مقالات الرأي
في الحاجة لبناء المواطن
رشيد الركراك : الكاتب العام لجمعية الأطر بجماعة العرائش
إن استقرار المجتمع وسعيه نحو التطور الإيجابي و التقدم لن يأتي إلا من خلال بناء المواطن المغربي وبناء شخصيته بناءا مدروسا بشكل دقيق لا مجال فيه لأي هفوة أو خطأ ، ومن هذا المنطلق ينبغي التأكيد على أن بناء المواطن الصالح لن يأتي إلا من خلال إيماننا القوي بأن الوطن هو نحن وبأننا نحن جميعا من نشكل النواة الحقيقية لهذا الوطن.
إن هذا البناء أي بناء المواطن وبناء الإنسان هو بناء أصعب بكثير من بناء الإقتصاد وبناء القناطر والمعمار، وبناء كل المشاريع الكبرى ،وهو البناء الذي يتحمل مســـؤوليته كل الجهات الرسمية وتلك الغير الرسمية أيضا ، أي الحكومة أساسا ثم الأسرة والجمعيات و الأحزاب والنقابات كذلك، فالوطن يســـتحق البـــذل والعـــطـــاء والتضحية من طرف الجميع بلا تـوقف قصد تحقيق الرقي الشامل والإقلاع الكامل .
إن المغرب قد استطاع منذ فجر الإستقال أن يفتح العديد من أوراش الإصلاح وأن يضع العديد من الخطط الإستراتيجية التي أهلته إلى كسب وضع متقدم جدا ضمن مصاف الدول السائرة في طريق النمو، لكن ظل المغرب يعرف مجموعة من الإكراهات التي حالت دون تحويل المجهوذات المبذولة إلى فرص حقيقة للإقلاع الإقتصادي والإجتماعي فمعدل البطالة بالمغرب حسب الدراسة التي أعلنت عنها مؤخرا المندوبية السامية للتخطيط إرتفع خلال الفصل الثاني من سنة 2020، بـ4,2 نقطة منتقلا من 8.1 في المائة إلى 12.3 في المائة.
أما نسبة معدل النمو الاقتصادي فقد تراجع إلى أكثر من إلى 2,7 في المائة حسب تقرير البنك الدولي في حين أن عجز الميزانية قد يصل إلى أكثر من 4 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي حسب توقعا بنك المغرب هذا دون أن ندخل في التفاصيل الأخرى لمعدل الهشاشة والأمية والهدر المدرسي وتوفير العلاج الصحي…إلخ، فهل المواطن المغربي يعي أين نحن نسير ؟ وهل يعرف هذا المواطن ما الذي ينتظرنا في السنوات المقبلة ؟.
مناسبة الحديث عن ضرورة بناء المواطن ،هو ما وقع مؤخرا من أحداث شغب ليلة عاشوراء وبمدينة الرباط وببعض أحياء المدن الصغيرة بسبب سلوكات بعض الشباب الذين عمدوا إلى إشعال النيران في العجلات المطاطية وسط الأزقة والشارع، وشرعوا في تفجير مفرقعات نارية وخلقوا فوضى هائلة سببت أضرارا مهمة للأملاك العامة والخاصة .
كما أن الدافع إلى الحديث عن إلزامية تجندنا جميعا لبناء المواطن هو الخطاب الأخير لجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده،بمناسبة الذكرى السابعة والستين لثورة الملك والشعب حيث نبه جلالة الملك المواطنين إلى ضرورة التحلي بسلوك المواطنة الحقة وأعرب بوضوح عن تخوفه من استمرار ارتفاع عدد الإصابات والوفيات ، و الرجوع إلى الحجر الصحي الشامل، بآثاره النفسية و الاجتماعية و الاقتصادي ، إذ أكد جلالته وبنبرة الحريص على المصلحة الفضلى لشعبه الوفي خصوصا بعدما لاحظ تدهور كبير للوضع الصحي بالمغرب وإرتفاع غير مسبوق لمؤشر عدد الإصابات بالوباء نتيجة للامبالاة المواطنين رغم المجهودات الجبارة التي قامت بها الدولة ، إلا أن إستهتار جزء من المواطنين وعدم إحترامهم للإجراءات الإحترازية التي أعلنت عنها الدولة جعلت المغرب يعاني من إرتفاع مؤشر عدد الإصابات بفيروس كوفيد 19، وفي هذا الصدد أكد جلالته في خطابه السامي الموجهه للأمة : ” بأنه بدون سلوك وطني مثالي و مسؤول، من طرف الجميع، لا يمكن الخروج من هذا الوضع، و لا رفع تحدي محاربة هذا الوباء ” .
إن بناء المواطن المغربي هي مسؤولية الجميع فالاحزاب السياسية عليها أن ترجع من جديد للدور الريادي الذي كانت تقوم به قبل سنوات وتخلت عنه الآن لأسباب لا يعرفها أحد وعليها أن تقدم للدولة مقترحات قابلة للتنزيل لتكوين الإنسان المغربي ، ونفس الشيئ بالنسبة للمجتمع المدني خصوصا الجمعيات التي تحصل على دعم مالي من مؤسسات الدولة والجماعات الترابية حيث على هذه الأخيرة أن تساهم بصدق في التنمية البشرية خصوصا على مستوى بناء مهارات الأشخاص على مستوى التربية والأخلاق وبناء أجيال مؤمنة بأهمية المسرح والموسيقي والرياضة أجيال محبة للفن التشكيلي وللشعر والجزل والكتابة وكل ما هو جميل وغير مؤدي لأحد .
لا أحد يستطيع أن ينكر المنهج الحكيم الذي يتبعه جلالة الملك لبناء دولة عصرية قوية، هذا المنهج الذي يجعل المغرب مثالا يحتذى به على الصعيدين الإقليمي والقاري في منطقة تعرف العديد من الاضطرابات وهي ميزة قوية يمتاز بها وطننا العزيز دون غيره ، ميزة تجعل المملكة المغربية بحق رائدة في القارة السمراء، لكن كل هذا المجهود سيصطدم بمجموعة من العقابات وقد يجعلنا نتأخر لعقود أو سنوات في إنجاز برامج كان من المفورض إنجازها في مدد وجيزة لو كان لدينا مواطنين واعين جدا بما لهم وبما لديهم ، نحن في حاجة لمواطن يساهم بدوره في تسهيل المأمورية التي تقوم بها الدولة تحت إشراف وتوجيه جلالة الملك حفظه الله ونصره لذلك على الأسرة أن تربي جيدا أبناءها، وعلى المدرسة أن تقوم بدورها في التكوين الجيد للناشئة على أسس حب الوطن وإحترام الآخر ،وعلى الأحزاب والجمعيات أن يؤطروا الشباب تأطيرا جيدا دون أي حسابات ضيقة حتى نبني جميعا وطنا قويا ونقول للعام هذا وطننا الذي هو نحن .