سلايدر الرئيسيةمقالات الرأي
تثبيت ” القاسم الانتخابي”.. رغبة في الحفاظ على الكسب الانتخابي أم دفاع عن مصداقية العملية السياسية ؟
محمد خيي- برلماني ورئيس مقاطعة بني مكادة بطنجة
جاء رد فعل حزب العدالة والتنمية تجاه تعديل نظام القاسم الانتخابي سريعا، ويمكن أن نقول أن موقفه من مقترح اعتماد نظام انتخابي جديد موقف واضح وقاطع.
المقترح الذي خرج ظاهريا من عباءة الأحزاب هو مقترح عبثي يدعو إلى إعتماد تقنية (لْعِيبَة) جديدة تهدف إلى تقزيم حضور العدالة والتنمية انتخابيا ومحاصرته بدون تكبد عناء مواجهته أو منافسته سياسيا.
يكفي أن نذكر هنا أن هذا المقترح وصفته الأذرع الإعلامية للجهات التي تصدت حسب زعمها لمعضلة الولاية الثالثة ب”الإجراء الضروري” لمواجهة ” تغول العدالة والتنمية” و الحفاظ على التعددية السياسية ! وضمان التوازن …
هذه التقنية (اللعيبة) تعتمد على تغيير القاسم الانتخابي الحالي المعمول به إلى الآن، والقائم على توزيع المقاعد المتنافس حولها بالتناسب مع عدد الاصوات الصحيحة المعبر عنها، أي بمعنى توزيع مقاعد الدائرة الانتخابية بالتناسب مع رغبة الناخبين الذي ذهبوا لصناديق الاقتراع وعبروا عن رأيهم واختاروا ممثليهم في الهيآت المنتخبة…
صرح القوم علانية بأن هذا الأمر لم يعد مناسبا لهم البتة.
وفي المقابل، أجمعت هذه الأحزاب تقريبا على إبتداع طريقة سحرية ترمز ربما للإستثناء المغربي! حيث رأت هذه الأحزاب أن النظام الانتخابي الذي يستحقه المغاربة تناسبا مع التطور/النكوص الديمقراطي يجب أن يعتمد على “قاسم انتخابي” صوري وظيفته هي تزوير النتائج بكل شفافية!
لذلك فهو “قاسم انتخابي” قاسم لظهر منطق المشاركة السياسية، وقد لا يكون من المبالغة وصفه بأنه أول مساهمة مؤسساتية لإضعاف المؤسسات نفسها وقتل مشروعيتها، لأنه يساوي حرفيا بين المشارك والمقاطع، فهو إذن قاسم انتخابي مثالي لرفع منسوب المقاطعة الانتخابية.
باختصار، هذا مقترح لاعتماد قاسم انتخابي جديد يكرس العزوف ويدعو المواطنين أكثر للبقاء في بيوتهم يوم الاقتراع مادام أن نتيجة الاقتراع سواء شاركوا أم قاطعوا هي واحدة من حيث مآل التصويت …
ونتيجة لفرط تهور هذا المقترح “الهبال” الذي سيزج بنا في حال اعتماده نحو متاهات جهنمية، ويهوي بنا دركات سحيقة في سلم الهبوط الديمقراطي، أعتقد أن بقية باقية من رجاحة عقل ستعمل في الأخير على التخفيف من غلواء المقترح أو استبعاده من على طاولة التفاوض وتعويضه بآليات أخرى أكثر نعومة لتحقيق المراد، وقد أكون مخطئا في هذا التوقع.
الغريب في الأمر ان هذا المقترح “الأحزابي” جاء على النقيض تماما من مضمون الدعوات الجادة والمتواصلة التي تنبه لخطورة تنامي العزوف الانتخابي واستمرار أسبابه وخطره على مصداقية العملية السياسية، في سياق سياسي سمته الأساسية تراجع منسوب الثقة في المؤسسات و هيمنة حالة من الإحباط النفسي ولدتها أحداث متلاحقة تشكك عمليا في جدوى المشاركة السياسية.
وكأن أصحاب المقترح أرادوا بمقترحهم هذا أن يعاكسوا أي محاولة للقيام بقراءة صحيحة للمشهد السياسي ينتج عنها الانخراط الجماعي في تصحيح ما يمكن تصحيحه من اختلالات.
مايجب الانتباه اليه في اعتقادي، أن المجتمع المغربي ولأسباب عديدة سيتابع فصول هذه “المواحهة” الجديدة بين العدالة والتنمية وباقي الأحزاب المؤيدة للمقترح بفتور كبير، قد تصل إلى اللامبالاة، وذلك إذا لم تتغير النبرة و يتغير الخطاب وتتضح زاوية المعالجة.
قد يرى الكثيرون أن رد فعل العدالة والتنمية تجاه “القاسم الانتخابي المقترح” هو نتاج لطبيعة تقييم الحزب لخسائره الذاتية المتوقعة في حال اعتماد هذه الآلية وإدراكه للخطر المحدق بمكاسبه الانتخابية ومقاعده البرلمانية.
وتبعا لذلك قد يرى هؤلاء المتابعون والمهتمون بأن موقف العدالة والتنمية ليس انتفاضة في وجه العبث والتبخيس، ولا رفضا للإساءة البالغة للمسار الديمقراطي المتعثر أصلا و لا مقاومة لزجّ البلاد في متاهات ضعف المشاركة السياسية و إضعاف المؤسسات وتكريس الفراغ وما يشكله ذلك من خطر على الدولة.
بطبيعة الحال لن يعنت هؤلاء في ايجاد شواهد و سوابق من سلوكات الحزب تعضد رأيهم، ويكفي الرجوع قليلا للوراء للتذكير ب”صمت” الحزب المستهجن تجاه قضايا لاتقل خطورة و فتكا بالدستور وبالتطور الديمقراطي و تضحية بمنطق المشاركة وجدوى العملية السياسية.
في تقديري أن رفض واستنكار تهديد القواعد الديمقراطية هو موقف مبدئي لايجب أن يكون البتة مرهونا بحسابات الربح والخسارة.
و حتى إذا افترض خصوم العدالة والتنمية ومنافسوه اليوم أن المستفيد الوحيد من الحفاظ على مكتسبات النظام الانتخابي الحالي، بميزاته وعيوبه، هو حزب العدالة والتنمية فلن يكون هذا الاعتبار بالنسبة لهم مبررا للكفر بالديمقراطية وقواعدها، وقد يكون مفيدا تذكير هؤلاء أن تحمل “ولاية ثالثة” أهون بكثير من هدم ما تبقى من دواعي الإيمان بجدوى المشاركة السياسية.
من المرجح أن سلوك العدالة والتنمية ليس مثاليا في الدفاع عن الديمقراطية، وقد لا تشجعك بعض مواقف الحزب السابقة التي أُضطُرَّ إليها ربما في سياق سياسي مأزوم يطبعه الارتباك العام، غير أن هذا لا يعفي أي أحد من ضرورة التنبيه لخطورة ما يتم التخطيط له من إفراغ للعملية السياسية من أي محتوى ديمقراطي أو رهان سياسي معتبر ويستحق الذكر.
الآن وبغض النظر عن طبيعة انشغالات المجتمع المغربي واهتماماته الفعلية، في سياق استثنائي يطبعه التخوف من المستقبل، وعدم اليقين، ومكابدة تداعيات مواجهة فيروس كوفيد19، خاصة على الصعيد المعاشي والنفسي والإجتماعي، و باستحضار وجود قدر ليس بالهين من المتابعة السياسية لما يجري، فإن مسؤولية قيادة العدالة والتنمية اليوم كبيرة وثقيلة وتاريخية في الانتقال برهانات النقاش العمومي من مستوى السجال الانتخابي إزاء قضية تقنية وهامشية كما تبدو للبعض إلى رحاب النقاش العمومي برهانات وطنية كبرى تستعيد طرح الأسئلة المصيرية.
يكفي هنا أن نستخصر طبيعة العملية الانتخابية باعتبارها لحظة تكثيف لصراع الإرادات ولتنافس المشاريع المجتمعية و طرح رؤى وتصورات تدبير الشأن العام الوطني والمحلي أمام أنظار الأمة باعتبارها مصدرا للسيادة و هذه الأمة هي التي تفوض بمقتضى الدستور لممثليها المنتخبين ممارسة السلطة.
وبالنظر إلى ما سبق وتأسيسا عليه، أجد من الملائم دعوة قيادة العدالة والتنمية إلى اثبات جدارة الحزب واستعداده لتصدر المشهد السياسي الوطني من جديد، و استحقاقه لأن يكون القوة السياسية الأولى في البلد، بما يفترض ذلك من لعب دور القاطرة السياسية في التصدي لقضايا الإصلاح و الدفاع عن الديمقراطية.
وبناء على ذلك يبدو ضرورة اعتماد مقاربة تفاوضية وإعلامية أخرى ممكنة ترتكز، من بين ما ترتكز عليه، على المبادرة و التواصل الواسع و الإفصاح والإبلاغ وخوض السجال وسط الجمهور و الرأي العام بدل محدودية التداول بين جدران قاعات الاجتماعات، فلا يمكن انتظار نتائج ذات بال من سياسة تواصلية محدودة تقتصر على التسريبات الصحفية و بلاغات التكذيب والتوضيح.
كما يتعين تكريس المطالب المضمنة في مذكرات الحزب الرسمية والتشبث بها، وهي مطالب لاعتماد آليات الديمقراطية المعيارية التي تتوخى النزاهة وشفافية العملية الانتخابية، بغض النظر عن الموقع الانتخابي لهذا وذاك، بدل الانجرار لمواجهة وإسقاط مقترحات رجعية مغرقة في عبثيتها، حيث نتهيأ نفسيا للقبول في نهاية المطاف بما هو دونها شرا وأقل منها ضررا تكريسا لمسلسل التراجعات.
و من الشائع اعتماد هذه التقنية التفاوضية، فمثلا تطالب هذه الأحزاب بإلغاء عتبة 6% الانتخابية كليا، أي أن تكون صفرا، لتجد نفسك تقبل بحل وسط بتخفيضها لعتبة 3% ، في حين كان مطلبك في الأصل هو رفعها ل 10%.
باختصار، أدعو إلى اعتماد مقاربة نضالية تجعل من قضية تثبيت “القاسم الانتخابي” الحالي أكثر من مجرد رغبة في الحفاظ على الكسب الانتخابي، وهو أمر مشروع على أية حال، بل وقفة لتسجيل نقطة نظام كبيرة تنبه لمخاطر المجازفة بما تحقق من مكتسبات والمضي في قتل السياسة وإنهاك مصداقية المؤسسات والعملية السياسية برمتها.
وغني عن البيان أنه مسعى خطير يتجاوز مجرد الإضرار بحزب العدالة والتنمية والسعي إلى تحجيمه.