عمران بوشعيب
أيّام الزمن الجميل…
جميلٌ أن تعيش عمرك كلّه في الخلاء، بين قبور الأموات،
خيرٌ من أن تعيش محاصرًا بأجساد أحياء
تحيا في مرتبة الأموات داخل بهاءٍ كاذب.
هناك، في المقبرة، الصمت صادق،
وهنا، في الحياة، الضجيج يقتل الروح.
أيّام الزمن الجميل…
سارت تلك الروح التي كانت تسكن جسدي إلى قبرها،
وبقي جسدي حارسًا لمقبرةٍ لا يراها أحد.
قبرٌ أقل من مترٍ في جوف الأرض
ترك أثرًا بليغًا من المأساة والمعاناة،
وجعل الجسد حيًّا خارج القبر…
ساكنًا في مقبرة اسمها الحياة.
أيّام الزمن الجميل…
في الحياة أغنياء وفقراء،
وفي المقبرة قبور متساوية،
لا فرق فيها بين اسمٍ واسم.
عشت في الحياة خادمًا لأشخاص
احترمت مهنتي بينهم،
وعشت في المقبرة، قرب قبر أمي،
حارسًا ليليًا يحترم القبور…
لا الأشخاص.
أيّام الزمن الجميل…
عندما كانت أمي تبكي،
كنا نحن صغارها نبكي معها بصوتٍ عالٍ،
لا نسألها عن سبب الدموع،
بل ننتظر أن تضع يديها على رؤوسنا،
فنشفى دون دواء،
ونُداوى دون كلام…
كنا أشباه أيتام
لكننا أغنياء بحنانها.
أيّام الزمن الجميل…
رغم الفراق،
فراق الأموات،
فراق الأرواح التي أعلم أنها لن تعود أبدًا،
ما زلت أُسابق حُبّي للعيش قرب المقبرة ليلًا،
وأبتسم نهارًا،
لأنني تعلمت احترام غدر الرحيل،
وتصالحْتُ مع صمت القبور
أكثر مما تصالحت مع صخب البشر.
غدر الزمن الجميل
18 / 09 / 2012










