آخر

خواطر سدراوي.. “عندما يعجز التقليد عن مجاراة الإبداع: مقارنة بين السينما والحياة الواقعية”

الدكتور عزيز سدراوي

عند مشاهدتي الجزء الثاني من الفيلم الرائع Gladiator، لم يتمكن المخرج ريدلي سكوت، بكل مؤثراته البصرية المبهرة، من سد الفراغ الذي تركه الثنائي راسل كرو وخواكين فينكس. وهذا يثبت أن لحظة إبداع من ممثل موهوب قد تضاهي ملايين الدولارات التي تُنفق من أجل المتعة البصرية. وحدها لحظات الإبداع هي التي تخلق الحالة العاطفية الاستثنائية التي تجعل المشاهد يتعلق بالفيلم، وتجعله لا يمل من إعادة مشاهدته.

الكثير من الأفلام التاريخية، رغم دقتها وإنتاجها المبهر، لم تستطع أن تحقق هذه الحالة العاطفية الاستثنائية التي كانت موجودة في Gladiator. ما يجعلنا حتى الآن لا نمل من إعادة مشاهدته، رغم معرفتنا بالنهاية، هو لحظات الإبداع والتميّز: عاطفية الرائع راسل كرو المتأججة ورغبته في الانتقام، ولحظات جنون المبدع خواكين فينكس التي تمتزج فيها الريبة والشك والهشاشة النفسية بجنون العظمة والرغبة في الحفاظ على العرش.

هذا في السينما. أما أن نرى مثل هذه المقارنات في حياتنا العادية، فهو بلا شك ضرب من الخيال.

لكن الخيال يتحقق. لقد تحقق عند “جيران السوء”، الذين، وفي مشهد لا يمكن وصفه إلا بـ”الكُسول النقّال”، لم يتمكنوا من مضاهات مواهب وإبداع شعب المغرب.

فرغم مليارات غازهم وملايين نفطهم، لم يستطيعوا أبداً إبداع قفطان واحد، ولا زخرفة جبس لمسجد أو قصر، ولا حتى بناء حمام تقليدي.

الأدهى والأكثر أسفاً هو وصولهم إلى مستوى الغباء. فبالأمس القريب، وفي مشهد أقل ما يمكن وصفه بأنه غبي، امتطى كل من الرئيس “زين السمية” وقائد أركانه، الذي كان قد اغتُصب في شبابه، سيارة عسكرية رباعية الدفع، في تقليد أعمى لمواكب أصحاب الجلالة ملوك المغرب. كان مشهداً خالياً من كل إبداع، فاقداً للحيوية، بل ومثيراً للشفقة.

بالرغم من كل المؤثرات البصرية وكل زوايا التصوير التي استندوا إليها، افتقر المشهد لما يُعرف بـ”الحالة العاطفية” التي تصاحب اللحظة. بدا وكأنهم اعتمدوا على الذكاء الاصطناعي لتشخيص المشهد.

ماذا ينقصهم؟
الجواب بسيط: العقل، الفكر، الإبداع.
بكل بساطة، ينقصهم الذكاء.

لا يمكن، في سنتين أو ثلاث، أن تنهض صباحاً وتقول: “اليوم سأكون مغربياً”.
لا يمكن تقليد أكثر من أربعة عشر قرناً من التاريخ في سنة أو سنتين وبدون مقدمات أو تمارين أو محاولات.
لا يمكن، في ستين سنة من الحكم الذاتي الذي منحته فرنسا، أن تمحو أكثر من عشرة قرون من التبعية لمختلف الحضارات المجاورة، ثم العثمانيين، وأخيراً الفرنسيين.

حتى دانزل واشنطن، بكل قدراته التمثيلية الخارقة، لم يستطع ولو مرة واحدة مضاهات الممثل البريطاني الشهير أوليفر ريد (أنطونيوس بروكسيمو)، وهو بالمناسبة من لعب دور “الجنرال غراتسياني” في فيلم عمر المختار.

وكذلك، لن يكون “البهلاوانيان” حاكما إيالة الجزائر في مقام ملوك المغرب. ليس لشيء، سوى لافتقادهما لمفهوم الإبداع والنقص العميق في مؤشر الذكاء. فاقد الشيء لا يعطيه.

لقد صدق من قال: “عشرة في عقل”.

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق