اقتصادسلايدر الرئيسية
أستاذ جامعي يرد على وزير المالية بشأن “المساهمة التضامنية”.. ويدعو لتضامن أكبر للأثرياء
بعد أيام من تصريح وزير الاقتصاد والمالية وتحديث الإدارة، محمد بنشعبون، الذي أكد فيه بأن “المساهمة التضامنية تأتي في إطار الظرفية الاستثنائية التي تعيشها بلادنا والتي أثرت على الموارد المالية للدولة وأكد على ضرورة توطيد قيم التضامن التي ينص عليها الفصل 40 من الدستور”، خرج الأستاذ الجامعي بكلية الحقوق بطنجة، حميد النهري، ليرد على ما أتى به الوزير في قانون مالية 2021.
وقال النهري، في تصريح ل”شمالي”، إن وزير المالية الحالي يبرع في اللعب بمفاهيم بعيدة عن الواقع -ودائما أرددها- أنه يشرحها بالاعتماد على قاموس اقتصادي أصبح متجاوزا، مضيفا أن “الحقيقة هي أننا أمام مشروع إجراء ضريبي سيؤثر سلبا على القدرة الشرائية لفئة اجتماعية بل أكثر من ذلك يمكن اعتباره تخفيضا على مستوى الأجور والمرتبات، وكان قد سبقه إجراء آخر تمثل في اقتطاع ثلاثة أيام من دخل الموظفين دون مراعاة قيمة الأجور وتفاوتها. إذن لا داعي لتغطية الشمس بالغربال”.
وأضاف رئيس شعبة القانون العام بكلية العلوم القانونية والاجتماعية والاقتصادية، أن مبدأ التضامن المتعارف عليه والذي نصت عليه جميع المرجعيات الدستورية والمواثيق الدولية من خلال تأطيرها للفعل الضريبي الذي يُعْتَبر ضروريا لكن مع احترام مبدأ (كل حسب استطاعته)، حيث يتم تبسيطها عادة ب”أن من يملك أكثر يعطي أكثر ومن يملك أقل يعطي القليل ومن لا يملك لا يعطي” لكن الفائدة تعود على الجميع دون تمييز وذلك من خلال الخدمات العمومية التي تقدمها الدولة هذا هو البعد التضامني للضريبة والذي يساهم في تقوية مبادئ أخرى تعتبر من ركائز المالية العامة من قبيل مبدأ (المواطنة الضريبية) ومبدأ (الرضى بالضريبة).
وأردف المتحدث ذاته، أن “وزير المالية للآسف يفسر مبدأ التضامن بطريقة عكسية تتمثل في أن يتضامن أصحاب الدخل المحدود مع الأثرياء لكي (يستثمروا !!!!!) عوض أن يتضامن الأثرياء مع أصحاب الدخل المحدود لكي يعيشوا، ولذلك نجد أن نظامنا الضريبي عادة في صالح الأثرياء والمالكين بينما يقع الضغط بقوة على أصحاب المرتبات والأجور أي الحجز من المنبع ما يجعل هذا النظام يتميز باللاعدالة وتقليص الوعاء الضريبي”.
وأشار إلى أن “أصحاب الدخل المحدود يتحملون ثلاث أرباع العائدات الضريبية على صعيد الضريبة على الدخل كما أن عدم فعالية تصاعدية نسب هذه الضريبة جعل العبء الضريبي يقع أكثر على الدخول المتوسطة والدنيا، ويزداد هذا العبء عندما تصدر الحكومة قرارات تهم الاقتطاع من أجور الموظفين دون مراعاة اختلافاتهم وفروقاتهم ورواتبهم”، مردفا بأنه “لا يعقل أن النسبة التي سيؤديها صاحب أجر أو مرتب بقيمة 10 آلاف درهم هي نفس النسبة التي سيؤديها من يحصل على دخل يتجاوز 100 ألف درهم أو 200 ألف درهم ونحن نعرف التفاوت المهول الذي يعرفه سلم الأجور ببلادنا”.
وأكد الأستاذ الجامعي، أن المسألة لا ترتبط بمبدأ التضامن ولكن بإختيار الطريقة السهلة للتمويل بزيادة الضغط على أصحاب الدخل المحدود وتفادي تضريب القطاعات التي تتواجد بها الاموال لتبقى خارج الوعاء الضريبي.
وعن الإجراءات التي يجب اتخاذها لمواجهة هذه الأزمة، قال النهري إن الحكومة تحتاج إلى إبداع أكثر على صعيد قانون المالية الحالي فالظرفية تقتضي انخراط الجميع وعندما أقول الجميع أقصد أولئك الذين لا زالوا خارج الوعاء الضريبي نحن الآن أمام معادلة صعبة لكن ليست مستحيلة نريد نظاما ضريبيا متعدد الأهداف لضمان إلى حد ما تمويل المشاريع ذات الأولوية الصحة التعليم العيش الكريم من خلال التغطية الاجتماعية – وفي نفس الوقت للمساهمة في تشجيع وانعاش الاقتصاد المتضرر نتيجة جائحة كورونا، ثم نظاما ضريبيا أكثر عدالة للمساهمة في ضمان التوازن الاجتماعي.
وتابع المتحدث ذاته، أن الخيار الوحيد الممكن أمام المشرع لتجاوز تداعيات الجائحة المالية الاقتصادية والاجتماعية وحتى النفسية تتمثل في “ضرورة توسيع الوعاء الجبائي وسن الضريبة على الثروة والإرث فلا أظن ان الثروات في المغرب تضررت من الأزمة فهي لا تشتغل وحافظت على قيمتها المادية والمعنوية إذن هي فرصة لتحريكها لانقاد الاقتصاد، فالأثرياء يجب أن يتحملوا أكثر فاتورة الأزمة وحان الوقت لجعلهم يساهمون في العبء الجبائي، وقد سارت العديد من الدول الأكثر ليبرالية في هذه السياسة وأصبحت تنادي اليوم باستغلال أموال الأثرياء لمواجهة الأزمة ليس فقط ضريبيا ولكن بشتى الطرق”.
ودعا النهري، لإصلاح ضريبي حقيقي يأخذ مبدأ العدالة الجبائية شعارا له بحيث تكون هناك إجراءات ضريبية عملية لتنمية مداخيل الدولة وتضمن مساهمة جميع القطاعات كل حسب استطاعته، وإعادة النظر في علاقة الدولة بالراسمال وبناء علاقة على معايير جديدة تأخذ بعين الاعتبار الظرفية الصعبة التي تعيشها بلادنا وتستطيع ضمان فعالية السياسة الضريبية، ولن يتأتى كل هذا إلا بتوفر إرادة سياسية حقيقية تقطع مع السياسات السابقة، هدفها تنمية حقيقية تراعي الأولويات وتطلعات المجتمع وشعارها العدالة الاجتماعية.
وسبق أن أكد وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة محمد بنشعبون ، الأربعاء الماضي بالرباط ، أن 99 بالمائة من الشركات و92 بالمائة من المأجورين غير معنيين بالمساهمة التضامنية.
وأوضح بنشعبون في معرض رده على تدخلات الفرق والمجموعات النيابية خلال المناقشة العامة لمشروع قانون المالية لسنة 2021 في لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب، أن 99 في المائة من الشركات غير معنية بهذه المساهمة على اعتبار أنها تصرح بربح يقل عن 5 ملايين درهم أو بحصيلة سلبية (عجز)، كما أن 92 في المائة من المأجورين غير معنيين بهذه المساهمة بحكم أنهم يتقاضون أجرا شهريا صافيا يقل عن 10 آلاف درهم.
وتابع “لابد أن نكون متفقين أننا أمام ظرفية استثنائية أثرت بشكل كبير على مواردنا المالية، كما أننا بصدد تنزيل ورش إصلاحي مجتمعي لطالما انتظره المغاربة ويتعلق بتعميم التغطية الصحية الإجبارية”، مذكرا في هذا الإطار، بأن حوالي 22 مليون مغربي سيستفيدون من هذا الورش، ما يزيد عن 10 ملايين منهم يعيشون في وضعية هشاشة وكانوا مسجلين في إطار نظام (راميد)، حيث سيتمكنون ، اليوم ، من الاستفادة من تغطية صحية إجبارية كنظرائهم من المواطنين الذين يشتغلون في القطاعين العام والخاص أو يمارسون مهنا أو أعمالا حرة.
وقال في هذا الصدد “ألا تستحق هذه الفئة من المغاربة أن نتضامن معها حتى تتمكن من الولوج إلى العلاج والتطبيب في ظروف تحفظ لها كرامتها؟، ألا ينبغي أن نوطد قيم التضامن التي انخرط فيها المغاربة بكل تلقائية في هذه الظرفية الاستثنائية والتي تشكل تجسيدا لمقتضيات الفصل 40 من الدستور؟”، مشيرا إلى أن الدول الرائدة عالميا في مجال الحماية الاجتماعية أقرت هذا النوع من المساهمات التضامنية لتمويل أنظمتها للحماية الاجتماعية بصفة دائمة وليس بصفة استثنائية، وبنسب أعلى من التي تم اقتراحها في هذا مشروع قانون المالية لسنة 2021.
من جهة أخرى، أفاد بنشعبون بأن الدولة “بذلت ولازالت تبذل مجهودات كبيرة لصالح هذه الفئة الهامة في التوازن المجتمعي”، لافتا إلى أن الحوارات الاجتماعية المتوالية كلفت ميزانية الدولة ما يفوق 46 مليار درهم منذ سنة 2008، أي تقريبا بمعدل 4 ملايير درهم سنويا.
وكنتيجة لذلك ، يبرز الوزير ، انتقل معدل الأجور في الوظيفة العمومية من 5600 درهم إلى ما يفوق 8 آلاف درهم، أي بزيادة 44 بالمائة، وهو ما يمثل حوالي 3 مرات الناتج الداخلي الفردي على المستوى الوطني.
وأكد أن كتلة الأجور صارت تستهلك ما يفوق 70 بالمائة من الموارد العادية لميزانية الدولة، إذا ما تم احتساب ما تتحمله هذه الميزانية من أجور مستخدمي المؤسسات العمومية عن طريق التحويلات، وإضافة نفقات المقاصة ونفقات التسيير العادي للدولة وفوائد الدين والهوامش المتبقية للاستثمار، التي هي جد ضعيفة.
وأردف “نحن أمام تحدي كبير، فمن جهة يجب أن ننخرط في مسار تقليص عجز الميزانية بهدف ضمان استقرار معدل المديونية خلال السنوات القادمة. ومن جهة أخرى، ينبغي أن نوفر الاعتمادات الضرورية لمواكبة الأوراش الإصلاحية الكبرى التي أطلقها جلالة الملك، والرفع من اعتمادات قطاعي الصحة والتعليم، ومواكبة مختلف البرامج والاستراتيجيات القطاعية”.
وشدد وزير زير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة على أن الحكومة واعية بأن مؤسسات الدولة والمقاولات العمومية يجب أن تعطي المثال من خلال تقليص وعقلنة نمط تدبيرها وأن تكون رافعة للتنمية، وليس عائقا لها، كما أكد على ذلك صاحب الجلالة الملك محمد السادس في خطابه السامي الأخير.