الضفة الأخرىسلايدر الرئيسية

برشلونة .. إقامة مساكن مؤقتة اعتمادا على حاويات الشحن البحري لمواجهة تحدي السكن الاجتماعي

ــ سناء الوهابي ــ

إذا كانت مدينة برشلونة ( شمال إسبانيا ) ظلت على الدوام تشكل رمزا للمدن الأوربية وحتى العالمية الأكثر شهرة من حيث المعمار الفريد والمتجدد ومن حيث آخر الصيحات في مجال هندسة البناء والتعمير فإن مكون السكن الاجتماعي قد تأخر عن الظهور وظلت وتيرة المشاريع التي يتم إنجازها في هذا الإطار بطيئة حتى الآن بهذه المدينة التي تعد الأعلى كثافة سكانية في إسبانيا .

ولمواجهة هذا الإشكال قامت مدينة برشلونة ( عاصمة جهة كتالونيا ) حيث تتواجد أهم الأشكال والتصميمات الهندسية والمعمارية الحديثة في الدولة الإيبيرية بتجربة جريئة ترتكز على كثير من الخيال وتتمثل في بناء مساكن مؤقتة اعتمادا على إعادة تدوير حاويات الشحن البحري لتجمع بين الإبداع والخيال في تصميم وبناء سكن اجتماعي مؤقت وبين الالتزام بالمحافظة على البيئة والمحيط الإيكولوجي.

وأقيم هذا المشروع بالحي القوطي وسط برشلونة وهي منطقة مخصصة للسكن الاجتماعي حيث تم بناء مبنى يضم 12 شقة أربعة منها تتكون من غرفتي نوم على مساحة 60 متر مربع وثمانية أخرى من غرفة واحدة ( 30 متر مربع ) تم بناؤها في فترة زمنية قياسية مدتها أربعة أشهر وذلك بهدف تقديم حل سريع وفعال للإسكان المؤقت للأشخاص الذين يواجهون صعوبات في هذا المجال في انتظار استكمال إجراءات ومسطرة إنجاز مشاريع سكنية قارة لفائدتهم .

ودشن هذا المشروع الذي قدرت تكلفته المالية ب 940 ألف أورو في شهر يناير الماضي من طرف عمدية مدينة برشلونة ومكن من إسكان مجموعة من العائلات في انتظار بناء مساكن مستدامة لهم بنفس المنطقة والتي قد تستغرق رخص إنشائها وقتا طويلا حيث بمجرد الانتهاء من هذه المشاريع سيتم تفكيك هذا المبنى الذي أقيم بالاعتماد على حاويات الشحن البحري ونقله إلى مساحة أخرى فارغة وإعادة تركيبه لتستفيد منه عائلات أخرى تنتظر بدورها مساكن قارة في إطار السكن الاجتماعي .

وستحصل العائلات التي ستقطن في هذا السكن المؤقت على عقد إيجار قد يصل إلى خمس سنوات لكن يتعين عليها المغادرة بمجرد حصولها على سكن اجتماعي دائم .

وقالت لوسيا مارتان عضوة مجلس بلدية برشلونة ” هذه ليست مساكن قارة بل مجرد حلول سكنية مؤقتة ” للعائلات التي توجد في وضعية هشاشة في انتظار أن تنتهي الأشغال في مشاريع السكن الاجتماعي التي شرعت السلطات في إنجازها .

وأضافت أن ” بناء مباني جديدة يستغرق في الغالب بعض الوقت للإعداد والحصول على الرخص والتصاريح والتنفيذ لذلك كان من المفروض أن نبحث على مثل هذا الحل من أجل إيواء العائلات والأسر التي هي بحاجة ماسة إلى سكن واهتدينا إلى هذا المشروع الذي يشكل فرصة للسكن المؤقت في انتظار الشروع في إنجاز شقق حقيقية ” لفائدة هذه الشرائح المجتمعية .

بالنسبة إلى آدا كولاو عمدة برشلونة فإن هذه المساكن المؤقتة التي تم إنجازها تندرج في إطار برنامج الإسكان المؤقت للقرب الذي أعدته بلدية المدينة والذي يشكل آلية وأداة ” مبتكرة وفعالة ” لبناء مساكن مؤقتة بسرعة بهدف الاستجابة لحاجيات العائلات في السكن في انتظار الانتهاء من مشاريع السكن الاجتماعي التي يتم إنجازها في العديد من المواقع بالمدينة .

وقالت آدا كولاو ” إن إنجاز مشروع للسكن الاجتماعي التقليدي قد يستغرق وقتا يمتد ما بين ست وسبع سنوات من حيث التراخيص والإعداد والتنفيذ في حين تمت إقامة هذا المبنى وتثبيته في أقل من عام ” مشيرة إلى أن هذه الشقق ” تمكن من تقليص نسبة 58 في المائة من النفايات الناتجة عن البناء لأنها بنيت عبر إعادة التدوير في إطار الاقتصاد الدائري بالإضافة إلى أن هذه المساكن تنتج طاقتها الخاصة ” .

وعبر هذا البديل السكني المبتكر الذي أقيم بالفعل في إطار عملية ناجحة في عدد من المدن الكبرى بدول شمال أوربا مثل أمستردام وكوبنهاغن عملت عمدية مدينة برشلونة بصفة خاصة على الحد من التأثيرات البيئية والإيكولوجية لحاويات الشحن البحري وللعديد من المواد التي أعيد تدويرها واستخدامها في هذا المشروع .

يقول دافيد خواريز المهندس المعماري المسؤول عن المشروع ” من خلال هذه المبادرة قمنا بإعطاء حاويات الشحن البحري حياة ثانية وجعلناها تعيش بشكل من الأشكال فترة تقاعد هادئة ومريحة ” .

وحسب دافيد خواريز فإن هذه الشقق تتوفر على معيار آخر في مجال النجاعة الطاقية يتمثل في عزل الصوت والحرارة داخلها من خلال اعتماد واجهة بلاستيكية مصنوعة من مادة ( البوليكربونات ) مع تركيب الألواح الكهروضوئية مما يسمح لها باستهلاك الطاقة أقل من أربعة إلى ستة أضعاف من مثيل لها في مبنى تقليدي .

وستتم إقامة مبنى آخر هذا العام في منطقة ( سان مارتي ) في برشلونة لاستكمال هذا المشروع الرائد وسيشمل 42 وحدة سكنية منها 35 وحدة من غرفتي نوم و 7 وحدات من غرفة نوم واحدة .

فهل سيلبي هذا البديل السكني المؤقت الطلب المتزايد على السكن الاجتماعي على المدى المتوسط والطويل ويسمح بالتالي لمدينة برشلونة من أن تواجه أحد التحديات الرئيسية في هذا المجل خلال العقود القادمة أن أنها ستعمل على ابتكارات أخرى ومشاريع متفردة في مجال السكن . 

الوسوم

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق