مقالات الرأي

زمانهم وزمننا

مصطفى البريقاع

كنت وأنا صغير أجلس مع والدي وأجدادي(من جهة الأب وإلام ) عندما يجتمع مع الأقارب أو الأصدقاء، وأستمع لهم وهم يتحاورون في عدة مواضيع ، عن حياتهم وعن تجاربهم وعن أعمالهم وعن أهلهم وأولادهم ويتحدثون في كل شي، وكانوا لا يقاطع أحدهم الآخر ولا ينتقص من كلامه أو ينتقده على العكس بل يدعمه بحديثه ،وكانوا يحترمون ويقدرون المتحدث مهما كان حديثه وكانوا ينصتون بتركيز عالي ويكون كل اهتمامهم بالمتحدث حتى ينتهي من حديثه ، ثم يتحدث آخر وبكل سلاسة ودون تعقيد ، وكانوا يحترمون الكبير بالمجلس ، ومن طريقتهم في بدء الحديث الاستفتاح بكلمات جميله كعادة عند بدء سرد قصه أو الدخول في نقاش وخاتمة كالاستفتاح وأجمل ، وأذكر أيضا في صغري كنت أحضر مجالس صلح بين متخاصمين وبالخصوص بين الزوج ، وكانوا قمة في الحوار وهم متخاصمين حيث كان يعطى كل خصم وقته في الكلام والجميع ينصت بتركيز ويكون كلامه منسق وبأجمل الاستفتاح والختام حتى عندما يأتي على ذكر خصمه فلا يهينه ولا ينقصه قيمته فواله كانت مجالسهم مدرسة تتعلم منها أجيال ولن يصلوا لما وصلوا إليه من أدب الحوار.

اليوم تحولت مجالسنا إلى مجادلات وأصوات مرتفعه لا تميز فيها بين الغث والسمين فقد اختلط الحابل بالنابل ،والكل أصبح على حق ، والكل رأيه صحيح والآخرين أرائهم خاطئة بدون استثناء ، والجميع يفهمون في كل شي والآخرين لا يفهمون شي ، والجميع يجيد الكلام والآخرين لا يجيدون الاستماع. وعندما نقارن بين تلك المجالس الرائعة وبين مجالسنا اليوم، فأننا نرى الفرق شاسع بينهما، فاليوم لا تستطيع أن تميز نوع الحديث الذي يلقى ، والسبب أن الجميع بالمجلس يتكلمن، فكل واحد من الحاضرين يريد أن يتكلم ويريد أن يثبت وجهة نظره ، ولو تطلب ذالك رفع الصوت وقطع حديث الآخرين ، فالأهم عنده إثبات وجهة نظرة على حساب أدأب المجلس والحوار . فلا يهم كبير ولا يهم الاستماع إلى وجهات النظر الأخرى .

فتجد الجميع يتكلم ولا تجد مستمع واحد، رغم إن هؤلاء المتجادلين وليس المتحاورين ذهبوا إلى المدارس والجامعات وتعلموا ولديهم إطلاع على كل سبل المعرفة من إنترنت وخلافه . ومع ذالك لا يتمتعون بصفة من صفات أبائنا في أدأب الحوار، حقا كانوا مدرسه في أدب الحوار رغم أنهم أميين ولم يلتحقوا بمدارس أبدا.

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق