اقتصادسلايدر الرئيسية
أستاذ جامعي: الملك مارس سلطاته الدستورية بخصوص ملف المحروقات.. والشركات استغلوا “الهمزة”
قال حميد النهري، رئيس شعبة القانون العام بكلية الحقوق بطنجة، إن تشكيل لجنة التحقيق حول ملف المحروقات يمكن تفسيره كإجراء يدخل في إطار ممارسة الملك سلطاته الدستورية باعتباره الحكم بين المؤسسات الدستورية، مشيرا إلى أنه “ما دام يبدو أن هناك مشاكل تؤثر على سير أشغال المجلس، وذلك بين رئيس هذه المؤسسة وبين الأعضاء، خصوصا بالنسبة لملف المحروقات؛ لم يتم حلها داخليا فإن هؤلاء طلبوا تدخل الملك، وبذلك تم اعتماد صيغة لجنة مكلفة بإجراء التحقيقات الضرورية لتوضيح الوضعية”.
وأكد النهري، في تصريح ل”شمالي”، أنه “من خلال بلاغ الديوان الملكي يظهر أن هناك ارتباكا وغموضا تمثل في إصدار تقريرين من طرف المجلس، إضافة إلى طعن من طرف الاعضاء يشكك في كون رئيس المجلس يتصرف بناء على تعليمات أو وفق أجندة شخصية، وبالتالي طلب التحكيم الملكي.. أي أن الأمور ليست عادية في تعامل مجلس المنافسة مع هذا الملف”.
وتابع المتحدث ذاته، أنه “رغم هذا التدخل وإحداث هذه اللجنة، فإننا كمواطنين نحتاج إلى معرفة حقيقة ما جري ويجري داخل مجلس المنافسة فهو مؤسسة دستورية ينتظر منها المغاربة الكثير، بل راهنوا عليها في هذا الملف بالذات منذ تحرير سوق المحروقات وتقرير اللجنة البرلمانية، حيث أجرى مجلس المنافسة دراسة لما يقرب السنتين استمع فيها لمختلف الأطراف.. وحاليا أصدر نتائج كان من المنطقي أن يعلن عنها في إطار من الشفافية والمسؤولية الملقاة على عاتق المجلس، لكن ما حدث يطرح أكثر من تساؤل ويزيد الأمر أكثر غموضا ويجعلنا من جديد ننتظر انتهاء أشغال اللجنة الجديدة المعينة من طرف الملك، لنرى كيف ستعالج هذا الملف”.
وأضاف النهري، أن “الجميع يعلم أن قطاع المحروقات يعرف احتكارا من طرف شركات قليلة تشكل لوبيا قويا يتحكم في السوق؛ وتقرير مجلس المنافسة أكد ذلك، حيث توصل إلى نتيجة أن هناك احتمالا كبيرا لوجود تواطؤات شركات المحروقات وتجمع النفطيين بالمغرب.. لكن للأسف عوض أن يتحمل المجلس مسؤوليته وينجز وظيفته التي يحددها القانون ويُعَوِل عليها المغاربة، نجد أن هذه النتيجة أحدثت تصدعات بين مكونات مجلس المنافسة، الرئيس من جهة والأعضاء من جهة أخرى”.
وأشار الأستاذ الجامعي، إلى أن “بلاغ الديوان الملكي هو الذي كشف التصدع بين أعضاء مجلس المنافسة وقدمه للعموم. حيث أعلن البلاغ عن مجموعة من التناقضات التي شابت الموقف من ملف المحروقات داخل المجلس موضحا أن القرار الأول تم اتخاذه بموافقة 12 صوتا ورفض صوت واحد لكن بعد أيام جزء من هؤلاء الأعضاء (لم يحدد البلاغ عددهم) تراجعوا عن موقفهم وأخذوا المبادرة لطلب التدخل الملكي.. وهذا الأمر زاد الوضعية تعقيدا وغموضا، وأصبحنا أمام عدة احتمالات وتكهنات حول كيف يُسَيَر المجلس. وما هي مصداقيته. حيث تأكد أن هناك من يؤثر على عمل مجلس المنافسة وتقاريره وبشتى الطرق؛ وفي ذلك في الحقيقة مس باستقلاليته ومس بمصداقيته بل حتى في وضعه القانوني كمؤسسة دستورية وأحد دعائم الحكامة الجيدة”.
وبخصوص التلويح بعقوبات على شركات المحروقات ما بين 8 و9 في المائة من رقم معاملاتها السنوية، شدد النهري أن “هناك مذكرتين الأولى في 23 يوليوز2020 حددت غرامة مالية بنسبة 9 في المائة من رقم المعاملات السنوي المحقق بالمغرب بالنسبة لثلاثة شركات كبرى موزعة؛ والتقرير الثاني في 28 يوليوز من نفس السنة حدد هذه الغرامة في نسبة 8 في المائة من رقم المعاملات السنوي دون تمييز بين الشركات”.
وأضاف، “بغض النظر عن هذا الاختلاف في النسبة تبقى الغرامة مهمة جدا.. وإذا أردنا تفصيلها بقيمة عائداتها للخزينة ستكون أرقام مهولة نستطيع أن نجيب بها من جهة عن بعض تحديات الظروف الصعبة التي تعيشها بلادنا، ومن جهة أخرى نجيب بها عن ذلك السؤال المحوري الذي تطرحه وزارة المالية، وهو ضعف الموارد المالية”، مشيرا إلى “هذه الشركات المحدودة العدد مارست لسنوات عدة احتكارا وتحكما في سوق قطاع المحروقات حققت من خلال ذلك مداخيل كبيرة جدا على حساب المستهلك؛ ويجب أن نعترف أن هذه المداخيل لا يمكن إدخالها في خانة الأرباح ولكن تصنف في خانة الريع أي الحصول عليها لم يتطلب مجهودا من طرف هذه الشركات، بل فقط استغلالا لوضعية اقتصادية غير سليمة (الهمزة)”.
وأردف النهري، أن “المواطنين يعرفون حق المعرفة الوضعية غير السليمة التي يشتغل فيها قطاع المحروقات ببلادنا ويعرفون السياسة غير مسؤولة التي نهجتها الحكومة التي عملت على تحرير القطاع دون اتخاذ الإجراءات اللازمة المصاحبة لهذا التحرير؛ زائد توقف شركة تصفية النفط (لاسامير) كل ذلك أدى إلى فتح المجال أمام الشركات المحتكرة لفرض سياستها المعتمدة على مرجعية انتهازية مستغلة (الهمزة)، ولا علاقة لهذه المرجعية باقتصاد السوق ومصلحة الاقتصاد الوطني؛ بل أكثر من ذلك توالي هذه الممارسات جعلت المغاربة يطرحون عدة اسئلة من قبيل كيف ينخفض سعر النفط في السوق الخارجي ولا يواكبه انخفاض في السوق الداخلي،
هذا الأمر تبلور من خلال ردات فعل تمثلت في مقاطعة 2018 والتي أدت بالمواطنين أن يوجهوا انتقاداتهم إلى شركات معينة؛ وبالتالي أصبحوا يعرفون حق المعرفة من هي هذه الشركات التي تتحكم في القطاع بل أصبحوا يعرفون حتى من وراء هذه الشركات”.
وأكد الدكتور النهري، أن “الوضعية التي يجب مناقشتها بكل صراحة هي وجود لوبي قوي يتحكم في القطاع ويؤثر على جميع القرارات التي تمس مصالحه الضيقة، سواء كانت هذه القرارات صادرة عن مؤسسات دستورية، عبر تقرير البرلمان سابقا، وحاليا عبر مجلس المنافسة، أو تلك الصادرة عن ردات فعل المجتمع، وهذا الأمر في الحقيقة يشكل اليوم خطرا على التوازن الاجتماعي وفي هذه الظرفية الصعبة التي تقتضي مقاربات جديدة على جميع المستويات مقاربات تقطع مع مثل هذه الممارسات التي أدت بنا إلى إنتاج سياسة عمومية محدودة جدا عرتها أكثر وزادت في حدتها تداعيات جائحة كورونا. وهذه الوضعية تقتضي ليس فقط دق ناقوس الخطر ولكن استيعاب مستوى الخطر”.
وعبر النهري عن آسفها من قرارات الحكومة، قائلا: “يبدو أن حكومتنا في (واد والشعب في واد آخر)، حيث يظهر أنها حافظت على نفس السياسة، والتي لن تزيد سوى في غنى الغني وتفقير الفقير. الشيء الذي سيؤدي حتما إلى نتائج لا يحمد عقباها”.