التي تقع بضواحي مدينة الفنيدق، من بين أمور أخرى، إلى خلق فرص الشغل لامتصاص ظاهرة البطالة التي ارتفع معدلها بسبب توقف النشاط التجاري على مستوى معبر باب سبتة، وهي الوضعية التي ازدادت تعقيدا جراء الأزمة المرتبطة بجائحة كوفيد -19. وسيساهم هذا المشروع الذي تسهر وكالة إنعاش وتنمية أقاليم الشمال على تنفيذ الأشغال الخاصة به، وأسندت مهمة المكلف بالأشغال المفوض للوكالة الخاصة طنجة المتوسط، في توفير بدائل مدعومة بإنشاء منصة لنقل السلع القادمة من مدينة سبتة عبر ميناء طنجة المتوسط. وأفادت وكالة إنعاش وتنمية أقاليم الشمال أن الشطر الأول من المشروع سيدخل حيز الخدمة ابتداء من صيف 2021 بعد 12 شهرا من الأشغال، موضحة أنه سيتم إنجاز أشطر أخرى وفقا للطلب. كما ستعرف المنطقة إطلاق عدة مشاريع من بينها إنجاز مركز تجاري يضم العديد من العلامات التجارية الكبرى في عالم الديكور والملابس الجاهزة.

احتقان طبيعي واحتجاج تلقائي

أكد مرصد الشمال لحقوق الانسان انه منذ سنة 2016 التي بدأت تعرف سلسلة من الوفيات المتعددة لنساء ورجال يشتغلن في التهريب بالمعبر الحدودي بباب سبتة المحتلة بسبب التدافع، وهو يطالب مرارا وتكرارا، عبر قنوات متعددة، بضرورة ايجاد حلول فعالة وعاجلة بهدف إخراج المنطقة من الحالة التي وصلت اليها باعتمادها على التهريب إلى منطقة تقوم على تنمية حقيقية تنموية حقيقية حياة وكرامة المواطنين والمواطنات بالمنطقة، وذلك باستثمار مؤهلات المنطقة الغنية وعلى رأسها ميناء طنجة المتوسط، لكن تم إقصاء أبناء المنطقة من فرص العمل بميناء طنجة المتوسط وبالمؤسسات الملحقة به كما جرت العادة بذلك، وفق توصيف ذات الهيئة الحقوقية. كما لفت المرصد إلى فشل السلطات الإدارية والمنتخبة في الدفع بالمنطقة سياحيا، بسبب سوء التدبير والفوضى، ففقدت المئات من مناصب الشغل بسوء تدبيرها لمواسم الصيف، فيما ظلت أموال الجماعات الترابية ومشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية توزع بعيدا عن الشفافية والعقلانية ويشوبها الكثير من سوء التدبير، وتوقف غامض وغير معلن لمنطقة الأنشطة الاقتصادية بالفنيدق ومرتيل.

ورغم أن مؤشرات الاحتقان المتصاعد كان واضحا خصوصا بين الشباب، حسب مرصد الشمال لحقوق الإنسان، لكن السلطات المركزية والمحلية وضعت أصابعها في آذانها، زكتها نخب سياسية هشة وعاجزة وسلطات بيروقراطية وانتشار الريع والفساد، حسب منطوق بلاغ مرصد الشمال لحقوق الإنسان الصادر بهذه المناسبة. وكرر المرصد في ذات البلاغ تأكيده على حق الشباب والفئات الاجتماعية المتضررة مما آلت اليه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في التظاهر السلمي للتعبير عن مخاوفهم وآمالهم.

لا ترخيص.. لا احتجاج..

وصفت السلطة المحلية بمدينة الفنيدق الوقفة الاحتجاجية ب”غير المرخصة”، وبكونها تشكل “خرقا لمقتضيات حالة الطوارئ الصحية” حيث تسببت في قطع الطريق العام، مما اضطرت معه السلطات العمومية للتدخل في امتثال تام للضوابط والأحكام القانونية لفظ هذا التجمهر.
وخلال هذا التدخل، وفق بلاغ السلطات، قام بعض المحتجين برشق أفراد القوات العمومية بالحجارة، مما أسفر عن إصابة 6 عناصر، تم نقلهم إلى المستشفى لتلقي الإسعافات الضرورية، كما تم نقل 10 أشخاص إلى المستشفى أيضا، على إثر تسجيل حالات إغماء نتيجة التدافع وسط المحتجين. هذا، وقال ذات البلاغ إنه تم فتح بحث بخصوص هذه الأحداث تحت إشراف النيابة العامة المختصة.

لغة الخبز

أكد عمر الياسيني الناشط الحقوقي المحلي بمدينة الفنيدق، في تصريح ل”المساء”، أن ما وقع ليلة الجمعة بمدينة الفنيدق كان متوقعا لعدة أسباب أبرزها إغلاق معبر باب سبتة في وجه ممتهني التهريب المعيشي الذي كان يعتبر المورد الوحيد لعدد ليس بالهين من ساكنة الفنيدق، موضحا أن هذا المورد كان يخلق سيولة وتدفقات مالية مهمة كانت تخلق رواجا تجاريا تستفيد منه عدة قطاعات تجارية ومهن وحرف. وبعد إغلاق المعبر، تسبب هذا القرار، يضيف ذات الفاعل الحقوقي، في شلل تام مسّ جميع القطاعات التجارية والمهنية وخلق أزمة اقتصادية خانقة، سيما أن مدينة الفنيدق لا تتوفر على مصانع أو معامل يمكنها أن تعوض قرار الإغلاق. وأسفرت هذه الأزمة الاقتصادية، حسب ذات المصدر، عن تفاقم الأوضاع بشكل صعب، فكان من الطبيعي أن تندلع احتجاجات بالمدينة لأن الوضع مأساوي وأغلبية شباب الفنيدق يفضلون الهروب عبر البحر، والهروب من مخالب الفقر والتهميش والضياع. وأصبح هذا الأمر ، يشدد عمر ياسيني، يفرض على المسؤولين القيام بمبادرات جدية وعملية لبلورة بدائل اقتصادية في المدينة تفاديا للأسوأ لأن “الجيوب الفارغة لا تخشى العواقب والبطون الجائعة لا تعترف إلا بلغة الخبز”.

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق