مقالات الرأي

عطل الملك وأسفاره.. ما لم يقله الصحافي الإسباني سامبريرو

مصطفى الفن

نشر الصحافي الإسباني إنياسيو سامبريرو، قبل يومين، مقالة بدت لي “متحاملة” تحدث فيها عن إجازات وعطل العاهل المغربي الملك محمد السادس.

وقال سمبريرو، في هذه المقالة، التي تضمنت أخبارا معروفة لدى الخاص والجميع، إن ملك المغرب يقضي 45 في المائة من وقته في عطل خارج البلاد.

والحقيقة أن القارئ البسيط لهذا الكلام المسموم سينتابه الشك قد يعتقد أن البلاد بلا حاكم وأن مؤسساتها لا تشتغل وأن كل شيء متوقف عن العمل وأن ملكنا مشغول بقضايا أخرى غير قضايا الوطن وبهموم أخرى غير هموم الوطن.

وكم هو مؤسف أن يصدر مثل هذا الكلام المغلوط من صحافي يقدم نفسه كمتخصص في الشأن المغربي وسبق له أن حاور الملك محمد السادس وألف كتابا حول المغرب وملك المغرب.

ويبدو أن سامبريرو وأمثاله من المهتمين بوطننا لازالوا لم يفهموا بعد أن المغرب الذي يكتبون عنه لا يمكن أن يعرفوه جيدا مثلما يعرف صحافيوه المغاربة ومثقفوه المغاربة وكتابه المغاربة، بل وحتى مواطنوه البسطاء من المغاربة.

نعم، لقد ولى ذلك الزمن الذي كانت فيه أخبار المغرب وأخبار صناع القرار في المغرب حكرا على وسائل إعلام أجنبية وصحافيين أجانب.

اليوم لم يعد الأمر كذلك، بل صار بإمكان كل المغاربة أن يعرفوا كل شيء تقريبا عن ملكهم وعن الأسرة الملكية وعن كبار المسؤولين المغاربة ولم تعد هناك أسرار حساسة وحصرية لا يمكن أن يعلم بها إلا سمبريرو وصحافيون آخرون من جنسه.

وفعلا، فالقارئ لمقال سامبريرو لن يجد فيه سوى معلومات وأخبارا كلها منقولة من الصحافة المغربية قبل أن تتعرض إلى “الطحن والعجن” من قبل الصحافي السابق بجريدة “الباييس” لتخرج في شكل مادة إعلامية مسمومة ومسيئة لأنها لم تقف إلا عند وجه واحد من العملة.

والواقع أن عطل الملك وأسفاره الخاصة ليست سرا يكتشفه المغاربة لأول مرة بعد مقالة سمبريرو، بل حتى الملك نفسه لا يخفي هذه الأسفار، بل يوثقها عبر صور و”سيلفيات” يلتقطها مع مواطنين مغاربة ويتداولها الناس في صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

لكن سامبريرو لم يقل ما هو أهم وهو أن الأمر يتعلق بأسلوب في الحكم و”الرجل هو الأسلوب” وأن أسفار الملك وعطله ليست مناسبات للاستجمام والراحة كما يتوهم البعض، بل إنها مناسبات حلت فيها ملفات كبرى ومشاكل كبرى والمستفيد هو الوطن.

وأستبعد ألا يكون صديقنا سمبريرو على علم بأن أكبر ملفات المغرب وجدت طريقها إلى الحل في مثل هذه الأسفار الملكية الخاصة وأن محمد السادس يمارس وظيفة الملك وأن البرتوكول متعب للجميع ولا يتسامح مع أي مسؤول في هرم الدولة.

وهذا معناه أن وظيفة الملك مع محمد السادس لا تعرف عطلا أو إجازات أو أعيادا أو أيام سبت أو أحد يقطع فيها الملك صلته بمشاكل الوطن وإكراهاته وتحدياته.

ولأن محمد السادس يمارس وظيفة الملك، خلافا لوالده الذي كان “شغوفا” بالملك، فقد يعقد مجلسا وزاريا ليلة عيد ديني إذا تبين أن المصلحة العليا للبلد تقتضي ذلك.

وقد حصل هذا في عيد الأضحى الأخير عندما دعا الملك إلى مجلس وزاري في سياق التطورات التي عرفتها احتجاجات الريف وما أعقب هذا المجلس من قرارات هامة بخصوص تعثر مشاريع “الحسيمة.. منارة المتوسط”.

أكثر من هذا، فالملك، كما يحكى، لا يكتفي فقط بقراءة ما يقدم إليه من تقارير أمنية أو غير أمنية في هذا الملف أو ذاك، بل قد يحدث أن يتصل جلالته شخصيا بوزير أو بمسؤول في أي وقت من الأوقات إما ليسأل بنفسه عن ملف أو ليعرف أين وصلت الأشغال في هذا المشروع أو ذاك.

بمعنى أن هذه القضية المتعلقة بأسفار الملك وعطله هي ليست قضية على الإطلاق، ولو أن صديقنا سمبريرو أرادها أن تكون كذلك لأسباب لا يعلمها إلا هو.

ثم إن الملك في المغرب ليس موظفا عموميا بالمعنى التقليدي المتعارف عليه في أوربا وأمريكا حتى نتحدث عن عطله وأسفاره الخاصة أو العامة.

الملك في المغرب هو راع ومسؤول عن رعيته و”مرسل” من السماء لإدارة شؤون بلده أينما كان لأن الأمور بمقاصدها وليست بقشورها.

وهذه القشور هي التي تحدث عنها سامبريرو ونسي المقاصد وما نراه على الأرض في شكل مؤسسات تشتغل بدون توقف وإنجازات تتحقق وأوراش تفتح ومشاريع تدشن.

طبعا دون أن يعني هذا أننا راضون أو أننا وصلنا إلى سدرة المنتهى في كل شيء.

وأنا أنهي هذه التدوينة، أخشى يقول قائل إنني مجرد شخص متملق يدافع عن الملك محمد السادس.

ويا له من كلام مضحك.

وما العيب في أن يدافع المغربي عن ملك المغرب عوض أن يدافع عن ملك إسبانيا؟.

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق