محمد خيي.. برلماني سابق
عندما يضطر عامل بسيط لنقل زوجته أو ابنه أو والدته على وجه السرعة إلى “مصحة خاصة” لإجراء عملية جراحية مستعجلة، وهو يعلم يقينا انه من غير الممكن اطلاقاً اجرائها في مستشفى عمومي، لعدم جاهزية المستشفى أو لغياب الطبيب المختص أو نظرا لوجود لائحة انتظار طويلة او لغيرها من الاسباب التي قد لا تخطر لك على بال، فان معنى ذلك ان هذا العامل المحدود الدخل مضطر لان يتحمل بشكل كامل تكاليف العملية الجراحية والاستشفاء والدواء والتحاليل والأشعة و غيرها من المصاريف الإضافية (..)، وهذا معناه مرة أخرى انه مضطر للأداء نقدا وفورا لتغطية مجموع التكاليف والتي ستصل من دون شك إلى الملايين من السنتيمات …
وحتى لو كان هذا العامل مستخدما، ولديه تغطية صحية في اطار النظام العادي فانه ملزم بأن يتحمل فوق طاقته المالية، وسيقوم بالأداء الكامل والفوري، بل والأنكى من ذلك انه لن يسترجع من صندوق الضمان الاجتماعي إلا “نسبة قليلة” قد تصل إلى ثلث المبلغ المؤدى، وقد تصل بالكاد إلى نصف المبلغ في احسن الحالات، وذلك بعد عَنَتِ إعداد الملف الطبي والإداري، وبعد فترة إنتظار ، وقد يُرفض الملف كما تعلمون لسبب من الأسباب التافهة…
وعندما يكون المستخدم محدود الدخل، وهذه هي الحالة العامة، ويكون هو المعيل الوحيد للأسرة، وهذا حال الملايين من المغاربة، فان معنى ذلك مرة ثالثة أن الخيارات المتاحة أمامه لدخول المصحة وإجراء العملية على وجه السرعة هي اللجوء إلى الاقتراض، أو بيع ذهب الزوجة إن وجد (وهو الادخار الاستراتيجي للأسرة)، او التصرف بطريقة من الطرق المعروفة في مثل هذه الحالات والتي تكسر ظهر المرء.
وحتى عندما يعجز أحدنا عن التصرف أمام ضائقة مالية حلت به فجاة ودون مقدمات، ولا يكون مصدر الضائقة خطرا يهدد حياة المرء او أحد أقاربه، فإنه رغم قسوة الظرف إلا أنه يمكنه ان يتصرف في حدود معينة، كما ان الأمر لا يكون بالقسوة نفسها عندما يجد نفسه أمام أبواب مصحة خاصة تشترط عليه أن يحضر مالا ليس بحوزته لكي ينقذ حياة قريبه …
أما إذا كان العامل مستخدما غير مصرح به حاليا، أو عاملا غَيَّر نشاطه المهني، أو عاملا مستقلا و غير أجير، تراكمت عليه ديون واجبات الاشتراك غير المؤادة، فان تغطيته الصحية كانت ولم تعد، بل أصبحت عارية، و سيقال له” كان فعل ماضي ناقص”، وسيجد نفسه لا محالة أمام مايسمى ب”الحقوق المغلقة”، وهي تعبير ملطف للقول بانك وأسرتك بدون أي تغطية صحية …
وفي حالة الحقوق المغلقة يكون لزاما عليك اداء تكاليف العلاج كاملة حتى وان ولجت المستشفى العمومي !
وفي حقيقة الأمر، إن هذه الفئة الاجتماعية تواجه مخاطر عظيمة، أقلها عدم القدرة على الولوج إلى الخدمات الصحية، وهي تواجه هذه المخاطر مجردة من أي نوع من “الحماية الاجتماعية” الفعلية، ودون أن تستند إلى أي نوع من “التأمين” الذي قد يحفظ لها كرامتها.
واذا كان الأمر كذلك بالنسبة لمن يصنفون على أنهم أصحاب دخل، فكيف تتصورون وضعية من هم أدنى من ذلك، وهم الفئة التي تصنّفهم الحكومة على انهم ليس لهم دخل قار ولكنهم مع ذلك لا يستحقون أمو- تضامن!! ( وهي تغطية صحية مجانية) ؟
بل أكثر من ذلك، اشترطت الحكومة على هذه الفئة مقابل الاستفادة من خدمات المستشفى العمومي ان يحصلوا على تغطية صحية مؤدى عنها تسمى أمو -شامل، وهي متاحة لهم فقط مقابل أداء واجب اشتراك شهري
اعلم ايها المواطن المغربي ان هذه الفئة الاجتماعية التي ليس لها دخل قار و المؤهلة نظريا للحصول على هذه التغطية الصحية المسماة (أمو-شامل) هي نفسها الفئة التي كانت لديها مجانية في الولوج للمستشفى العمومي بكل نقائصه وأعطابه، من خلال الحصول على بطاقة راميد، الى أن جاء المؤشر الاجتماعي (اللغز) وعرى هذه الفئة من كل غطاء وتغطية. وكان المؤشر الحهبيذ قد أحصى هؤلاء وعدَّهم وميز فقراءهم عن أغنيائهم، وقرر ان يخرجهم من دائرة الفقر، لأن المؤشر لديهم ارتفع فجأة فوق “العتبة المؤهلة للاستفادة”.
واعلم أيها المواطن المغربي ان التغطية الصحية حق من حقوق الانسان، وحق مكفول دستوريا في بلادنا لكل فرد من المجتمع. وقد زعمت الحكومة الموقرة فيما تزعم انها عممت التغطية الصحية على كل المغاربة، لكن الحقيقة أيها المواطن المغربي هي ان مؤسسات الحكامة تقول ان ملايين المغاربة بدون تغطية صحية وحتى ولو كانت صورية، فكيف بها ان تكون فعلية.
واذا وقفت أيها المواطن المغربي على هذه الوقائع ، فضلا عن أشياء اخرى ليس هنا مقام تفصيلها، فساعتها سيزول لديك اي شك بأن ما تحدث عنه السيد رئيس الحكومة، قبل اسبوع من فوق منصة البرلمان، مدعيا أن ” المنظومة الحالية للتغطية الصحية الإجبارية تشمل عموم الأسر المغربية” هو مجرد لغو وكلام فارغ ، ان لم يكن في الحقيقة خبرا زائفا.
وفي الحقيقة، لا يُتَصور وجود حماية اجتماعية فعلية بدون تعميم خدمات صحية يؤمّنها قطاع الصحة العمومية، وتكون هذه الخدمات ذات جودة ومتاحة للجميع وسهلة الولوج.
أما حديث إرساء مقومات “الدولة الاجتماعية” فيحتاج إلى تفصيل وحديث آخر، وربما يحتاج أكثر إلى سياق آخر …
وهذا ماكان والسلام …