سلايدر الرئيسيةمجتمع

مدونة الأسرة وآفاق التعديل

دة. زهور الحر  

رئيسة المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء سابقا

تعد الأسرة قاعدة المجتمعات والركيزة الأساسية والقناة الصالحة لتمرير كل عمليات الإصلاح المراد إدخالها على المجتمع، وتشكل القواعد والتشريعات القانونية أحد المداخل الهامة لبلورة إصلاح يضمن السلم الاجتماعي في العلاقات بين الأفراد، ويعمل على تحقيق المساواة والإنصاف في تدبير هذه العلاقات المعقدة التي تتشابك فيها مجموعة من الأمور: منها الثقافي، والاجتماعي، والديني، ومنها ما هو اقتصادي أو سياسي. وباعتبار أن المجتمع المغربي عرف تحولات عميقة وتغيرات متسارعة في بنيته الاجتماعية والديموغرافية والقيمية، وهي تحولات متداخلة ومركبة تقتضي مجهودات عالية للوقوف على التشخيص الدقيق، لإعداد الأجوبة الواعدة والواقعية التي تساعد على تجاوز العديد من التحديات والإكراهات.

وفي هذا السياق شكل إصلاح القانون المرتبط بالأسرة مسارا متميزا اعتمد منهجية التدرج في الإصلاح:

  • قبل سنة 1956م لم تكن هناك نصوص مدونة في كتاب واحد أمام القاضي للفصل في النزاعات، فقد كان ملزما بالرجوع إلى أمهات الكتب في المذهب المالكي، وإلى الراجح أو المشهور أو ما جرى به العمل في مذهب الإمام مالك للحكم في القضايا المعروضة عليه.
  • بمجرد الحصول على الاستقلال سنة 1956م قام المغفور له محمد الخامس بتشكيل لجنة لتدوين الأحكام الفقهية الواجب اعتمادها أمام المحاكم الشرعية في مدونة سُميت “مدونة الأحوال الشخصية”، وقد كان من بين الإصلاحات التي تم إدماجها في هذا القانون:
  • أولا: سن بعض المقتضيات التنظيمية التي تساعد على ضبط أفضل لأحكام الأحوال الشخصية.
  • ثانيا: الخروج في بعض الأحكام عن المذهب المالكي أو عن القول الراجح لفائدة تماسك الأسرة واستقرارها.

ومن ضمن هذه الإصلاحات التي وردت في مدونة 1957م، والتي ينبغي الإشارة إليها لتبيان السياق التاريخي للإصلاح ومقارنته بما عليه العمل الآن، ما سيأتي:

  • ضبط الإشهاد على إبرام عقد الزواج بحضور عدلين شاهدين سامعين للإيجاب والقبول، وكذلك تحديد الوثائق المطلوبة لتوثيق عقد الزواج.
  • اعتماد البينة الشرعية لإثبات الزواج عن طريق اللفيف العدلين.
  • تحديد السن الأدنى للزواج بالنسبة للفتاة في 15 سنة، وبالنسبة للفتى في 18 سنة
  • إلغاء ولاية الإجبار على الزواج للفتاة، ومنع الولي من معارضة الزواج الذي توافق عليه الراشدة.
  • تحديد مدة الحمل في حد أدنى هو 6 أشهر، وفي حد أقصى هو 12 شهرا. ووضع حد بذلك لفكرة كانت رائجة هي “الراكد”، حيث كانت الزوجة تطلق سنة أو سنتين وتنسب المولود للزوج السابق بدعوى أنه كان “راقدا”، بعد أن أثبت العلم عدم وجود هذه الحالة.
  • الانفتاح والاجتهاد، وتطوبر مواد المدونة استناداً إلى الشريعة الإسلامية.
  • إلزام الزوجة الغنية بالإنفاق على أبنائها إذا عجز الزوج عن ذلك.
  • الوصية الواجبة التي منحت للأبناء اليتامى حق الحصول على جزء من نصيب أبيهم المتوفى قبل جدهم.

وعلى الرغم من هذه الجوانب الإيجابية فقد اعترى هذه المدونة العديد من الثغرات والجوانب السلبية، مما جعل الحركات النسائية والحقوقية والمجتمع المدني والسياسي توجه جملة من الانتقادات، وتتقدم بمقترحات من أجل بلورة الإصلاح في أوضاع الأسرة المغربية.

فوقعت تعديلات سنة 1993م لكنها كانت قليلة، ثم خضعت المدونة لإصلاح أعمق سنة 2004م، أعاد ترتيب الكثير من الأمور والمسلمات والمفاهيم التي كانت سائدة، وحاول بناء العلاقة الزوجية والأسرية على أساس من التوازن والمساواة في الحقوق والواجبات، بعد تدخل من عاهل البلاد الذي أمر بإنشاء لجنة ملكية استشارية للنظر في إصلاح وتعديل مدونة الأحوال الشخصية.

وقد سلك هذا الإصلاح مسارا متميزا ومنهجية جيدة ومقاربة تشاركية حيث إنه تميز بجملة من الأمور وهي:

أولا: تم إشراك المجتمع المدني والسياسي بكل أطيافه في الحوار، حيث إنه استغرق الاستماع لجميع مكونات المجتمع سواء المدني أو السياسي مدة 8 أشهر-وأنا أدلي بهذه الشهادة لأني كنت ضمن أعضاء اللجنة- استمعنا خلالها لجميع الأطياف: مدنية، سياسية، مؤسستية، كل يدلي بدلوه نظرا للحراك والحوار الذي كان ساخنا، وأحاط بالمقتضيات والمقترحات التي جاء بها وزير الأسرة آنذاك أو ما سمي بخطة إدماج المرأة في التنمية، وكان هذا الاستماع استجابة لجميع الأطراف.

ثانيا: لاحظنا وجود النساء في اللجنة لأول مرة، إذ كانت اللجنة مكونة من 15 عضوا، من تخصصات متنوعة بين القضاء والقانون، وبين علم النفس وعلم الاجتماع، والعلوم البيولوجية والطبية، ومن بين هؤلاء الأعضاء ثلاث نساء.

ثالثا: اتسمت اللجنة بالتنوع، إذ ضمت مختصين وخبراء في العلوم القانونية والاجتماعية، والطب والعلوم الحسابية والإحصائية، وهو ما حقق تكاملا واجتهادا جماعيا تضافرت فيه مختلف المعارف في ضوء الواقع الاجتماعي، من أجل تقديم  قراءة جديدة للفقه. هذا بخلاف اللجان السابقة التي ضمت فقهاء من كليات الشريعة بمختلف جهات المملكة، فساد بذلك التوجه الفقهي.

رابعا: سلوك هذا القانون المتعلق بالأحوال الشخصية مساراً قانونيا في المصادقة عليه، يمر من القنوات القانونية؛ إذ تمت مناقشته أمام لجنة العدل والتشريع، ثم انتقل إلى المجلس الأعلى، ثم طرح أمام البرلمان حيث صودق عليه بالاجماع.

  • أهم المرتكزات في قانون مدونة الأسرة:

أولا: المزاوجة الخلاقة بين المرجعية الوطنية الدينية والدولية، وكان هذا بناء على التعليمات السامية الملكية التي زود بها صاحب الجلالة اللجنة أثناء تنسيقها، حيث أوصاهم بالمزاوجة الخلاقة بين ما هو وطني ودولي، في إطار أنه لا يمكن أن يحلل ما حرم الله أو يحرم ما أحل الله.

ثانيا: إعطاء مكانة الصدارة للأسرة، فانتقلنا من مدونة الأحوال الشخصية إلى مدونة الأحوال الأسرية، حيث عملت على الحفاظ على حقوق المرأة والطفل، وكذلك حقوق الرجل وصيانة كرامته.

ثالثا: إقرار المساواة والإنصاف في العلاقة الزوجية، والتوازن والعدل في الحقوق بين الزوجين ابتداء بإنشاء العقد، فقد لاحظنا أن المركز القانوني لكل من الزوج والزوجة صار متساويا في القبول والرضا، وكذلك بالنسبة للمرأة الراشدة اتجهت المدونة إلى المذهب الحنفي فأسقطت الولاية عن الراشدة وجعلتها اختيارية بالنسبة لها. كما لاحظنا أن الحقوق والواجبات صارت متبادلة بين الزوجين في لائحة واحدة، أما في المدونة السابقة كانت هناك ثلاثة لوائح: حقوق الزوج، حقوق الزوجة، الحقوق المتبادلة بينهم، فوضعت المدونة الجديدة لائحة واحدة.

كذلك عند إنهاء العلاقة جعلت الطلاق بيد الزوج ومكنت المرأة من تقديم طلب التطليق.

  • ملاحظات لتجويد المدونة وسد بعض ثغراتها:

بعد عقدين من صدور هذا القانون يمكن القول إنه جاء الوقت لتجويده وسد بعض ثغراته، فهناك مقتضيات ينبغي أن ندلي فيها برأينا جميعا خاصة المهتمين بالدراسات الفقهية:

  • أولا: نصت المادة 16 على أن الوثيقة التي تثبت الزواج هي العقد، مع ذكر استثناء إمكان سماع دعوى الزوجية، وحددت مدة وهي خمس سنوات، ثم جددت مرتين، لكن منذ سنة 2019م تم إيقاف دعوى الزوجية، وتوجد مشاكل كثيرة متعلقة بإثبات الزوجية؛ فهناك زيجات تمت بالفاتحة أو عرفيا، بدون عقد زواج، وقد نتج عنها أطفال، فكيف ينبغي أن نتصرف؟ ينبغي حل مشكل “الزواج العرفي” في المغرب.
  • ثانيا: مسألة زواج القاصرات.

هناك مناداة بحذف الفصلين 20 و21، وتحديد سن الزواج في 18 سنة.

  • ثالثا: مسألة التطليق والطلاق.

الطلاق هو الذي يوقعه الزوج. والتطليق هو الذي يأتي بطلب من الزوجة أو يوقعه القاضي. لكن اختلطت الأمور الآن، فجميع أنواع الطلاق تمر عبر المحكمة، بخلاف ما كان عليه الوضع، إذ كانت أنواع التطليق متعددة: التطليق للإخلال بشرط من الشروط، للضرر، عدم الإنفاق، الغياب، العيب، الهجر، الخلع، الاتفاق، الشقاق، لكن عمليا اختفت كل هذه الأنواع، وبقي فقط طلاق الشقاق والطلاق الاتفاقي. فيجب معالجة هذا الأمر لكي نصون حقوق كل طرف، لأنه مع وجود اجتهاد صدر من محكمة النقض مفاده: “إذا تقدم الرجل بطلب الطلاق فهو يؤدي المتعة، لكن إذا تقدمت المرأة بطلب التطليق فلن تستفيد من المتعة”. وأعتقد أن هذا المنطق خاطئ، لماذا لا نعتمد أنّ من أخطأ، ومن كان سبباً في انهيار وتفكك الأسرة  هو الذي عليه أن يعوض الطرف الآخر.

  • رابعا: مسألة الصلح والإصلاح.

قبل إجراءات الطلاق، على القاضي أن يجري عملية الصلح بتدخل القاضي أو الحكمين أو مجلس العائلة، والملاحظ أن مجلس العائلة يوجد على الورق فقط، فلا يوجد واقعيا. أما بخصوص الحكمين فقد اكتشفنا من خلال الممارسة أنهما في الغالب يتسببان في النزاع ولا يصلحان، والقاضي يصعب عليه القيام بالصلح؛ لأن الصلح يحتاج إلى مهارات وخبرات وآليات وتقنيات الوساطة، والقاضي لا يتوفر على هذه الكفايات، بالإضافة إلى مسألة ضغط الملفات وضرورة البقاء في الحياد لاتخاذ الحكم المناسب.

 

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق