مقالات الرأي

حاكموهم حتى لا تتكرر المأساة ، وكي لا تستمر المعاناة..  !!

 

لا أدري هل تسلل إلينا الإحباط أم خفتت فينا جذوة الإحساس والتضامن مع إخواننا الشباب المعتقلين في قضية التدوين بعد مقتل السفير الروسي بتركيا ، فكلما أردت أن أكتب كلمات في الموضوع إلا ويستعصي علي الأمر ، بل وتتمنع على مجرد البداية ، مع العلم أنني لم ولا ولن أنس أخي وصديقي وحبيبي الغالي أحمد اشطيبات أطلق الله سراحه ،  ومعه كل الشباب المعتقلين في ذات الملف …، إذ كلما كنت أحاول الكتابة أو النقاش في الموضوع ، إلا ويبدأ الإحساس بالمرارة ، والشعور وكأن الجراح ترش بالملح …فلا أستطيع الصمود وأعدل عن الموضوع .

إلا أنني مؤخرا قرأت كتابا للكاتب والصحفي عبد السلام بنعيسى تحت عنوان ” ذاكرة الاعتقال السياسي بالمغرب حوارات ومسارات ” وهو بالمناسبة من أخطر وأثمن بل وأروع ما قرأت وفي نفس الوقت من أصعب وأسوأ وأقسى وأقصى ما يمكن أن يتحمله العقل البشري إطلاعا واستيعابا وحكيا قبل أن نتصور أن الجسم البشري قد تحمل ذلك مكابدة وتحملا وتجرعا… !!!

وإذا كان هذا الحيز لا يسمح بإعطاء ملخص للكتاب – لأن الكتاب نفسه لا يحتمل التلخيص -فإننا نكتفي بإعطاء نبذة عنه لتقريبه …فالكتاب ذو (322 صفحة ) هو عبارة عن 23 حوارا مع 23 شخصية( 22 رجلا وامرأة ) سبق لها أن عانت من الاعتقال السياسي ، في زمن ممتد من نهاية الستينات إلى بداية التسعينات من القرن الماضي .

وإذا كانت هناك قواسم مشتركة بين كل الشخصيات المحاورة ، من حيث المعاناة والتعذيب والاختطاف والإهانة والنيل من الكرامة الإنسانية والحرمان من الحرية والتعسف والترهيب والترويع والتجويع والسب والقذف والحرمان حتى من الحق في المحاكمة لوضع حد للمعاناة !!…..

فإن القاسم المشترك الآخر المضحك والمبكي بين جل المعتقلين هو الحصول في أخر المطاف على البراءة !! نعم البراءة !!!

تصوروا أن معتقلا يختطف من أمام باب لمدرسة حيث كان ينوي إيصال بناته إلى البيت بسيارته أو آخر يختطف من سريره ببيته ،أومن قسمه الذي يدرس به أو من قاعة سينما ..أومن بيت عائلته التي يقوم بزيارتها ، أو من محطة سفر …. فإذا به يختطف ويصفد وتوضع العصابة على عينيه ويمر من طاحونة العذاب بشتى أنواعها ويستنطق لسنوات ، ويطالب بحقه حتى في المحاكمة إن كان مذنبا،  فلا يستجاب له ويترك لحاله لسنوات وووو وفي الأخير يقف أمام القاضي وهو شبه هيكل عظمي أخرج من قبر ، فلا يستطيع حتى القاضي النظر إليه (بينما المعتقل يغرق في نوبة من الضحك !!)…ليحكم عليه بكل بساطة ب” البراءة ”   !!!

يضاف إلى ذلك قاسم مشترك آخر بين كل المحاورين ، وهو المتمثل في كونهم لا يحقدون على أحد ، ولا يطالبون بأي قصاص ، وإنما مطلبهم الوحيد والأساسي هو أن لا تتكرر المأساة ، وأن نحرص على تقدم بلدنا ، وان نوفر العيش الكريم للأجيال اللاحقة بتحقيق التنمية المستدامة ، وصون الكرامة الإنسانية .

ولذا فإن بيت القصيد من كتابة هذه الكلمات ، هي أننا نهمس في أذن المسؤولين في قضية الشباب المعتقلين ، على خلفية التدوين بعد مقتل السفير الروسي بتركيا ، بان يسرعوا بمعالجة هذا الملف ، وعدم الزج به في غياهب الانتظار والتأجيل ، حتى تأخذ الأمور مجراها الطبيعي ، وحتى لا نكلف بلدنا العزيز مزيدا من الخسائر على مستوى سمعته في مجال حقوق الإنسان ..معنى هذا أننا نطالب حتى بمحاكمة هؤلاء الشباب ، إذا ثبتت إدانتهم إذ أن المحاكمة بعد كل هذا الانتظار في الاعتقال الاحتياطي هي مكلفة جدا ، لا بالنسبة للمعتقلين ولا بالنسبة لأسرهم ، ولا بالنسبة لسمعة هذا الوطن العزيز …أما وإن ثبتت “براءتهم ” بعد كل هذا الانتظار وكل هذا الاعتقال فإن التكلفة لا محالة ستكون غالية …

نتمنى أن تكون الكلمة الفصل يوم الحادي عشر من هذا الشهر موعد نظر المحكمة في ملف هؤلاء الشباب …نتمنى كل الخير لهم ، ولأسرهم ، ولبلدنا العزيز نتمنى الأمن والأمان والرخاء ..

سعيد الخياط بوجعاب 

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق