سياسة

رشيد الزبير يكتب : رهانات البحث العلمي واقع وممارسة

لكل مهمة في الحياة مشاق وأمجاد، ومسالك وآفاق. ولعل هذا القول يصدق على مجال البحث العلمي كما يصدق على غيره من المجالات التي تناط في إطارها بالمرء مهمة ما من أجل تحقيق هدف معين. والحقيقة أن السعي لتحصيل المعرفة العلمية واستثمار الوسائل والآليات المتاحة لإثراء هذه المعرفة وتعزيزها يمكن أن يمنح المرء أو بالأحرى الباحث فترات قد تقصر أو تطول من المتعة الرائعة التي يصاحبها الوعي بومضات الإلهام، ونفاذ البصيرة، والتوجّس والنّبش ومحاولة كشف الأسرار واستكناه الحقائق في إطار من المجازفة والتحدي. وإذا كان المرء محظوظاً فإن هذه اللّحظات تعوض، بل وترجع الأيام الطويلة الأخرى التي لا تنطوي للأسف إلاّ على الكدح الشاق العقيم.

ولا مراء في أن البحث العلمي أصبح اليوم يحظى بأوجه العناية والرعاية التي تروم الارتقاء بالمجتمع بما يجعله قادراً على مجابهة عدد من التحديات وسد جملة من الاحتياجات الأساسية وتحقيق الطموحات المادية والتعليمية والثقافية…وفي هذا الإطار يجدر بنا أن نتساءل عن الدواعي التي تحرك الأفراد لخوض غمار البحث العلمي.

لا شك أن هناك أسباباً كثيرة ومتنوعة تصنع تلك الدواعي لعل أبرزها دافع حب الاستطلاع الفكري. وفي هذا الصدد قد نواجه تبايناً ومصدراً لاحتمال سوء الفهم، واحتكاكاً بل وعداء . فالبحث من أجل البحث أصبح هذه الأيام ينظر إليه بعين الارتياب، إن لم نقل بعين الاستياء. ذلك لأنه استقر مناخ من الرأي لم يعد يتقبل دافع حب الاستطلاع كسبب كاف في هذا المجال . وكثيراً ما يقال عن البحث العلمي بأنه مهنة ممتعة ولكنه ومع ذلك ترف مغالى فيه.

إن الحديث عن البحث العلمي اليوم لا يزال حديثاً باردا،ً لم يتحول بعد إلى خطاب دافئ، قد يرجع ذلك إلى ضعف العمل المشترك. فعلى الرغم من وعي الباحثين بأهمية هذه المسألة، فإن هذا الوعي لم يتجاوز المستوى الذاتي إلى مستوى الوعي الجماعي المشترك، حيث يعد البحث العلمي نسقاً من المعرفة المعمّمة التي تقدم تفسيراً حقيقياًّ للجوانب المختلفة للواقع، إذ يسعى إلى حل مشكلات ملحة أمام المجتمع، عن طريق تصميم النّشاط المعرفي ونتائج الممارسة بعد التحقق من الواقع والعمل على تفسيرها، حيث يكتسي البحث العلمي القدرة على التعبير كلما كان معبراً عن هموم حامله. والتراكم التاريخي للمعرفة العلمية هو مايجعل هذه المعرفة دون تلك قادرة على التعبير وعلى توحيد الفكر.

ولقد أصبح الاهتمام المتزايد بالبحث العلمي في الآونة الأخيرة أحد سمات ومميزات العصر الحديث، ويعكس هذا التطور الملحوظ بالأساس إلى استعمال آليات البحث المتقدمة لتسهيل عملية الوصول إلى المعلومة للتفريق بين دول هي رائدة للتنمية في مجتمعاتها، وأخرى تسعى إلى اللحاق بالركب. والبحث العلمي هو أساس كل تنمية وتطور سواء في المجال الاقتصادي أو الاجتماعي. وإذا كان الاهتمام بالبحث العلمي أصبح ضرورة ملحة في دول تسعى إلى الرقي بجودة البحث العلمي وأساليبه، فإنه أصبح لزاما على العاملين في هذا المجال أن يوفروا الإمكانات والوسائل الكفيلة برفع منسوب المردودية و الارتقاء بمكانة البحث والباحث. وفي ذات السياق ينبغي أن نضع نصب أعيننا أنه إذا ما أردنا أن يبرز الطالب الباحث مكانته ويثبت جدارته وكفاءته ، فإنه لا مناص من أن تتاح الفرصة أمامه للمشاركة في الندوات العلمية والمحاضرات المصاحبة في الجامعة أو خارجها. حيث يعد الطالب الباحث من الأشخاص الذين يبذلون مجهودات جبارة من أجل الوصول إلى تفسير الحقائق وحل المشكلات بما يساهم في تقديم إضافة نوعية للعاملين في مجال البحث والتقصي. وإذا ما ألقينا نظرة تأملية وفاحصة على واقع البحث العلمي ، فإننا لا ريب سيتملكنا الأمل في أن يتغير الحال إلى واقع أفضل من أجل إبراز المكانة العلمية والقيمة المضافة لهذا البحث من خلال تقديم المساعدة وتصحيح ما يمكن تصويبه وفق رؤية سالمة ممنهجة، وعلى الباحث أن يختار الطريق الأنسب لمنهجيته حتى يتماشى مع الموضوع المراد العمل عليه لتقديمه كمشروع بحث علمي قيم. فالوصول إلى الحقيقة عبر البحث بشتى الطرق والوسائل ليس بالسهولة الممكنة، لذلك يجب على الباحث أن يكون أميناً في آليات بحثه من جمع للبيانات والتأكد من مصدرها، وأن يكون حيادياً لا ينحاز لأهوائه الشخصية خلال مختلف مراحل البحث.

نخلص ما سبق ذكره يتضح إلى أن البحث العلمي هو سمة من سمات التطور الاقتصادي والاجتماعي، ومن ثم فإن أهميته في العصر الحديث قد تعاظمت حتى أنه صار هو الفارق المميز بين النماء والركود، بين التقدم والتراجع، بين الغنى والفقر ، بل إننا نزعم أن البحث العلمي أصبح قريناً ملازماً للعملية الإنتاجية، ودافعاً لها وموسعا آفاقها، وفاتحاً أبوابها على مجالات لم تكن في الماضي ممكنة.

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق