مقالات الرأي

في تفسير السلوك السياسي لإلياس العماري بعد السابع من أكتوبر

بلال التليدي
صدر عن قيادة حزب الأصالة والمعاصرة بعد اقتراع السابع من أكتوبر سلوكان سياسيان، الأول هو مبادرة المصالحة التي تصرفت إلى حد الساعة عبر مقالين اثنين نشرا بموقع هسبريس، والثاني، بمذكرة يعتزم البام توجيهها للملك تخص المطالبة بتعديل دستوري خاصة للفصل 47 من الدستور لجهة إدخال مقتضى جديد يمنح الحزب الثاني صلاحية تشكيل الحكومة في حال عجز الحزب الأول عن تشكيلها، وذلك كله ضمن مسمى ملأ الفراغ الدستوري.
البعض قرأ في مبادرة المصالحة أنها موجهة إلى الأحزاب السياسية، والحال أنه يصعب سياسيا أن نتأولها بهذه الطريقة نظرا للتناقض الذي يفترض حصوله بين الدعوتين (الدعوة للمصالحة، والدعوة لتعديل الدستور) فلا يمكن لـ”البام” أن يدعو إلى المصالحة مع “البيجيدي”، ويدعو في الوقت ذاته إلى مطلب يعتبر في عمقه نسفا لهذه المصالحة، فتعديل الفصل 47 لمعالجة ما يسميه البام الفراغ الدستوري هو مطلب قديم كان يستهدف به بالأساس “البيجيدي” ورئيس الحكومة على وجه الخصوص الذي هو الأمين العام لهذا الحزب. ذلك أن من شرط المصالحة الاعتراف بنتائج الاستحقاق الانتخابي، في حين يندرج مطلب تعديل الفصل 47 من الدستور في سياق محاولة خلق شروط دستورية لنسف هذا الاعتراف…

هل يفسر هذا التناقض الارتباك الذي يوجد عليه “البام” اليوم بعد الأزمة التي خلقتها نتائج الانتخابات له؟

سياسيا، يمكن تسجيل واقع الأزمة التي يعانيها “البام” بشكل واضح في الدعوة الثانية (تعديل الدستور)، فالحزب الذي كان يمني نفسه بالفوز في الانتخابات، لم يكن معنيا وقتها بالإجابة على الفراغ الدستوري، وإنما تأخر تحرك وعيه بهذا الفراغ حتى فشل في تصدر نتائج الانتخابات، مما يعني أن مطالبته اليوم، بهذا المطلب تعكس في الجوهر هذه الأزمة، ويزيد من تأكيدها وتعميقها الخلاف الداخلي الذي حصل حول مضمون المذكرة، واضطرار بعض قيادات “البام” إلى الانسحاب من اجتماع المكتب السياسي على خلفية عدم الاتفاق مع مضمون التعديلات لاسيما ما يرتبط بالفصل 47 .
لكن، مع تقرير ذلك، فإن خلفيات السلوكين السياسيين لا يعكسان فقط الأزمة، وإنما يعكسان طبيعة التقييم الذي انتهى إليه البام لنتائج استحقاقات 7 أكتوبر، ونوع العرض السياسي الجديد الذي يقدمه البام للدولة؟

السلوك السياسي الأول، أي الدعوة للمصالحة، يعكس في الجوهر طبيعة التقييم الذي أجراه البام، فبالنسبة إليه فالمشكلة ليست في المنافسين السياسيين، وليست في قوة البيجيدي، لأن النزال الانتخابي في تقديره السياسي حسم بآليات غير طبيعية، ما دام أنه حصل على 102 مقعدا، وكان من الممكن أن يحصل بنفس الآليات غير الطبيعية على أكثر من هذا الرقم لولا ممانعة قوى ومراكز في الدولة.
فبالاستقراء الدقيق لمقالي إلياس العماري، فالذي يترجح أن الدعوة للمصالحة لم تكن تستهدف البيجيدي، وربما لا تعني الأحزاب برمتها رغم حرصه على الحديث عن “الجميع”، فالظاهر أن قيادة البام تخاطب الجهات أو مراكز القوى التي لم تساير مشروعها السلطوي بسبب خلافات قديمة على خلفيات متعددة أو بسبب الموقف من موقع الدين، فغير مفهوم البتة السبب الذي يجعل العماري يركز أكثر من مرة على توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة وعلى أولوية المسألة الحقوقية والأمنية، ويستعيد تجارب الانتقالات الديمقراطية التي وقعت فيه المصالحة بين قوى التحرر وبين مراكز الاستبداد في الدولة في جنوب إفريقيا علما أن هذه القضايا المحاور الأساسي فيها هو الدولة أو بعض مراكزها وليست الأحزاب التي يفترض فيها تشكيل الحكومة، كما أنه من غير المفهوم المحاولة المتعسفة التي اجترأها للحديث عن الموروث الديني المشترك، وعن نموذج الإسلام المغربي والأمن الروحي هذا في الوقت الذي سجلت عنه في الحملة الانتخابية انزياحات خطيرة في الخطاب استفزت المؤسسة الدينية في المغرب بجميع مكوناتها الرسمية والشعبية.

ولذلك فالتقدير، أن مبادرتي “البام” غير متناقضتين البتة، لأن الأولى تحاول تسوية صراع مع بعض مراكز الدولة التي لم تساير المشروع السلطوي الذي رفعه “البام” أو التي لا تطمئن إلى الاستهداف الذي يمثله “البام” للشرعية الدينية في المغرب، في حين تشكل المبادرة الثانية، محاولة لتجديد العرض السلطوي من جديد، أي اقتتراح مدخل سياسي دستوري لعودة السلطوية بعد فشلها في الاستحقاق الانتخابي.

تجتمع الدعوة الأولى والثانية، بهذه القراءة، في شيئين، الأول في تقييم نتائج الانتخابات واعتبار أن فشل الرهان السلطوي لم يكن في النزال الانتخابي، بقدر ما كان في العجز عن تسوية بعض الإشكالات مع بعض المراكز في الدولة وأن ذلك هو الذي منع حصول إجماع بين مراكز الدولة على دعم غير مشروع لـ”لبام لإزاحة “البيجيدي”، أما الثاني، فهو محاولة تجديد العرض السياسي من جديد، ومحاولة الإقناع بأن مشروع “البام” لا يزال يمتلك صلاحية الاستمرار من الموقع الريادي المبادر.

المثير للتساؤل أن زمن المبادرتين، جاء عقب الحراك الذي انطلق داخل التجمع الوطني للأحرار، والحديث شبه القاطع بتهيؤ عزيز أخنوش لتزعم سفينة الحمامة.

الزمن السياسي مهم، فعودة أخنوش لمربع السياسة الحزبية تعني الكثير، واقل ما تعنيه هو حصول تغير في الرهانات… بالأمس كان الرهان على المشروع السلطوي هو المشروع الراجح، فجاءت رياح الربيع العربي، وتصدر العدالة والتنمية الانتخابات، فدخل أخنوش الحكومة من خارج العباءة الحزبية، واستمر الرهان على البام، أما اليوم، فيبدو أن دخول أخنوش الراجح إلى الحكومة بعباءة حزبية معناه، أن مشروع “البام” أصبح اليوم في منطقة الاحتفاظ أو الاحتياط.

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق