مقالات الرأي

هل القصر يرحب ببنكيران أمينا عاما لولاية ثالثة؟

محمد بوكرن
الإجابة على هذا السؤال، من دون معطيات موثوقة من داخل القصر، تصبح الإجابة محض تنجيم وشعوذة سياسية.لكن يمكن الإجابة على هذا السؤال من خلال “الخبرة العملية” التي توضح بالإشارات والممارسة ما يريده القصر، وأيضا هذه المنهجية في الوصول إلى حكم معين، تبقى منهجية غير قطعية، لأننا نتوقع شيئا مجهولا في المستقبل بقياسه على معلوم تحقق في السابق، وكأننا إزاء منهجية حتمية مادية.

وما دام ليس لدينا معلومات من داخل القصر، وأن استعمال القياس يدخلنا في “الحتمية المادية” فأيهما سنختار؟!

الأفضل أن لايكون تحليلنا تنجيما وشعوذة، وسنختار القياس، وننبه منذ البداية، أن هذا التحليل ليس قطعيا، قد يكسر بحدث ما.

لنطرح السؤال الآتي: ما هي الخبرة العملية في علاقة القصر بالبجيدي في موضوع له علاقة ببنكيران؟

قبل 7 أكتوبر 2016، أي؛ قبل سنة تقريبا اشتد النقاش حول من سيكون رئيس الحكومة بعد انتخابات 7 أكتوبر، اختلف الناس هناك من قال أن القصر لم نعهده مع الاستمرارية “عبد الله ساعف” وهناك من قال ان القصر مع الاستمرارية إن كان الرجل يحل المشاكل ولا يصنع المشاكل “حميد برادة”.

لكن حزب العدالة والتنمية اختار بقراره الذاتي والمستقل في ماي 2016 أن يمدد لابنكيران سنة كاملة، وهي إجابة قبلية عن سؤال من يكون رئيس الحكومة بعد انتخابات 7 أكتوبر، لأن الدستور يقر أن الملك يختار من الحزب الفائز رئيس الحكومة وجرى العرف واحتراما للمنهجية الديمقراطية، أن يختار الملك الأمين العام للحزب الأول.

فحسم الحزب سؤال من يكون رئيس الحكومة المقبل لولاية ثانية، كانت الإجابة واضحة، عبد الإله بنكيران.

بعد ذلك، أرسل القصر إشارات متعددة، عبر خطبه الملكية أن بنكيران غير مرحب به، رئيسا للحكومة لولاية ثانية قبل تكليف الملك له وبعد تكليف الملك له.

قبل التكليف: نتذكر خطاب العرش في 30 يوليوز 2016:”غير أن ما يبعث على الاستغراب، أن البعض يقوم بممارسات تتنافى مع مبادئ وأخلاقيا ت العمل السياسي، ويطلق تصريحات ومفاهيم تسي ء لسمعة الوطن، وتمس بحرمة ومصداقية المؤسسات، في محاولة لكسب أصوات وتعاطف النا خبين”.

هذا النص لم يذكر اسم بنكيران لكنه نص موجه مباشرة إليه، لان قبل الخطاب صرح تصريحه الشهير هناك دولتان دولة الملك والدولة الأخرى، ناهيك عن مصطلح التحكم الذي يمثل أطروحة سياسية بالنسبة لابنكيران، وأذكر باستمرار، أن بنكيران أربك “معجم السلطة” يستعمل نفس المصطلحات بمدولات معاكسة!

بعد التكليف: نتذكر خطاب المسيرة الخضراء في 06 نونبر 2016:”الحكومة هي هيكلة فعالة ومنسجمة، تتلاءم مع البرنامج والأسبقيات. وهي كفاءات مؤهلة، باختصاصات قطاعية مضبوطة. وسأحرص على أن يتم تشكيل الحكومة المقبلة، طبقا لهذه المعايير، ووفق منهجية صارمة. ولن أتسامح مع أي محاولة للخروج عنها”.

هذا النص موجه لابنكيران أساسا لانه رئيس الحكومة المكلف لولاية ثانية، لكن بنكيران كان له رأي آخر، يتحدث على أنه في ولايته الثانية “معركته هي معركة القيم” وبدأ يشرح للناس هذه القيم أن “37 لا تساوي 125” و أن شخصا لقي صاحب جمل يذهب به إلى السوق، فأراد أن يكون سمسارا وشنقا وليس مشتريا..وهكذا..

في الظاهر القصر يقوم بوظيفته وفق الدستور، ويحترم الديمقراطية، لكنه يرى أن بنكيران غير صالح لولاية ثانية، وترك القصر بنكيران يحلم هو من مدد له. إلى أن جاء بين يديه، وظن انه سيشكل الحكومة في 36 يوما كما شكلها في نونبر 2011، لكن “الزغبي” “مرمدوه” لستة أشهر، وتدخل الملك “وفق الدستور!” فقال له :”شكر الله سعيك”، واختار قياديا من داخل الحزب، وشكل الأغلبية في “عشرة أيام” وتم تعيين الحكومة في عشرين يوما!

كان القصر يعاني من مشكلة حزبية وصلت إلى الحكومة، تحملها خمس سنوات، و”أطال باله” بنفسه الطويل، هذه المشكلة الحزبية، صدرها إلى حزب العدالة والتنمية، وكاد أن يفجره، ولازالت تبعات الإعفاء تتلاحق إلى الآن.

هذه خبرة عملية بين القصر والبجيدي في شخص اسمه بنكيران، تقول لنا هذه الخبرة ما يلي:
– إن خطب الملكية، ليست للتسلية فهي توجيهات صارمة، ستجد طريقها إلى الواقع أحب من أحب وكره من كره.
– إن التمديد لابنكيران سنة هو أصل المصائب التي يعيشها الحزب الآن، كان على الحزب أن يختار بإرادته إنزال بنكيران بهدوء دون أن يتدخل القصر، لكنهم أصروا على أن يكون لولاية ثانية، نظروا إلى الشعبية ولم ينظروا إلى ما يريده “الفوق” بحسب تعبير بنكيران.

ويمكن اختصار المعادلة كالآتي:
– التمديد لابنكيران سنة على رأس الحزب = الإطاحة به من على رأس الحكومة بتدخل من القصر الذي رسم خطة الطريق.

هذه هي الخبرة العملية. نحن الآن إزاء نفس المشهد في موضوع مغاير، وهو من يكون الأمين العام لحزب العدالة التنمية في المؤتمر المقبل؟

يقول إنشتاين:” الغباء أن تفعل نفس الفعل وتنتظر نتائج مختلفة” بعض قادة البجيدي يستلهمون هذه القاعدة في علاقتهم بالقصر.

إذا كان التمديد لابنكيران سنة نتيجته الإطاحة به من على رأس الحكومة وادى إلى “زلزال سياسي” داخل الحزب، هل من المعقول “أن نفعل نفس الفعل” أي أن يكون لابنكيران ولاية ثالثة وتكون النتجية مختلفة، مستحيل.

الذين يتعلمون بالتجربة، يستندون إلى الخطب الملكية التي تاتي قبل المؤتمر المقبل، ويستدلون بما يلي:

– خطاب العرش 29 يوليوز 2017:”فتدبير الشأن العام، ينبغي أن يظل بعيدا عن المصالح الشخصية والحزبية، وعن الخطابات الشعبوية، وعن استعمال بعض المصطلحات الغريبة، التي تسيئ للعمل السياسي” وفي نفس الخطاب يضع الملك خطة الطريق للأحزاب المقبلة على مؤتمراتها:”إننا نستطيع أن نضع أنجع نموذج تنموي، وأحسن المخططات والاستراتيجيات. إلا أنه : بدون اختيار الأحزاب السياسية لأحسن النخب المؤهلة لتدبير الشان العام..”

في هذا الخطاب اتضح أن الملك يتحدث عن التنمية ويريد نخبا تكنقراطيا للمساهمة في التنمية، بعيدا عن النخب التي تعشق “الخطابة وترويج المفاهيم” ومن دون شك فبنكيران على رأس هذه النخب.

– خطاب افتتاح البرلمان 13 أكتوبر 2017:”اعتماد حلول مبتكرة وشجاعة ، حتى وإن اقتضى الأمر الخروج عن الطرق المعتادة أو إحداث زلزال سياسي”

أي أن القصر، ليست عنده مشكلة مع الزلزل السياسي إذا كانت نتائجه لصالحه، لكن بنكيران منذ مدة وهو ينتقد الزلزل السياسي، ورد بنكيران بشكل مباشر على هذا الخطاب الأخير، فقال:”لانخاف من الزلزال السياسي فنحن بأعين الله”.

القيادات الموجودة في حزب العدالة والتنمية والتي ترفض التمديد لابنكيران تقيس ما يقع الآن، على ما وقع في رئاسة الحكومة، وتضع يدها على قلبها، فالعاقل من اعتبر بما مضى، التمديد لابنكيران سنة من أجل رئاسة الحكومة كلف الحزب كثيرا، يقولون صارخين، فهل تريدون منا إعادة نفس الخطأ، فندمر الحزب، وصاحب الجلالة الملك محمد السادس وضع خطة الطريق لما يريده من النخب الحزبية المقبلة”.

فلو اعتبرنا التاريخ تاريخا ماديا مكانيكيا، فإن الذي سيقع هو أن انتخاب بنكيران لولاية ثالثة سيدمر الحزب.

لكن دعاة التمديد لولاية ثالثة، يؤمنون بالتدافع، وأننا لسنا رهائن لتفكير مادي، فنحن نتحدت وفق “أعين الله” بلسان بنكيران، ونحن على استعداد للشهادة والدخول إلى السجن، مهما كلفنا الأمر، لكي نبقى احرارا مستقلين، وإن القى الملك مئات الخطب، فعلاقتنا بالملك علاقة ينظمها الدستور، ولن نفقد قرارنا الحزبي، ولن نخون المواطنين الذين صوتوا على بنكيران.

الرأي الأول، يريد إنهاء المعارك ليرتاح، ويدخل الخيمة..
الرأي الثاني، يريد مواصلة المعركة، وهو في الاصل يعتبر السياسة منزوعة من الصراع مجرد أوهام واحلام.

من الحمق أن أحسم ما سيقع في المستقبل باليقين، سنترك للتاريخ أن يقدم إجابته الصارمة والقطعية.

كل ما كتبته هو مجرد تحليل يبتعد عن الشعوذة السياسية، هذا تحليل يستند إلى تجربة عملية، هي أصل يقاس عليه ما يمكن أن يقع في المستقبل المجهول، والحكم يبقى ظنيا وليس حتميا.

والله تعالى أعلى وأعلم

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق