مقالات الرأي

و ماذا بعد رئاسة الحكومة ، يا عبد الاله ابن كيران ؟

بعد سنوات التسيير على رأس الحكومة ، التي لا شكّ أنّها كانت شاقّة على “عبد الاله ” ، ليس لثقلها كأيّ مسؤولية فقط و لكن لشدّة المقاومة التي يلاقيها كلّ من نوى و برمج محاولة إصلاح ما فسد و أُفسد لسنوات مضت ، بل و اضطراره من أجل ذلك إلى خوض حرب غير متكافئة و غير شريفة استُعملت فيها أسلحة لا تخطر على بال ، و تلقّى خلالها ضربات تحت الحزام من خصومه ، بل و في بعض الأحيان مِن مَن يفترض أنّهم حلفاؤه أو شركاءه .

لا أعتقد أنّ “عبد الاله ابن كيران” كان يتوقّع أن يتسلّم رئاسة الجهاز التنفيذي يوم فكّر في تطليق أساليب العمل السرّي في التّغيير بدون رجعة لصالح التغيير و الدّعوة إلى الإصلاح من داخل المؤسّسات و تحت نور الشّمس ، و لا أعتقد أنّه كان يقدّر حجم الإصلاحات التي سيحقّقها و لا حجم التّنازلات التي سيقدّمها و الأحلام التي سيتخلّى عنها ، حين كان يحدّد الأسقف و البرامج عشيّة تسلّم رئاسة الحكومة  .

و لا أعتقد أنّ الذين يعرفون “ابن كيران” منذ الشّبيبة و الجمعية و الحركة و الحزب ، و الذين يعرفونه من خلال جريدة الإصلاح و الراية و التجديد ، أو الذين عرفوه فقط منذ تولّيه رئاسة الحكومة يخاطب البرلمانيين و المواطنين و الصّحافة ، أو كأمين عام لحزب العدالة و التنمية يؤطّر المهرجانات الحزبية و الانتخابية ، لا أعتقد أنّه يخطر ببالهم أنّه يستطيع العيش دون أن يتنفّس هواء العمل و الحركة ، أو يستكين إلى سّبات الفصول الأربعة بهذا المبرّر أو تلك الحجّة .

ربّما اعتاد بعض السيّاسيّين حين انتهائهم من مسؤوليات حكومية متتالية و متعدّدة أن لا يعودوا إلى بيوتهم و حياتهم و مشاغلهم الخاصّة ، و لكن بدل ذلك تُسند إليهم مهام استشارية جديدة أرقى من سابقاتها ، أو مهام خارج الوطن يعتبرونها مكافأة خدمات سابقة أو استراحة نهاية المشوار . فهل ستحدو يا “عبد الاله ” حدوهم و تؤكّد أنّك بالفعل تعرّضت لعملية اغتيال سيّاسي مقنّع ؟

لا أظنّك فاعلا ذلك غدا ، و لا أنصحك به ، و إلّا لن تتميّز عن أولئك الذين امتهنوا السيّاسة حرفة مدرّة للثّروة الماديّة و اعتبروها سلّما لتسلّق أعلى الدّرجات ، و حين تنتهي تلك الدّرجات أو يُنتهى منهم و تنقضي مدّة صلاحيّتهم يتقاعدون من الفكر و السيّاسة و ما إليهما و يتفرّغون للمال و الأعمال و ما جاورهما .

و قد نلاحظ احتجاب بعض السيّاسيين و انكفاءهم على أنفسهم أو خفوت إشعاعهم بعد أن كانوا في أوج نشاطهم خلال تقلّدهم مسؤوليات حكومية سواء علا شأنها أو تواضع ، أو على الأقل يدخلون دائرة الظلّ فلم نعد نسمع لهم صوتا و لا نحسّ لهم حركة ، و الحقيقة أنّ ذلك يعتبر انتحارا فكريّا قبل أن يكون وفاة سيّاسيّة . فهل ستخمد جذوتك يا “عبد الاله ” بعد أن استمرت متّقدة طيل سنوات ، بل و أشعلْت بها الفضاء التّنفيذي و التّشريعي  و الإعلامي و كذلك الفضاء الأزرق ؟

لقد أخطأ من تنبّأ بذلك ، و أنصحك أن لا تستكين  لتكذّب النبوءة ، و إلّا فلن تكون أنت هو أنت ، صاحب الرّسالة الحضاريّة و الدعوة إلى الإصلاح التي لم تتوقّف و لن تتوقّف بانتهاء مرحلة تقلّد هذه المسؤوليّة ، رسالة قد تبتدأ بتعريف المعروف و الدّعوة إليه و إنكار المنكر بما نقر في القلب و صدّقته حمرة تعلو ملامح الوجه و تنتهي إلى ما لا نهاية . لن يخسرك حزبك و لا وطنك بإعفائك من رئاسة الحكومة  إن ظللت كما عهدك ، دائم الحركة تبذل من ما تيسّر لك من مال و علم و وقت و نصيحة ، لا سيّما و قد تسلّحت بخمس سنوات من تجربة رئاسة الحكومة خبرت خلالها قليلا من دواليب الحكم و رأيت عن كتب في غرفة المحرّكات بعضا من (الماكنات) التي تحرّك السّفينة و علمت أيّ طاقة تستعمل لذلك ، و من يشغّلها و من يعطّلها و يهمل صيانتها و من يحمل همّها و يحاول إصلاحها ، خمس سنوات سِمَان يقدّمن لك مادّة خصبة لتوثيق هذه التّجربة و تقديمها على طبق من ذهب لمن شهدها و لمن لم يشهدها من أجل العبرة و الدّراسة و النّقد و التّقييم .

لا أظنّ أنّ رُؤيتك للوطن داخل الفضاء العربي الإسلامي و الدّولي ، و نظرتك للمجتمع و للمواطن المغربي ، و مقاربتك لمعادلة الحقوق و الواجبات هي نفسها قبل و خلال ترأسك للحكومة ، و لن تكون كذلك بعد إعفائك منها ، فهلّا برمجت جولات في كلّ تراب المملكة للنّظر عن كتب فيما تغيّر بعد خمس سنوات ، أين نجحت و أين فشلت ، ما الذي انتهيت منه و ما الذي لازال ينتظر و ما الذي يحتاج إعادة النّظر ، و ما الذي لم تحط به علما من الأصل ، و ما الحاجيات الغير معبّر عنها بعد ، لعلّك تستطيع  النّظر بعين مواطن الجبل و السّهل و الصحراء و المدشر ، العامل و العاطل و الموظّف و التّاجر ، ميسور الحال و الغني و الذي يعيش حياة الفقر .

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق