مقالات الرأي
محام بهيئة تطوان يكتب.. عذرا، “الهيني” ليس استثناء، والقانون يعلو فوق الجميع
محمد رضا السلاوي
محــام بهيـئة تطــوان
قرر مجلس هيئة المحامين بتطوان يوم الثلاثاء 12 أكتوبر 2016 قبول طلب تقييد “الدكتور محمد الهيني” في جدول الهيئة، وهو الذي سبق أن صدر في حقه قرار بالعزل من القضاء لأسباب تتعلق بالإخلال بواجب التحفظ والتعبير عن آراء سياسية.. وقد أثار قرار قبول تسجيله من طرف مجلس الهيئة نقاشا قانونيا بين الزميلات والزملاء على امتداد هيئات المحامين بالمغرب وخاصة في هيئة تطوان بين مؤيد ومعارض.
وبعيدا عن الاعتبارات الانسانية والاجتماعية وتضامن العديدين مع “القاضي المعزول” ومن ضمنهم العديد من المحامين بالمغرب، وهي الاعتبارات التي دفعت بعض الزملاء لغض الطرف عن مدى توفره على الشروط المنصوص عليها قانونا لولوج مهنة المحاماة والتسجيل في جدول إحدى هيئاتها بالمغرب، فإنني ارتأيت أن أتناول الموضوع بنقاش هادئ لا أريد منه سوى الانتصار للقانون الذي ليس هو الحق بالضرورة، وللتأكيد على خلاصة مفادها أنه مهما كانت المبررات والدوافع الإنسانية والعاطفية وربما السياسية وغيرها.. فإنها للأسف لا تُسعفنا البتة، كرجال قانون، لقبول لَي عُنق القانون من أجل تسجيل أي كان في مهنة المحاماة، لأن أولى أبجديات القاعدة القانونية هي أنها عامة ومجردة، وهي بالتالي لا تستثني أحدا من حيث التطبيق، وإلا فقدت عِلة وجودها، وما عاد بالإمكان احترامها. وإن كان القانون لا يؤدي الى إحقاق الحق فالمطلوب تغييره والنضال من أجل ذلك لا خرقه أثناء التطبيق واعتبار ذلك “انتصارا”.
واستنادا لما سبق ولما سيأتي، أجدني عن اقتناع ضمن صفوف من اعتبروا القرار الصادر عن مجلس هيئة المحامين بتطوان بتسجيل الدكتور الهيني في جدول الهيئة قرارا مخالفا للقانون المنظم لمهنة المحاماة، وأجدني مُلزما بالتالي بتحية كل من عارضوه داخل المجلس وخارجه لأسباب قانونية محضة، بغض النظر عن المشاعر الانسانية تجاه المستفيد منه، كما أجدني مضطرا أمام الغليان الذي تعرفه هيئة المحامين بتطوان بعد صدور هذا القرار الى توضيح موقفي من الناحية القانونية بعيدا عن كل الحسابات السياسية والشخصية الضيقة، وذلك من خلال ما يلي:
القانون لا يعفي “الدكتور الهيني” من الحصول على شهادة الأهلية ومن قضاء فترة التمرين:
ينظم القانون المنظم لمهنة المحاماة رقم 28.08 شروط الولوج الى المهنة سواء عبر التسجيل في لائحة التمرين كقاعدة عامة أو التقييد في جدول المحامين الرسميين مباشرة في حالات خاصة أدرجها المشرع على سبيل الحصر، وتوضح المادة 5 من هذا القانون الشروط العامة التي يجب توفرها في المترشح ومن بينها الجنسية المغربية وسن لا يتجاوز 45 سنة لغير المعفيين من التمرين والحصول على الإجازة في الحقوق والحصول على شهادة الأهلية لممارسة مهنة المحاماة، بالاضافة الى ضرورة عدم وجود إدانة سابقة للمترشح قضائيا أو تأديبيا بسبب ارتكابه أفعالا منافية للشرف والمروءة أو حسن السلوك ولو رد اعتباره.. وغيرها من الشروط الواردة في المادة المذكورة، وهي شروط يتعين أن تتوفر في كل من يرغب في مزاولة مهنة المحاماة بدون استثناء سِوى ما سيرد بعده في المادة 18 من نفس القانون.
وبالاطلاع على مقتضيات المادة 18 من القانون المذكور، نجدها تحدد خمس حالات استثنائية وعلى سبيل الحصر يعفى فيها المترشح من الحصول على شهادة الأهلية لممارسة مهنة المحاماة ومن التمرين، وهما الشرطين المذكورين في المادة الخامسة كما أشرنا واللذين لاغنى عنهما في جميع الحالات الغير مذكورة في المادة 18، وما يهمنا هنا هو حالة “قُدماء القضاة” التي أوردتها المادة 18 في الفقرة الثانية، والتي تنطبق على حالتنا.
ومن خلال المادة المذكورة نجدها تنص في فقرتها الثانية على أنه “يعفى من الحصول على شهادة الأهلية لممارسة مهنة المحاماة ومن التمرين: قدماء القضاة.. بعد قبول استقالتهم، أو إحالتهم على التقاعد ما لم يكن ذلك لسبب تأديبي”. بمعنى أنه بالنسبة لمن كان قاضيا، فإن حالتين اثنتين ذُكرتا على سبيل الحصر هما اللتان يمكنهما الاستفادة من الاعفاء من الحصول على شهادة الأهلية ومن التمرين: الحالة الأولى هي قبول الاستقالة، والحالة الثانية هي الإحالة على التقاعد، ولكن مع شرط أساسي هو ألا يكون ذلك لسبب تأديبي. ولم يذكر المشرع حالة العزل من بين الحالات التي يمكن إعفاء “قدماء القضاء” فيها من الحصول على شهادة الأهلية ومن التمرين كما هو واضح وجلي.
وللتأكيد، يمكن أن نخرج من خلال ما سبق بخلاصتين، أولا أن القاضي المستقيل والقاضي المحال على التقاعد بدون سبب تأديبي، هما الوحيدان من بين “قدماء القضاة” اللذان يخول لهما القانون ولوج مهنة المحاماة بدون شهادة الأهلية وبدون تمرين، وبالتالي التسجيل مباشرة في جدول المحامين الرسميين، وثانيا وباستعمال مفهوم المخالفة فإن غيرهما من “قدماء القضاة” يتعين عليهم الخضوع للشروط العامة المسطرة في المادة 5 وعلى رأسها الحصول على شهادة الأهلية وقضاء فترة التمرين من ثلاث سنوات، دون تمييز بينهم وبين باقي ابناء الشعب المغربي الراغبين في ممارسة مهنة المحاماة.
وبالتالي إذا عرجنا على حالة السيد “محمد الهيني” الذي اشتهر بصفة “القاضي المعزول”، فإنه لا يشكل استثناء طبقا للقانون، لأنه غير مُدرج في الحالتين الفريدتين اللتان حددتهما المادة 18 من القانون المنظم لمهنة المحاماة من ضمن “قدماء القضاة”، ما دام لم يقدم استقالته ولم يُحل على التقاعد لسبب غير تأديبي، بل هو معزول بقرار تأديبي، بغض النظر عن أسبابه وحيثياته، وبالتالي يتعين عليه الخضوع لكافة شروط المادة 5 وعلى رأسها الحصول على شهادة الأهلية وقضاء فترة التمرين.
من خلال ما سبق، يتضح أن محاولة البعض للمزج بين المادتين 5 و 18 والتعامل مع شروطهما بانتقائية، بحيث يمزج بين ما يُسعفه من هذه وما يُريده من تلك، ليس سوى محاولة يائسة لِلَي عُنق القانون خدمة لأغراض شخصية قد تكون بريئة وقد تكون غير ذلك، ويكون بذلك قرار مجلس هيئة المحامين بتطوان المذكور مخالفا للقانون ولا مجال لتبريره.
على سبيل الخاتمة: “القانون أو “الهيني”، الجماعة أو الفرد؟
لقد تضامنا جميعا من الدكتور الهيني لما عاناه في السنوات الأخيرة بسبب آرائه، وقد اعتبر هو شخصيا أنه يناضل من أجل القانون وضد الشطط في تطبيقه، ولذلك فالمبدئية تقتضي أن نرفض جميعا تحريف القانون ولَي عُنقه سواء كان ضدنا أو لصالحنا. وحتى إذا ما كانت القاعدة القانونية التي سنها المشرع مجحفة أو ظالمة، فالأَوْلى أن نناضل من أجل تغييرها لا أن نُطالِب بخرقها مادامت ضد مصلحتنا، أو أن نلوي عنق الحقيقة ونقول أن قرار قبول التسجيل “مؤسس قانونيا وقضائيا وفقهيا” كما ورد على لسانه شخصيا، وأنا ألتمس العذر له في قول ذلك لِما عاناه، ولكن لا ألتمس العذر لأي أحد غيره في قولها، فالحق حق والباطل باطل، وهما لا يتغيران بتغير مصالحنا ومواقعنا، كما أن النضال لم يكن يوما مرتبطا بمصالح شخصية بل كان دوما مرتبطا بمصالح الجماعة، وهو قناعة شخصية وتضحية فردية من أجل مصلحة جماعية، وما كان يوما تضحية جماعية من أجل مصلحة فردية وشخصية أيا كان صاحبها.
إن الدفاع عن خرق القانون وخلق استثناءات أمامه مهما كان جائرا بدل المطالبة بتغييره ليستفيد من تغييره الجميع يشكل ضربا لمبدأ المساواة أمام القانون، وهذا ليس من النضال في شيء.
يتعين العمل ربما على تعديل نص المادة 18 ليستفيد منها “قدماء القضاة” المعزولون لأسباب سياسية أو تتعلق بحرية الرأي والتعبير، إذا ما أردنا أن لا تتكرر حالة كهذه مستقبلا ونجد أنفسنا مكبلين حيالها.
هذا هو ما يجب أن يعمل “شرفاء الوطن” على تحقيقه، بدل أن يفرحوا لخرق القانون لأنه كان هذه المرة لصالحهم، وينعتوا البقية بأقذع النعوت.. لا تطبقوا علينا مقولة “معنا أو مع الإرهاب”، فنحن مع القانون قبل “الهيني” وإن كنتم مع “الهيني” قبل القانون.
“الدكتور الهيني” مِثلنا جميعا، ومِثل كل أبناء وبنات هذا الشعب المغربي المناضل، يجب أن يخضع للقانون، وأن يسلك الطريق التي سلكها ويسلكها كل من اختار أن يكون محاميا رغم صعوبتها، وعندها فقط يمكن للهيني أن يقول بأنه قد انتصر عن حق.. وبالقانون.
تطوان في 13 أكتوبر 2016