مقالات الرأي

محمد البياري يكتب: القدر والأمر الواقع

محمد البياري

     مستشار جماعي 

شاب في بداية حياته و حالته النفسية إيجابيه ومليئة بالأمل والحيوية، يقرر أن يعمل ويسعى مستشهداً بآيات قرآنية مثل {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} و {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} و {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} وغيرها من الآيات التي تأمرنا بالسعي، أو مستشهداً ببعض المشهورات مثل “من جد وجد ومن زرع حصد”، نفترض أن هذا الشاب واجه صعوبات في بداية حياته ونالت من عزيمته وجعلته يغّير قناعاته عن السعي فتسيطر عليه حاله من السلبية في التعامل مع الواقع والتكاسل في طلب الرزق واليأس والعجز عند الابتلاء مستشهداً بآيات قرآنية مثل {وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} و {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} وغيرها من الآيات التي تتكلم عن القضاء والقدر أو مستشهداً ببعض المشهورات مثل “اجري يا بن آدم جرى الوحوش غير رزقك لن تحوش” فهناك سببان لهذا التناقض والتغير في موقف هذا الشاب لا علاقة لهم بالصعوبات التي واجهها، الأول هو الثنائية الفكرية فإما أن تسعى أو أن تتواكل على القدر وكأن السعي والقدر خطان متوازيان لا يتقاطعان ،والثاني هو عدم الفهم الصحيح للقدر والذي أدى لحدوث مغالطة في فهمه فبدلا من اعتباره تسليما لإرادة الله وتوكلا عليه، اعتبر أصحاب الأزمات القدر هو استسلاما للعجز وتواكل على الله. إننا نؤمن بالقدر من باب إيماننا بوجود الله الواحد الأحد خالق هذا الكون، والذى حدثنا في رسالاته السماوية عن الأقدار التي كتبها على خلقه، ولكن أزمة الكثير في مجتمعنا هي التواكل على القدر وكأن الإنسان مُجبر وليس مٌخّيرا، إن كان القدر هو الرزق الذى نحصل عليه بأمر الله والابتلاء الذي يأتينا من عند الله فالإنسان هو من يتحكم في واقعه وهو من يحدد الطريقة التي يحصل بها على رزقه والأسلوب الذى يواجه به الابتلاء، فالرزق إما أن تحصل عليه بفعل السلوك الذى تحبه نفسك ويتوافق مع فكرك ويرضى عنه الله فتسعد في حياتك، أو تحصل على الرزق بشقاء النفس في فعل ما لا تحب أو شقاء الذهن في فعل ما لا يقتنع به مثل العمل في وظيفه لا تحبها لأن عائدها المادي كبير أو العمل في أكثر من وظيفه لتوفير عائد مادى أكبر فيطغى الجانب المادي على الجانب الروحي فتجد نفسك أمام قليل من السعادة وكثير من الشقاء، أو تحصل على الرزق بفعل ما لا يرضى الله فتخسر الآخرة وتعيش في الدنيا تحت رحمة ضميرك، أو تحصل عليه بالتكاسل بدعوى أن كل شيء مكتوب فيكون الرزق بلا قيمة وبلا هدف؛ فالشيء الذي لا يأتي بالاجتهاد لا طعم له، وكذلك الابتلاء فإما أن نواجهه بغضب أو بخوف أو بيأس فينال منّا أو نواجهه بتسليم لله وإيمان بأمره وبأن له حكمه في ذلك مع السعي والأخذ بالأسباب والصبر فنعبر هذا الابتلاء على سفينة الخالق. في فيلم ألف مبروك ما قد يكون مثالا جيدا على تحكم الإنسان في واقعه، هناك قدر يتمثل في أن البطل سيموت الساعة 12 لكن الطريقة التي سينهي بها البطل حياته هو من سيحددها، حيث أكثر من نموذج لليوم الأخير في حياة البطل تم عرضهم والنهاية واحدة هي الموت. مثال قد يكون أكثر وضوحاً من نفس الفيلم، إن اعتبرنا أنّ قدَره الذهاب للمستشفى لنقل الرجل الذي صدمته السيارة، فواقعه كان ملكه: إما أن يذهب مُجبرا من الناس بعد أن حاول الهرب، وإما أن يذهب طواعية من نفسه كواجب إنساني وأخلاقي. وختامًا؛ يقول الله عز وجل: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق