آخر
قفشات.. ” لا عذر للأوقاف بعد اليوم “
بقلم عبد العظيم الطويل
شهد العالم على مر التاريخ إنتشار العديد من الأوبئة الخطيرة ،والتي فتكت بأرواح الملايين من البشر وكانت سببا في تغيرات إقتصادية واجتماعية كثيرة،وأذكر هنا على سبيل الذكر لا الحصر؛ الطاعون الأسود والكوليرا وانفلونزا الخنازير وطاعون عمواس الذي ضرب منطقة الشام وغيره، ولعل فيروس كورونا المستجد لم يختلف عن سابقيه لا من حيث الخسائر التي سببها ولا من حيث طرق الحد من انتشاره ،والتي اختلفت من دولة لأخرى ،والمغرب والحمد لله، عمل على تطبيق إجراءات احترازية مشددة وصارمة للتصدي له،من خلال إغلاق المؤسسات التعليمية والجامعية والقاعات الرياضية والأسواق الكبرى وأسواق القرب والمنتزهات والمساجد وغيرها ،وفرض غرامات مالية وعقوبات للمخالفين،وكلها آتت أكلها وحدت من انتشار الوباء بالرغم من تسجيل أكثر من 2400 حالة وفاة ،وهو رقم بسيط مقارنة مع ما خلفه الوباء من وفيات في أقرب الدول إلينا .
ومع الإنخفاض الكبير في عدد الإصابات والحمد لله ،تم الترخيص لكل القطاعات والمؤسسات بالعودة إلى العمل من جديد ولبعض المساجد كذلك(الصلوات الخمس فقط )،مع أخذ الإحتياطات، واستثناء أخرى من القرار الأخير وتعميم منع الجُمَع على الكل، من دون أدنى مبرر ،متناسين بذلك حق أحد السبعة الذين يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله (رجل تعلق قلبه بالمساجد ) .
وأما طلبة التعليم العتيق والذين غادروا مؤسساتهم التعليمية منتصف شهر مارس ولم يعودوا إليها إلى حدود الساعة فيبقى مصيرهم مجهولا
والغريب في الأمر أنه في بلاد الكفر، سمحوا للمسلمين بممارسة شعائرهم الدينية كاملة،في عز انتشار الوباء من دون أدنى مضايقات مع إعمال التدابير الإحترازية، وحتى في بعض الدول المسلمة كأندونيسيا وماليزيا وتركيا تصلى الصلوات والخطب في وقتها ،والدول الإسلامية تمنعها على مواطنيها ،
ويبقى مشهد الحرمين الشريفين المكي والمدني فارغين، من المشاهد الأكثر تأثيرا لهذه السنة ،وأستحضر قول رسول الله صل الله عليه وسلم “حجوا قبل أن يحال بينكم”وهذا حالنا وواقعنا اليوم.
وقد كان بالإمكان إستغلال المساجد أحسن استغلال عبر تنظيم حملات تحسيسية ووعظ وإرشاد وخطب جمعة ،وإقامة صلاة الحاجة والتضرع إلى الله لرفع الوباء ،لأنه لم يعد هناك مبرر صريح لإغلاقها، لا بدعوى الإكتضاض ولا بغيره، والكل شاهد ويشهد على الإكتضاض الموجود أمام المؤسسات العمومية والمنتزهات وغيرها،ولا من يحرك ساكنا .
وأُذَكِّر هنا مُصْدِري القرارات بقوله تعالى “ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها ”
وأخيراً فإن علينا أن نعود بالمسجد إلى دوره ومكانته ،فهو البوتقة التي تنصهر فيها قلوب المؤمنين وأرواحهم ، وتتلاشي وتنمحي المسافات والأبعاد بينهم ،فتتحقق معاني المواساة والعدالة والأخوة والتآلف ، ويتدربون على النظام واحترام الوقت والتواضع واللين ،وهذا ما كان يفعله النبي صل الله عليه وسلم مع صحابته الكرام رضوان الله عليهم .
وهذه التوجيهات التربوية لا تقف حدودها عند الصلاة فقط ،بل تتجاوزها إلى جميع مناحي الحياة من عبادات ومعاملات وأخلاق ،ويوم يعود للمسجد دوره في التربية والتوجيه ،سوف ينصلح حال العباد والبلاد.
ثم إن هذه الغُمّة -وإن طالت- لا قدر الله ،لا بدّ أن تنتهي كما انتهت قبلها حروب وكروب، وسيعود إلى المساجد عُمّارُها المحبّون، وإلى المحاريب عُشّاقها المشتاقون.