شهدت كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمارتيل التابعة لجامعة عبد المالك السعدي يوم الخميس 08 يوليوز 2021 ابتداء من الساعة التاسعة والنصف صباحا، عقد ندوة علمية وطنية في موضوع “أخلاقيات البلاغة من البناء المعرفي إلى بناء النسق القيمي”، من تنظيم المركز المغربي “دراسات” للثقافة والآداب والأبحاث التربوية بتنسيق مع فرقة البحث في الإبداع النسائي بالكلية التي ترأسها الدكتورة سعاد الناصر “أم سلمى”.
استُهلت الندوة بكلمة ترحيبية من طرف رئيس المركز الدكتور عبد المجيب رحمون ، رحب فيها بالحاضرين أساتذة وطلبة باحثين ، متوجها بالشكر الجزيل إلى السيد عميد كلية الآداب الأستاذ الدكتور مصطفى الغاشي على دعمه و مساندته للندوة منذ الإعلان عنها؛ حيث أحيلت الكلمة له مباشرة، فعبر عن سعادته بحضور هذا اللقاء الثقافي العلمي، كما أشاد بمجهودات فرقة البحث في الإبداع النسائي، مؤكدا على الدور الكبير الذي تقوم به المراكز البحثية للطلبة الباحثين في تفعيل الأنشطة الثقافية لمد جسور الإشعاع الجامعي، وبالمقابل على دور الجامعات في احتضان الباحثين، وضرورة انخراطها في المشاريع العلمية، واختتم كلمته بالتعبير عن متمنياته لمركز ” دراسات ” بالتوفيق والنجاح معلنا استعداد كلية الآداب احتضان أي نشاط قد ينظمه المركز مستقبلا .
بعد أن جُدد الشكر و الامتنان للسيد العميد على جميل تفاعله وحسن تواصله، من طرف مسير الجلسة رئيس المركز ؛ تناولت الكلمة الدكتورة سعاد الناصر حيث أشادت بدور الندوة في مجال البحث العلمي، خاصة و أن موضوعها يكتسي أهمية بالغة، ذلك أن البلاغة تسهم في تشييد البناء المعرفي و النسق القيمي، كما أن لها دورا في ترقية الذوق الجمالي، في ظل أزمة القيم الإنسانية في العصر الراهن.
وقد تناول الكلمة بعدها رئيس المركز المغربي للثقافة و الآداب و الأبحاث التربوية، الدكتور عبد المجيب رحمون، حيث تطرق إلى موضوع الندوة، مؤكدا على وجوب قيام البلاغة بدورها، و المتمثل في تكريس مفهوم القيمة، مستشهدا بالنصوص الأدبية العربية القديمة، كنصوص الجاحظ التي تنظر إلى الأخلاق باعتبارها حجة و سلطة، وليست أثرا وقيمة، إلا إذا استثنيا بعض الرسائل كرسالة كتمان السر وحفظ اللسان على سبيل التمثيل. هذا وقد عد الدكتور رحمون البحث في أخلاقيات البلاغة أمرا أساسيا، مبينا أن المقصود بالأخلاقيات في هذا المجال “الوثيقة التي تبلور منهج الإنسان في الحياة” باعتبار أن البلاغة تبحث في الإرادة الخيرة كما هي الفلسفات الأخلاقية، ولقد جاءت الندوة لتجيب عن هذا الإشكال العام. وكانت المداخلة الأولى في اللقاء للدكتور محمد العمري، مجدد الدرس البلاغي الحديث وأستاذ البلاغة و تحليل الخطاب بجامعة محمد الخامس بالرباط، والذي أ بى إلا أن يشارك في الندوة بمداخلة مرئية على الرغم من ظروفه الصحية . وقد عنون مداخلته ب :” بلاغة الحوار: مساهمة في تخليق الخطاب السياسي “، قسم من خلالها الخطاب إلى نوعين: خطاب ينشد التغيير، وخطاب متكتل. مركزا مداخلته على الخطاب السياسي المعتمد في أساسه على البلاغة، التي اعتبرها د.العمري بفن المرونة، وحرب على التحجر، و أنه يجب التصدي للخطاب العنيف المقاوم للتغيير، وقد كان ذلك أساسا لتأليف كتابه الموسوم ب: “دائرة الحوار و مزالق العنف : كشف لأسباب المغالطة”. الكتاب الذي ألفه صاحبه في ظرفية عرفت انزلاقات خطيرة في الحوار السياسي، الذي كان يرفض أية حقيقة واردة من جهة أخرى مغايرة، مؤكدا على ضرورة تغطية الحوار للاعتقادات الممتدة بين الفردي و الجماعي، وأنه يجب أن يقوم على عناصر أساسية تتمثل في القياس و المناقشة و التدبير.
تناولت الكلمة بعد ذلك الأستاذة “لبنى الفاسي” عضو المكتب الإداري التنفيذي لمركز “دراسات”، والباحثة في مجال السوسيولوجيا، فعرفت بالمركز و أهدافه، والتي تتمثل أساسا في الانفتاح على الثقافة برؤية جديدة، وتناول الموضوعات وفق مناهج علمية حديثة، بعيداً عن النمطية .من جانبه قارب الدكتور “الحسين بنو هاشم” الباحث في البلاغة وتحليل الخطاب الموضوع في مداخلته المعنونة ب:”البعد الاخلاقي للخطابية عند أرسطو”، منطلقا من سؤالين هامين أولهما: “ما المقصود بالبلاغة؟” وثانيهما: “ما هي الأخلاقيات التي نقصدها ؟”. حاول من خلالهما التمييز بين الأخلاق و الأخلاقية، مركزاً في مداخلته على مفهوم البلاغة الآرسطية، والتي تشمل كل الخطابات الإنسانية، عدا الخطابات العلمية الدقيقة، مبينا وجوب التمييز بين الشعرية و الخطابية، وهو ما لم يتحقق سابقا قبل بروز البلاغة الجديدة.
وقد أكد الدكتور ” الحسين بنو هاشم” على أن البلاغة تُسهم في فضح أغاليط الخطاب السياسي، مستعرضاً في مداخلته الاتهامات التي وُجهت للخطابية الآرسطية، ومفنداً إياها بنقيضها، فأرسطو يعطي للخطابية بعداً اجتماعياً ، ويجعل منها أداة لخدمة الحق والعدل، ودرعاً منيعاً أمام استغلال المؤسسات الديموقراطية. فالخطابية في نظر أرسطو ليست سلطة بل وسيلة للدفاع عن القيم المشتركة.
سير الندوة كل من الأستاذين عبد المجيب رحمون و لبنى الفاسي، بمقاربة تقوم على الحوار والمناقشة، ومباشرة بعد انتهاء المداخلات، تم فتح باب النقاش ليتدخل الحاضرون من طلبة و باحثين بتساؤلاتهم و إضافاتهم حول قضايا البلاغة والأخلاقيات، حيث عملت مداخلات الحضور على ملامسة الموضوع من مختلف زواياه، كما طرحت أسئلة على المحاضرين، وتقدم متدخلون آخرون بوجهات نظرهم حول الموضوع. وختمت الندوة العلمية بتقديم شهادات تقديرية للمشاركين، وشهادات الحضور للطلبة الباحثين.
ذة. سناء حربول
عن لجنة الإعلام و البرمجة و التواصل