مقالات الرأي

خولة بلفقيه: اغتصاب …

جالسة في إحدى زوايا الغرفة … تراقب في صمت … ربما لا تراقب شيئا … لكنها غارقة في صمت … عيناها غائرتان من أثر البكاء الموصول … ولزوايا فمها التواءة ألم دفين … فتحت الباب ببطء … فارتجفت .. وتجمد الدم في عروقها عند بروز الوزرة البيضاء … تعاظمت دقات قلبها الصغير مع اقتراب الطبيب منها … شعرت فجأة بحمى يجتاحها .. وعرق يبللها … نظرت إليه نظرة ارتباك و ارتياب و هو يناولها ورقة و قلم .. قائلا : ” تغلبي على صمتك الصاخب .. ”
استجمعت قواها .. ولملمت شتات وجدانها .. فتحرك القلم بين أناملها ..
” في ليلة ممطرة عاصفة … سرت بخطى بطيئة مرتعدة نحو النافذة … أنظر لشارع مقفر بدأ الليل يرخي عليه ستاره … أسمع ريحا دوت بها جوانب الأفق … لحظة !! … سمعت صرخات متقطعة .. و أنفاسا متسارعة … و أرجلا صغيرة ترتطم ببرك المياه … ليكشف سنا البرق عن فتاة صغيرة … ممزقة الثياب … تتجاذبها الرياح .. وتكشف ما تبقى من جسدها الصغير … تتعثر بين الوحل .. و تنهض من جديد .. حتى أدركت صورا حاولت الاحتماء به .. لا تكاد تفرق بين انهطال دموعها و قطرات المطر المتساقط عليها … بين أنينها الموجع وحفيف الرياح ..
ظهر رجل أربعيني ثمل يميل على رصيف الإجرام … يبحث عن ضحيته هنا و هناك … حتى باغثها و أمسكها من يدها الصغيرة و سحبها سحبا لبركة ماء … و كتم صوتها و نفسها بيديه الوسختين … مستبيحا جسدها .. عابثا به … مغتصبا براءتها … ليتركها وراءه جثة هامدة …
صرخت و صرخت .. فلم يسعفني صوتي … ضاع مني في جب عميق … ضاعت مني الكلمات من حينها … تحجرت الدموع في مقلتي … و لم أستطع الكتابة لإحساسي ببؤس الكلمات … آملت أن يفهم العالم صمتي المفاجئ … أن يسمع صمتي الهادر … الذي لم و لن يوقفه سجن الغاصب … و في أحيانا أخرى تعويض الضحية … << أترى حين أفقأ عينيك … ثم أثبث جوهرتين مكانهما … هل ترى ؟ .. >> … هي أشياء لا تنسى و لا تغتفر …. “

الوسوم

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق