مقالات الرأي
طاحت الصومعة .. علقوا الحجام !!
في المغرب نعيش مع العجائب باستمرار، ولا نملك الا ان نردد المثل المشهور: ما دمت في المغرب .. فلا تستغرب !! كما يمكننا ان نبصم بالعشرة أن الحكمة الكبرى التي تحكم غالب شؤون المغرب في كل تفاصيلها هي: طاحت الصومعة .. علقوا الحجام !!
أقول هذا الكلام تفاعلا مع ما قرأت طيلة الساعات الاخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي من كتابات بعض المناضلين من وراء شاشات الهواتف، والتي جمعت ثنائية غريبة مستغربة مفادها : هو رئيس حكومة شجاع وهو كذلك أمين عام جبان .
فهذه التدوينات الشجاعة جدا والجبانة في الآن نفسه وبالقدر نفسه، جمعت كل اصناف العنترية والبطولة في انتقاد الامين العام لحزب العدالة والتنمية ومحاكمته كأكبر مطبع في تاريخ المغرب ككل مع الكيان الصهيوني الغاصب !! ولكن في الوقت ذاته طوت معها كل اشكال الخوف والخذلان في انتقاد رئيس رئيس الحكومة، والذي من المفترض انه مسؤول بدرجة اولى عن كل تفاصيل هذا السيناريو الذي يقال لنا أنه استمر الاعداد له لما يقارب سنتين، والذي لم يشأ ان يظهر لنا منه خلال الايام الماضية الا اللقطات الاخيرة !! بل تصف في تزلف وليس عن قناعة أو تكلف ان هذا المسار يتسم بالحكمة والرزانة والحرص على مصلحة المغرب العليا حالا ومستقبلا .
وكما نعلم جميعا ان مخرجي الافلام السينمائية ذات القصص المحبكة جيدا والمتشعبة جدا في احداثها والمتداخلة في قصص ابطالها، غالبا ما يقسمونها الى اجزاء، وفي نهاية كل جزء منها يقومون بتركها مفتوحة على احتمالات متعددة ، كما يعمدون الى ادخال أبطال جدد مستشرفين أدوارا لهم في القادم من أجزاء هذا الفلم، في إطار خلط الاوراق من جديد، وضمان متابعة أكثر واهتمام أكبر بالحلقات القادمة .
وهذا ما حصل في نظري المتواضع مع قصة التطبيع الذي تم في بلادنا العجيبة، والتي انهت جزءها الاول يوم امس بإدخال رئيس الحكومة كبطل جديد قد يلعب ادوارا ما في القادم من اجزاء هذا المسلسل بالمغرب.
لكن رغم ذلك، ففي الحقيقة مخرج الفلم ظل وفيا لمسار قصته ولم يعمد الى خلط الاوراق بشدة، بحيث رغم ادخال بطل جديد فقد أدخله بصفته رئيسا للحكومة ووضع وراءه راية حمراء مع نجمة خضراء، ولم يراع لارضاء خواطر مجموعة من المشاهدين المفترضين في القادم من حلقات هذا الفلم الأسود تقديمه كأمين عام للحزب صاحب الراية البيضاء مع المصباح الأزرق !!
وبالتالي من أراد أن لا يكمل مشاهدته لهذا الفلم الاسود وان يمارس حقه في هواية انتقاد الافلام قبل الفراغ من مشاهدتها، بعدما اختلطت عليه الرايات وأصيب بعمى الألوان، ان يلتزم بأدبيات الانتقاد البناءة وان يتقدم برأيه حول البطل الجديد بالاستناد الى الراية التي يمثلها في القصة والى تفاصيل الدور الذي يلعبه، لا ان يحاكم أداءه في هذا الفلم من خلال خلفيات أدواره في أفلام أخرى وتحت مسميات أخرى مختلفة.
فحقيقة، كل من سيقوم بعكس ذلك ، او سيجتهد اكثر ليزيد على ذلك بان يجمع في سلة واحدة هذا البطل الجديد مع عائلته الكبيرة والصغيرة، السياسية منها والجمعوية، وكل من تعامل معه خلال مساره كله، منذ صغره الى كبره، فلا بد له اولا ان يأخذ راحته التامة في نقده اللامع واللاذع حتى قبل ان يشاهد الفلم التاريخي المشهور : “الصومعة .. والحجام” .
واما البطل الجديد صاحب الراية البيضاء ومصباحها الأزرق فقد قال كلمته سابقا ومضى، وكذلك بالنسبة لكافة افراد عائلته السياسية وبكل روافدها النقابية والمهنية والجمعوية والعلمية والثقافية فلها رأيها الحر وكلمتها الثابتة ضد التطبيع بكل أشكاله وألوانه والذي تعتبره جريمة وستظل دائما وأبدا تذكر بمواقفها الثابتة من الاحتلال الصهيوني وما يقترفه ضد الشعب الفلسطيني من جرائم وعدوان.
هذا وتبقى كلمة اخيرة ، ان اردنا ان نتحدث بكل تجرد، عن الاحداث في حد ذاتها وما تمثله من مكاسب ومصالح لبلادنا وهل سيمكن ان تكون آخر فصول في مسلسل قضيته الاولى الصحراء المغربية، رغم تزامنها مع مسار التطبيع المرفوض، وبدون اي استغلال سياسوي مقيت ضد من اعطى الاولوية لمصالح بلده حسب ما يراه المخرج الاول على مشاعر أبناء حزبه ، فيمكن ان نحصل على نقاش آخر ، غالبا سيكون مثمرا ولصالح الوطن أولا وأخيرا.
كلنا ضد مسلسل التطبيع، بالفعل قبل الكلام.
وإياكم ومسلسلات : الصومعة.. والحجام !!
بقلم: ذ. محمد كرم البريق