سلايدر الرئيسيةكوكتيل

ماذا خسرت طنجة في غياب مؤسسات جامعية ؟!!

بقلم: ذ . بوشتى بوكزول

في أقصى شمال المغرب ، تحتفظ مدينة طنجة بمكانتها التاريخية والثقافية كواحدة من أكثر المدن إشعاعًا في البلاد. غير أن هذا البريق لم يكن كافيًا ليدرأ عنها آثار غياب مؤسسة جامعية متكاملة، وهو غياب خلف تداعيات سلبية على المستويات التعليمية، الاقتصادية، والاجتماعية، لا تزال المدينة تؤدي ثمنها حتى اليوم.

لا يخفى على أحد ما تلعبه المؤسسات الجامعية من دور محوري في تنمية المدن، فهي ليست فقط فضاءً لنقل المعرفة، بل تُعد محركًا اقتصاديًا وثقافيًا واجتماعيًا حيويًا. فوجود جامعة في مدينة ما يساهم في استقرار الشباب وتطوير مهاراتهم، كما يخلق فرص شغل مباشرة وغير مباشرة في مجالات التعليم، السكن، النقل، والخدمات. بالإضافة إلى ذلك، تُعزز الجامعات من إشعاع المدينة الفكري والثقافي، وتُحولها إلى مركز لاستقطاب الباحثين والخبراء، ما يُساهم في دعم التنمية المحلية وتشجيع الاستثمار. كما أن المشاريع البحثية التي تُنجز داخل الجامعة تُوفر حلولًا عملية لمشاكل المدينة وتساهم في التخطيط الحضري والبيئي والاقتصادي بشكل أكثر فعالية. فإلى أي حد يصل مدى الخسائر التي تكبدتها مدينة طنجة طوال عقود خلت في غياب مؤسسات جامعية كان من المفروض أن تشكل قلب نهضة شاملة للمدينة تحدد هويتها ، وتحدد مسار تنمية مستدامة تتناسب مع ما صارت عليه المدينة من تطور صناعي ونمو ديموغرافي بدون بوصلة ولا رؤية واضحة المعالم ؟

* هجرة الأدمغة الشابة

أولى الخسائر التي تكبدتها طنجة تتمثل في نزيف الأدمغة؛ إذ يُضطر المئات من الطلبة المتفوقين سنويًا إلى مغادرة المدينة نحو مدن جامعية كفاس، الرباط، أو مراكش لمتابعة دراساتهم العليا. هذا النزوح التعليمي لا يقتصر فقط على الجانب الأكاديمي، بل يؤدي لاحقًا إلى استقرار هؤلاء الطلبة خارج طنجة ، ما يفاقم من فقدان الطاقات المحلية التي كان يمكن أن تساهم في تنمية المدينة.

* ضعف البحث العلمي

غياب مؤسسة جامعية ذات طابع بحثي حرم طنجة من أن تكون مركزًا لإنتاج المعرفة والبحث العلمي في المجالات التي تهم محيطها، كالصناعات البحرية، الطاقة، أو التجارة الدولية، أو مركزا للدراسات المتوسطية . فطنجة، بموقعها الاستراتيجي ووجود ميناء طنجة المتوسط، كانت مؤهلة لأن تكون حاضنة لأبحاث علمية متقدمة، تساهم في تطوير الاقتصاد الجهوي والوطني على حد سواء ، وجسرا ثقافيا وحضاريا بين الضفتين خاصة البلدان المطلة على حوض البحر الأبيض المتوسط .

* التأثير الاقتصادي والاجتماعي

من الناحية الاقتصادية، أدى غياب مؤسسة جامعية إلى حرمان المدينة من دينامية اقتصادية متوقعة . فالطلبة يمثلون شريحة مهمة من المستهلكين، وإقامتهم في المدينة كانت ستنشط قطاعات السكن، النقل، المكتبات ، ومختلف المرافق الحيوية ، كما أن غياب الجامعة خلق فراغًا ثقافيًا ، جعل المشهد الفكري والفني للمدينة أقل حيوية مما كان يمكن أن يكون عليه.

* فقدان هوية معرفية

الجامعات ليست فقط أماكن لتلقي المعرفة، بل هي مؤسسات تُساهم في بناء هوية فكرية للمدن. فكما ارتبطت فاس بجامعة القرويين، والرباط بجامعة محمد الخامس، فإن طنجة لم تسجل بعد بصمتها الأكاديمية على الخارطة الوطنية، رغم كل مقوماتها. وهو “فراغ رمزي” يُضعف من الحضور الثقافي للمدينة على المدى الطويل.

* بصيص من الأمل

في السنوات الأخيرة، بدأت تظهر بعض البنيات الجامعية، كمؤسسات تابعة لجامعة عبد المالك السعدي، أو معاهد عليا خاصة. لكن الحاجة ما زالت ملحة إلى جامعة عمومية شاملة، تتوفر على كليات متعددة التخصصات، ومراكز للبحث العلمي، تستوعب الطلبة وتستجيب لطموحات ساكنة المدينة وجهة طنجة تطوان الحسيمة.

واليوم انطلقت بالمدينة صرخة مدوية من آخر النفق ، أطلقت صفارات الإنذار ، أجمعت عليها كثير من الفعاليات الغيورة تجدد الدعوة التي ما لبثت حبرا على ورق منذ عقود خلت ، إلى ضرورة التعجيل بإنشاء مؤسسات جامعية بمدينة طنجة قبل فوات الأوان ، فما خسرته طنجة في غياب مؤسسة جامعية لم يكن فقط في عدد المقاعد الدراسية، بل في فرص تنموية كاملة ضاعت، وفي إمكانات بشرية غادرت، وفي طموحات محلية أُجبرت على التأجيل. حان الوقت لتدارك هذا النقص، وجعل التعليم العالي رافعة حقيقية لتنمية المدينة .

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق