محمد أمحجور: نائب عمدة طنجة السابق
هامش على أشغال التهيئة الحضرية بمدينة طنجة.. هل تم الاستغناء عن مشروع الحافلات ذات المستوى العالي للخدمة BHNS؟
أم أن إنجازه سيتم بالشروط التقنية الدنيا المهددة لجودة المشروع وفعاليته؟
أتابع كغيري من ساكنة مدينة طنجة أشغال التهيئة الحضرية التي تعرفها مدينة طنجة. وللإشارة، وبغض النظر على كل الملاحظات المتعلقة بأولويات التهيئة وعدالة توزيعها وجودة أشغالها، لا يمكن للمرء إلا أن يثمن هذا الاستثمار العمومي الكبير بالنظر إلى أهميته وأثاره المرتقبة على تسهيل حياة الساكنة وتجويدها.
وفي علاقة بموضوع هذا المقال، فإن أول ملاحظة مثيرة للاستغراب هي غياب اللوحات الإخبارية الخاصة بالأوراش المفتوحة -بحسب ما عاينته واطلعت عليه-، وهذه الأخيرة فضلا عن أنها إلزامية بحكم القانون، فإنها تمكن الساكنة عموما، والمهتمين بالشأن العام على وجه الخصوص، من ممارسة حقهم الدستوري في الحصول على المعلومات ذات الطابع العام، من مثل التعرف على نوعية الأشغال وميزانيتها وآجالها والمقاولة المكلفة بإنجازها وصاحب المشروع، وغير ذلك من المعطيات المتعارف عليها في هذا الشأن.
لكن، وبغض النظر عن هذا الأمر، فإن الذي أثار تساؤلاتي واستغرابي أساسا، هو نوعية أشغال التهيئة التي تتم على مستوى شارع مولاي رشيد، -”فال فلوري وطريق المطار سابقا”-، وبعض الأشغال التي تهم الطريق الوطنية رقم 1 ”طريق الرباط”، والتي تتم بشكل لا يوحي تماما بأنها مخصصة لمشروع الحافلات ذات المستوى العالي للخدمة، ”BHNS أو BRT أو Busway”، وهذه كلها أسماء مختلفة لشيء واحد، وهو المشروع المهيكل للنقل العمومي الحضري بواسطة الحافلات، والذي كان من مخرجات مخطط التنقل الحضري المستدام PDUD، كما تم إنجازه في الولاية الانتدابية السابقة 2025-2021.
وبناء على هذه الملاحظات العامة، لدي بعض الأسئلة للمشرفين على أوراش التهيئة الحضرية التي تتم بمدينة طنجة، وهي:
1.هل تتم هذه الأشغال، خاصة في محوري شارع مولاي رشيد والطريق الوطنية رقم 1 ”طريق الرباط”، في إطار قرار سياسي متعلق بالسياسات العمومية المحلية ذات الصلة بالنقل الخضري العمومي، وعلى وجه الخصوص بالمشروع المهيكل لذلك، أي الحافلات عالية جودة الخدمات، ”BHNS”؟ وهل الخيارات التقنية لتهيئة هذين المحورين تتم في إطار هذه الرؤية؟ ذلك أن هذا الأمر يقتضي إعطاء الأسبقية المطلقة للحافلات بما يمكنها من الوصول إلى متوسط السرعة التجارية الضرورية والمفيدة للمرتفق ”La vitesse commerciale moyenne nécessaire et utile à l’usager”، ومعلوم أن هذا الأمر مهم جدا ولازم لإنجاح هذا المشروع المهيكل؟
2. هل تتم هذه التهيئة طبقا للشروط التقنية الفضلى التي تمكن من إنجاز هذا المشروع الكبير والمهيكل في أفضل شروطه التقنية؟ ومن أفضل تلك الشروط توفير الممرات الخاصة ”Les sites propres” بالمواصفات التقنية الأعلى، ومنها على وجه الخصوص اختيار الممرات الوسطى داخل المحاور، وتهيئة المدارات طبقا لذلك، ثم بعد ذلك حمايتها بجعلها غير متاحة للعربات الخاصة، وأخيرا عدم استعمال الاسفلت ”الزفتEnrobé-”، لأنه سريع التآكل خاصة مع استخدام الحافلات الطويلة والممتلئة بالركاب بوتيرة عالية ولمدد زمنية ممتدة. ومعلوم في هذا السياق أن تكلفة الصيانة لهذا النوع من الطرق مرتفع، فضلا عن أن القيام به من شأنه أن يوقف مرارا وتكرارا الاستغلال، وهو ما من شأنه تقليص جودة وجاذبية هذا النوع من النقل الحضري العمومي؟ والغريب والعجيب في هذا الصدد أن المشرفين على هذا الورش، لربما لم يكلفوا أنفسهم عناء الاطلاع على تجربة متاحة وقريبة، وهي تجربة مدينة الدار البيضاء التي أنجزت هذا المشروع على أحسن الأوجه التقنية.
للأسف الشديد، أجدني مضطرا، بالنظر إلى ما شاهدته من أشغال، وفي غياب لوحة مشروع الحافلات ذات المستوى العالي للخدمة BHNS، أن أجزم أن هذا المشروع، إن كان لا يزال على قيد الحياة، سيخرج مختلا وضعيفا بالنظر إلى طبيعة الأشغال الجارية. وإن غياب تهيئة حضرية تعطي الأسبقية المطلقة للنقل العمومي الحضري، وغياب الشروط التقنية الفضلى لهذا المشروع المهيكل -خاصة منها الممرات الخاصة طبقا لمعاييرها التقنية المتعارف عليها-، كل ذلك وغيره مما لا يسع المقام لذكره، هي مقدمات توفر كل شروط فشل هذا المشروع، بحيث ستختلط الحافلات مع عموم العربات، وستتقلص سرعتها التجارية، وستغيب جاذبيتها لدى المرتفق، وستزداد مشاكل التنقل الحضري تعقيدا، خاصة ونحن نستعد لاستقبال تظاهرات دولية كبيرة من مثل كأس إفريقيا وكأس العالم.
ختاما أخشى ما أخشاه، أن تسبب هذه التهيئة الحضرية ذات الصلة بمشروع الحافلات ذات المستوى العالي للخدمة BHNS، في ارتباك المشروع وفشله لا قدر الله، وأن نجد أنفسنا بعد وقت قصير من إطلاقه، مضطرين لإيقافه وإعادة تهيئة بنيته التحتية طبقا لمعاييرها الفضلى، حينها لن نكون قد أضعنا وقتا تنمويا ثمينا فحسب، وهو أمر في غاية الأهمية، ولكن الأسوء من ذلك أننا سنعيد الأشغال بتكلفة أعلى وبخسائر بالجملة، وسنكون فضلا عن كل ذلك أمام قضية مكتملة الأركان لجريمة تبديد أموال عمومية من خلال إساءة استخدامها. وتلك مسألة لا مصلحة فيها لعاقل، ولا نتمناها لأحد من عموم المسؤولين. أتمنى أن يكون ظني مخطأ.
