سياسة

زهور الغزاوي .. الصوت الإذاعي الساحر الذي عمر بيوت المغاربة على امتداد عقود

من الذي لا يعرف زهور الغزاوي، الإعلامية والإذاعية والمثقفة الشامخة، التي أسرت بصوتها الجذاب والساحر ولغتها العربية الرصينة المستمع المغربي على امتداد عقود طويلة. 

هي بنت عروس الشمال طنجة، بها ولدت وترعرعت ورسمت أولى خطواتها نحو عالم الإذاعة، لتلتحق بإذاعة طنجة الجهوية في بداية السبعينيات من القرن الماضي، وعمرها لا يتجاوز آنذاك 16 ربيعا.

تحكي السيدة زهور بحنين غزير، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، عن بدايات تجربتها المهنية في استوديوهات إذاعة طنجة الجهوية وعن تطور التجربة، التي بدأت بمشاركتها في برامج للأطفال صحبة ثلة من الإعلاميين والإذاعيين في ذلك الوقت، وتستحضر من بينها برنامج “أطفالي الصغار”، الذي كان من إعداد وتقديم الإعلامية أمينة السوسي والإعلامي الراحل خالد مشبال.

ستتألق السيدة زهور، في نفس الفترة، في أداء عمل مسرحي شعري جرى تسجيله في أحد استوديوهات إذاعة طنجة، وهو يحمل عنوان “بقيت وحدي” لمؤلفه الشاعر المغربي الراحل أبو بكر اللبتوني، قبل أن تتلقى دعوة رسمية للاشتغال في هذه المحطة الإذاعية العريقة، التي يعود تاريخ تأسيسها وانطلاق عملها إلى عهد الحماية، وتحديدا إلى العام 1946.

وتعزو بنت طنجة تعلقها وولعها الكبيرين بالصحافة الإذاعية إلى والدتها، التي كانت شغوفة بالاستماع إلى المحطات الإذاعية الإسبانية في تلك الحقبة، ليحبب ذلك إلى زهور الطفلة العمل الإذاعي ويجعلها عاشقة لكل تفاصيله وحيثياته. 

أبانت السيدة زهور عن علو كعبها في الأخبار كما في إعداد وتقديم البرامج، ولم تثنها مسؤولياتها والتزاماتها الأسرية والاجتماعية عن القيام بواجبها المهني بالشكل المطلوب، فقد كانت في مرحلة من مراحل عملها باستوديوهات إذاعة طنجة تبدأ الدوام عند منتصف الليل إلى حدود الخامسة صباحا، وهي الزوجة والأم لطفلين، وتعود لتداوم في الفترة الزوالية دون أن يفقدها ذلك ولو جزء بسيطا من حماستها وحبها لمهنتها.

وحسب سيدة الميكروفون، كما يحلو للكثيرين تسميتها، فإنه يعود الفضل في كل ما حققته في مسارها المهني إلى شريك حياتها، الذي طالما كان متفهما لظروف عملها وكان بالنسبة إليها السند القوي ومولد الطاقة الذي لم يقف يوما في طريق نجاحها. 

واجهت السيدة زهور العديد من التحديات والعقبات الحياتية، وكان التحدي الأكبر على الإطلاق هو عدم تمكنها من متابعة دراستها الجامعية، بالنظر إلى صعوبة ظروفها الاجتماعية التي اضطرتها في ظل غياب الأب، الذي تعرض للاختطاف في المرحلة الاستعمارية، إلى العمل مبكرا من أجل إعالة أسرتها.

مع توالي السنين، ستسجل زهور الغزاوي نجاحات مشهودة تجاوزت الحقل الإعلامي إلى ميادين مجتمعية أخرى، فقد ولجت عالم السياسة في العام 2012 بانتخابها عضوا في المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، وهي حاليا تشغل منصب نائبة عن الحزب في مجلس مدينة طنجة.

بالنسبة للسيدة زهور، لم تكن فكرة العمل السياسي واردة البتة في ذهنها أو ضمن أهدافها، مبرزة أن ولوجها إلى عالم السياسة والعمل الحزبي تفتق خلال السنوات القليلة الأخيرة بفعل إلحاح أصدقائها وصديقاتها عليها، نظرا لإيمانهم الكبير بروح المواطنة والتفاني ونكران الذات التي تتمتع بها، خاصة بعد تقاعدها من العمل الإعلامي الذي كان يمنعها كل المنع من ممارسة أي نشاط سياسي أو نقابي.

وتنشط زهور الغزاوي بقوة في العمل الجمعوي الوطني والمحلي، كيف لا وهي العضو الناشط والمؤثر في العديد من المؤسسات الجمعوية، التي تتنوع اهتماماتها وحقول اشتغالها بين المرأة والطفولة والمواطنة والبيئة.

تتحدث السيدة زهور بحماس لافت عن تجربة جمعية حضانة طنجة للرضع والأطفال المتخلى عنهم، التي تشغل بها منصب كاتبة عامة، وهي الجمعية التي طورت عملها ومجال تدخلها بفعل تضافر جهود ودعم ثلة من الشركاء، على رأسهم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ووزارة التضامن والأسرة والمساواة والتنمية الاجتماعية، والتعاون الوطني، فضلا عن مساهمات المحسنين.

وتعتز السيدة الغزاوي كثيرا بعملها ضمن هذه المؤسسة، التي وضعت في مقدمة مساعيها إيواء واحتضان الرضع المتخلى عنهم والمحافظة على كرامتهم والبحث عن عائلات تتكفل بهم، فضلا عن رعاية الأطفال من ذوي الإعاقة وإحداث وتسيير حضانات للأطفال والرضع المتخلى عنهم.

وعلى مشارف الاحتفال بعيد المرأة العالمي، تؤكد زهور أن المرأة المغربية حققت مكتسبات كبيرة خلال الأعوام الأخيرة، معتبرة أن تعديل مدونة الأسرة هو الانتصار الأضخم على الإطلاق، زيادة على مكتسبات قانونية أخرى كقانون محاربة العنف ضد النساء والقانون الجديد للعاملات والعمال المنزليين، مشددة في الآن ذاته على عدم كفاية هذه الإصلاحات، وحاجة المرأة المغربية إلى مزيد من المكتسبات والانتصارات. 

ولا يكاد يختلف اثنان على أن زهور الغزاوي أو سيدة الميكروفون هي نموذج للمرأة المغربية التي تجاوزت عطاءاتها ونجاحاتها كل الحدود، فهي واحدة من أيقونات المشهد الإذاعي المغربي وعلامة فارقة في العمل التطوعي والجمعوي وحتى السياسي، هي زهرة مغربية أصيلة سيشهد التاريخ دائما على مسارها اللامع والاستثنائي.

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق