سلايدر الرئيسية
فرنسا تمنع عن رئيسها أدوات حكمها..
ليست المرة الأولى التي يجد فيها الفرنسيون أنفسهم “يختارون” رئيسهم غصبا عنهم، فمنذ أن تمكن اليمين المتطرف من الوصول إلى الدور الثاني، والفرنسيون يجبرون على اختيار من أوصله نتائج الدور الأول إلى مجابهة أسرة “لوبين”.. ولأن اختيار المكره لا يمكنه أن يدوم.. فقد انتفض الفرنسيون البارحة.
فيوم أمس حدث ما توقعه كثيرون، فقد انهار نموذج “المكرونية” ، بحيث فقد الرئيس المنتخب قبل أسابيع قليلة، أغلبيته المطلقة، وفاز فقط ب 245 مقعد، وهو الأمر الذي لم يسبق له أن وقع في تاريخ الجمهورية الخامسة.
ومن تداعيات ما وقع، وجد ماكرون نفسه مضطرا إلى البحث عن حلفاء لتوفير الأغلبية الضرورية (289 صوت/مقعد) لاستقرار حكومته، وهو أمر متعسر في ظل الخريطة السياسية التي أفرزتها الانتخابات التشريعية التي لم تٌمْنح فيها الأغلبية لأحد. فتجمع اليسار سيلزم المعارضة وعينه متجهة صوب الرئاسيات المقبلة، وأقصى اليمين الذي حقق نتائج غير مسبوقة (89) لا مكان له في أغلبية ماكرون، والجمهوريون يميلون إلى المعارضة.
وفي ظل هذا الوضع، يحتاج ماكرون إلى البحث عن 44 صوت لاستكمال أغلبيته وهو لا يملك خيارات كثيرة، فلم يبق للرئيس من خيار إلا اللجوء عند وزيره الأول الأسبق إدوارد فيليب الذي حصد حزبه الجديد (آفاق) 27 مقعدا، ولأن هذا وحده غير كاف فما من خيار لاستكمال الأغلبية البرلمانية إلا الاستنجاد بالمخضرم فرانسوا باييرو (الحركة الديموقراطية=47 مقعد).
لكن المشكلة الكبيرة في هذه الحالة أن هذه الأغلبية الرئاسية هي التي دبرت شؤون الفرنسيين خلال خمس سنوات الماضية، لكن المفارقة هي أنها ستكون في وضع أسوأ من سابقه بالنظر إلى النتائج الانتخابية المخيبة ل “نهضة” ماكرون.. فهي “أغلبية” أضعف انتخابيا وسياسيا من سابقتها.. فكيف لها أن تكون دواء لأسقام الفرنسيين؟
والخلاصة أن الانتخابات الفرنسية أنتجت وضعا سياسيا غير مسبوق، وهو يهدد الاستقرار السياسي لفرنسا، ويمنع عن رئيسها الأدوات اللازمة لتنزيل برنامجه الانتخابي، ويدخل فرنسا منطقة عالية الاضطراب.. فالإصلاحات الضرورية والمؤلمة ستصبح متعثرة ومتعذرة، وتكلفتها السياسية مرتفعة، والمحيط الأوروبي والدولي يزيد الطين بلة في ظل أوضاع جيو-سياسية مضطربة ومربكة، وفي ظل أزمة اقتصادية لم تغادر بعد منطقة الخطر.. وفي ظل أوضاع اجتماعية قاسية يزيد من قسوتها التضخم القياسي وانهيار القدرة الشرائية والإدخارية لأغلب الفئات الاجتماعية…
هذه صورة مختصرة عن نتائج انتخابات فرنسية سيكون لها ما بعدها.. داخل وخارج فرنسا.. ومع كل ما ذكرناه فإن المرء لا يسعه إلا أن يقف احتراما لديموقراطية عريقة يحق لأهلها أن يفخروا بها، فالثابت والواضح أن ساستهم يتنافسون في خدمة مصالح دولتهم ومواطنيهم.. باستقلالية في القرار وبتنافس نزيه وشفاف وذي مصداقية.. وهذا هو المهم في الديموقراطية التي تصحح أخطاءها وأخطاء من يؤمنون بها ويمارسونها بشرف.
ختاما تظل الديموقراطية قبل ذلك وبعده حكمة إنسانية، تستحق العناء، والمؤمن أنى وجدها فهو أحق بها.. فقط عليه أولا أن يكون مؤمنا .. وذلك هو السؤال..
محمد أمحجور