هدى المساوي
في كرة القدم، لا يُظلم اللاعب دائماً حين يخطئ، بل حين يكون أذكى من المنظومة التي تحتضنه. الظلم الحقيقي لا يمارس بالصافرة ولا بالبطاقة، بل بالقرارات الباردة التي تعاقب المختلف لأنه لا يشبه القطيع. حكيم زياش لم يكن يوماً أزمة فنية، بل أزمة وعي كروي؛ لاعب ولد في زمن يطلب الطاعة أكثر مما يحتمل العبقرية، فكان الاصطدام حتمياً..
زياش لاعب يقرأ المباراة قبل أن تبدأ، ويربكها قبل أن تستقر. لا يركض ليرضي الإحصائيات، ولا يختبئ خلف تمريرات آمنة ترضي المدربين الكسالى. هذا النوع من اللاعبين يخيف : لأنه يفضح محدودية الفكر التكتيكي، ويكشف هشاشة الأنظمة التي تحتاج الطاعة أكثر من الإبداع.
الظلم الذي تعرض له زياش لم يكن لحظة سوء تفاهم، بل مساراً متكرراً من الإقصاء المقنع. حين يلمع يقال إنه مزاجي، وحين يقصى يقال إن القرار “إنضباطي”. ترفع شعارات الاحتراف فقط عندما يراد إسكات المختلف، لا عندما يراد تطوير اللعبة.
في محطات كثيرة، عوقب زياش لأنه لم يتقن فن الصمت، لا لأنه أخطأ في الملعب، وكأن المطلوب من اللاعب الموهوب أن يكون أقل ذكاءً كي يرضي منظومة أقل شجاعة. هكذا يدفن الإبداع تحت شعارات النظام، ويستبدل الجرأة بالمتوسط.
أما الخاتمة المؤلمة، فهي مع المنتخب المغربي، زياش لم يخن القميص يوماً، لكن القميص خذله أكثر من مرة. استدعي حين احتاجوه رمزاً، وأقصي حين احتاجوا كبش فداء. وفي كل مرة فشل فيها المشروع، وضع اسم زياش في الواجهة كأنه العطب، بينما ظل الخلل الحقيقي في التفكير، لا في القدم اليسرى.
المنتخب الذي لا يعرف كيف يحتوي لاعباً مثل زياش، لا يعاني من أزمة نجوم، بل من أزمة وعي. فالدول الكبرى تصنع منتخباتها حول لاعبيها الاستثنائيين، أما نحن فغالباً ما نطالب الاستثنائي بأن يتنازل، أن يصمت، أن يشبه الجميع… ثم نتساءل لماذا لا نصنع تاريخاً مستداماً.
لم يكن ذنب حكيم زياش يوماً قدماً أخطأت، بل موقفاً لم يساوم، دافع عن قضية إنسانية لأنه آمن أن اللاعب ليس آلة بلا ضمير، وأن القميص لا يجرد الإنسان من صوته. وإن كانت حرية التعبير جريمة في نظر منظومات تخاف الموقف أكثر مما تخاف الهزيمة، فليكن زياش مداناً بشرف. التاريخ لا يدين من قال رأيه، بل من عاقبه عليه. وحين يكتب هذا الفصل، سيذكره لاعباً اختار المبدأ، بينما سيسجل على غيره أنهم اختاروا الصمت… وفي النهاية، سيبقى زياش شاهداً على زمن عاقب الصدق، وكافأ الانحناء ..!







