بقلم: عبد المنعم الرفاعي – محامٍ بهيئة طنجة
تسلّط قضية الطفلة لينة الضوء من جديد على سؤال الحماية الجنائية للأطفال بطنجة، وعلى التباين الملحوظ بين جدية قرارات النيابة العامة في تفعيل السياسة الجنائية، وبين الأحكام القضائية التي قد تُفرز نتائج مغايرة تماماً، كما حصل في هذا الملف الذي أثار استغراب المتتبعين والفاعلين الحقوقيين.
موجز الوقائع
في يوليوز 2024 تعرّضت القاصرة لينة لاعتداء نتجت عنه إصابات استدعت نقلها إلى المستشفى، حيث سلّمت لها شهادة طبية تفوق 21 يوماً. وبعد تقدم الأسرة بشكاية، باشرت الضابطة القضائية البحث، وقدّمت المشتكى بهما—عمتها وابنة عمتها—أمام السيد وكيل الملك الذي قرر متابعتهما في حالة سراح من أجل جنحة العنف في حق قاصر.
ومع تقدم التحقيق، ظهرت معطيات أخرى مبنية على تسجيلات صوتية ومرئية وتقارير تقنية صادرة عن الشرطة القضائية، تبيّن منها حسب تقدير النيابة العامة وجود أفعال إضافية تستوجب المتابعة. وعلى هذا الأساس، وسّع السيد وكيل الملك المتابعة لتشمل جنحاً أخرى، من بينها السب، والقذف، والتحريض عبر الوسائط الإلكترونية.
حكم بالبراءة… وصدمة لدى الأسرة والدفاع
بعد عدة جلسات، قررت المحكمة الابتدائية بطنجة اعتبار الملف جاهزاً، رغم غياب عدد من الشهود، والاكتفاء بسماع شاهدة واحدة من عائلة المتهمة. وبعد المرافعات، قضت المحكمة ببراءة المتهمة من كل المنسوب إليها، مع التصريح بعدم الاختصاص في المطالب المدنية.
هذا الحكم شكّل صدمة حقيقية للقاصرة وأسرتها ودفاعها، بالنظر لتوفر الملف على مجموعة من الأدلة والقرائن التي اعتبرها الدفاع قوية ومتكاملة، وتستوجب الإدانة لا البراءة.
لماذا جرى استئناف الحكم؟
جاء الطعن بالاستئناف لأن الحكم الابتدائي—في تقدير الدفاع—لم يأخذ بعين الاعتبار عدداً كبيراً من المعطيات المثبتة الواردة بالملف، ومنها:
اعترافات وتصريحات صادرة عن أفراد من عائلة المتهمة تتضمن اعتذارات ومحاولات صلح.
أقوال تثبت وجود خلافات سابقة ووقائع مشابهة.
تصريحات المتهمة نفسها خلال البحث التمهيدي.
تسجيلات فيديو وصوت تعتبر النيابة العامة أنها تشكل وسائل إثبات قانونية.
حكم قضائي ابتدائي سابق أشار صراحة إلى مشاركة المتهمة في عنف سابق موجه للقاصرة.
هذه العناصر مجتمعة، إضافة إلى تصريحات الشهود والقاصرة، كانت في نظر الدفاع كافية لتكوين قناعة قضائية تسير في اتجاه الإدانة، انسجاماً مع روح السياسة الجنائية لحماية الأطفال، ومع التوجه القضائي الحديث الذي يشدد على عدم التساهل مع العنف ضد القاصرين.
بين الاقتناع الذاتي للقاضي ومبدأ حماية القاصر
رغم أن “الاقتناع الوجداني” سلطة يمنحها القانون لقاضي الحكم، إلا أن هذا الاقتناع ينبغي أن يكون مبنياً على وقائع ووثائق الملف، خاصة حين يتعلق الأمر بقاصر تكون الحماية القانونية له مضاعفة بموجب التشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية.
الملف—وفق ما يؤكد الدفاع—كان غنيّاً بالأدلة والتصريحات المتطابقة، مما يجعل الحكم بالبراءة قراراً مثيراً للتساؤل ويدفع إلى ضرورة إعادة تقييمه أمام محكمة الاستئناف.
خطوات قانونية مقبلة
تعتزم والدة القاصرة، بتنسيق مع هيئة الدفاع، توجيه تظلم رسمي إلى الجهات القضائية المختصة، وفي مقدمتها المجلس الأعلى للسلطة القضائية. كما يجري الإعداد لتنظيم ندوة صحفية لعرض ملابسات الملف، وتقديم الأدلة والوثائق للرأي العام، في إطار الشفافية واحترام حق المجتمع في تتبع قضايا العنف ضد الأطفال.











