مقالات الرأي

“إذا كانت إسپانيا هي المشكِلة؛ فإن الحَل يكمن في أورپا..” !

مَثّل يومُ 22 نوفمبر من سنة 1975 حدثا استثنائيا في التاريخ الراهن للجارة الإسپانية؛ حيث عادت المَلكية البوربونية في شخص الملك السياسي (خوان كارلوس) إلى مقصورة الحكم في البلاد عقب وفاة فرانكو. ورغم أن الملك المعزول سابقا (دون خوان دي بوبربون) كان مقيما في مدريد؛ إلا ان رياح الحالة السياسية في إسپانيا جرَت بما لم يكن يشتهيه (الدّون)؛ وآلت الأمور لابنه، الذي شاءت الأقدار أنْ يتولى الحكم في مرحلة دقيقة وحرجة، أدارَها بكفاءة واقتدار وسياسة متفطّنة لما كانت تعتمل به الحياة السياسية والاجتماعية والتحولات الجذرية في إسپانيا؛ وسعى لبناء توافقات واسعة وجدية مع مختلف الفرقاء، ورضي ببقاء الدكتاتور (بابلو نابارو) رئيسا لحكومة تضمُّ كافة أركان النظام الفرنكاوي، فضلا عن الجيش وأجهزة الأمن التي كانت بيَد قادة لهم عقيدة فرنكية قومية متصلّبة؛ ثم كان أن أُتيحت له فرصة تعيين رئيس البرلمان الذي كان يثق فيه، إضافة لاقتراحه أسماء وزارية في تشكيلة حكومة نابارو.. وغيرها من الإجراءات التي تسلل بها إلى مواقع السلطة الحقيقية، ووسّع به طموحاته في التأسيس لمرحلة جديدة لإسپانيا.
ابتسم الحظ للملك وللشعب – مِن قلْب لحظات حالكة وصعوبات جمّة – بأن استثمر في بعض التعديلات القانونية ليصير له حق اقتراح اسم واحد من بيم ثلاثة أسماء لتشكيل حكومة جديدة عقب اغتيال الجنرال نابارو؛ فكام أن وَقع اختياره على الرجل الاستثنائي والسياسي المخضرَم (أدُلفو سواريز) لترؤس الحكومة، والشروع العملي في إنجاز الانتقال الديمقراطي المنشود؛ وذلك بمعية قادة سياسين شباب مدّوا جسور الثقة مع الملك وراهنوا عليه ووثقوا بسعيه نحو آخراج إسپانيا من ضيق الاستبداد والتخلف إلى رحابة الديمقراطية والتقدم واللحاق برَكب أورپا؛ وتسنم زعامة البلدان الناطقة بالإسپانية عبر العالم.. ؛ وكان ما كان مما لا يسمح الحيّز بذكره من أحداث وتحولات عاشتها الجارة الإسپانية منذ 1976 إلى اليوم.
حُقَّ للإسپان أنْ يفخروا بأعظم ثورة سلمية هادئة أنجزوها في القرن العشرين؛ متوافقين، متكاتفين، أعينهم على المستقبل، وعُمْلَتُهم الصّدق في الممارسة الديمقراطية، والحقيقة في السياسة، وسياسة الحقيقة.. ، وحُقَّ للقوى السياسية ولقادة أحزاب مرحلة الانتقال الديمقراطي (سانتياغو كاريللو، فيليپي غونزاليث، فيرناندو براغا، أنطونيو كاستيللو، أدلفو سواريز..) الاعتزاز بأنفسهم ورُشدِهم وإسهاماتهم النوعية سواء من موقع الحكومك أو المعارَضة..، وحُـقَّ لـ (خوان كارلوس) أن يجنح للراحة بانتشاء واعتزاز بعدما أرسى قواعد ملكية ديمقراطية إصلاحية دستورية، وكان – إلى جانب آخَرين – فارسَ الانتقال الديمقراطي وقائد الازدهار التنموي والرائد الذي لا يَكذِبُ أهلَه.
صفوة القول؛ سؤال بسيط: لِـمَ نَجح الانتقال الديمقراطي في إسپانيا وتعثّر في المغرب؛ ولكِلا البلدين سياقات ونخب ومَلكية وإرث تاريخي ومراحل استعمار وتخلُّف وتكاد تكون مشابِهة، وبخاصة في بعض مراحل التاريخ الراهن؛ ناهيك عن التقارب الجغرافي والتحديات المشتَركة والتأثير والتأثُّر المتبادَل؟!!
/ تحياتي
ع. بن صالح

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق