عمر صبار
لم تعد قضية حميد المهداوي مجرد ملف قضائي أو اختلاف في التأويل القانوني. حيث ما جرى هو إهانة صريحة لمعنى الدولة، وسقوط مدو لهيبة المؤسسات، وفضيحة علنية أكدت أن بعض المؤسسات ما زالت تتصرف بمنطق يجر البلد إلى الخلف، رغم كل الخطابات الرسمية التي تتحدث عن الإصلاح.
إن الطريقة التي دبرت بها القضية ليست سوى “إخراج رديء” لجريمة قتل المعنى: معنى العدالة، معنى استقلال القضاء، معنى الصالح العام، ومعنى الدولة الحديثة التي يفترض أن تستمد قوتها من القانون لا من التعليمات، ومن الثقة لا من التخويف، ومن المؤسسات لا من المزاجيات.
وإذا كانت الدولة في زمن الملك الراحل الحسن الثاني، بكل ما كان فيه من قبضة حديدية، تتقن ارتكاب أخطاءها عبر محترفين يعرفون كيف يخفون آثار الجريمة السياسية، فإن ما يحدث اليوم أسوأ بكثير: أخطاء ترتكب بلا احتراف ولا وعي بالكلفة السياسية والإنسانية، وقرارات تتخذ بارتباك لا يليق بدولة تدعي دخول نادي الدول الصاعدة.
لقد دفعت الدولة ثمنا باهظا لسنوات الرصاص: سنوات من التوتر، سنوات من فقدان الثقة، ثم سنوات من البحث عن المصالحة. فما معنى أن نعود اليوم إلى ممارسات تشبه الماضي ولكن بطريقة أكثر بدائية وفضائحية؟ كيف نفهم أن مؤسسات يفترض أن تكون جزء من بناء الدولة تتحول إلى مصدر للتشويش على شرعيتها؟ كيف نفسر أن بعض المرافق العمومية والقضائية تعبر عن “نقاط نظام”؟
الصدمة الأكبر ليست فقط في سلوك بعض مؤسسات الدولة، بل في صمت المجتمع الذي قبل لنفسه أن يتخلى عن دوره كسلطة مضادة. فالتراجع لا يصنعه المستبد وحده؛ بل يصنعه أيضا مجتمع صامت يتفرج على تآكل المعنى ويفقد تدريجيا القدرة على الدفاع عن نفسه وعن قيمه. إن صمت النخب، وانسحاب المجتمع المدني، وتردد الرأي العام، كلها عوامل سمحت بأن تمر أخطاء جسيمة دون محاسبة.
قضية المهداوي ليست حادثا عابرا. إنها مؤشر خطير على منطق يطبق خارج سلطة العقل بلغة الكحص. منطق يجر البلاد إلى الخلف ويضعف شرعية المؤسسات ويؤسس لفراغ سياسي يهدد السلم الاجتماعي.









